“ضربات نوعية وتكتيكات”.. حزب الله وإسرائيل إلى أين؟
بيروت- توصف المواجهة بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي بـ”حرب التكتيكات والضربات النوعية”، وتزداد سخونة يوما بعد يوم منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين أعلن حزب الله أن معركته ضمن إطار جبهة المساندة لقطاع غزة.
ومع مواصلة إسرائيل لغاراتها على المنطقة الحدودية والمنشآت المدنية، بعمق بلغ قرى بقضاء جزين وإقليم التفاح هذا الأسبوع، استخدم الحزب أسلحة جديدة من نوع الصواريخ الحارقة أطلقها على أحراج مستعمرة “برانيت” كرد على إحراقها الأحراج اللبنانية، وسجل إطلاق 3 مسيّرات انقضاضية على تجمعات مستحدثة خلف مواقع إسرائيلية بمزارع شبعا اللبنانية المحتلة.
تراشق متبادل
ومقابل استهداف حزب الله -الأحد- مرابض مدفعية لإسرائيل في “ديشون” بالصواريخ، تصعّد إسرائيل عبر ضرب المنازل والأحياء السكنية الحدودية، حيث أغارت طائراتها على أهداف عسكرية لحزب الله، شملت بنى تحتية ومباني عسكرية ومواقع إطلاق قذائف.
وكما الحال في غزة، تخفي إسرائيل حجم خسائرها بالجبهة الشمالية، بشريا ولوجستيا وعسكريا، بالمقابل، بلغت حصيلة حزب الله نحو 120 شهيدا وفق بياناته المتتابعة، فيما استشهد نحو 23 مدنيا جنوب لبنان.
ومنذ اندلاع المواجهة، تعرضت نحو 91 قرية في جنوب لبنان لنحو ألف و768 هجوما، وسجلت القرى الحدودية والجنوبية نزوح أكثر من 64 ألف شخص من سكانها، وفق تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في 19 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
سياسيا، تتحدث صحف أميركية عن مساع تقودها واشنطن مع إسرائيل ولبنان، لضبط التوترات واستعادة هدوء مستدام على الحدود، وتواصل باريس مدعومة من واشنطن مسعاها لتطبيق لبنان القرار 1701، على قاعدة انسحاب حزب الله من جنوب الليطاني وإنشاء منطقة عازلة؛ ما دفع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، للقول إن لبنان مستعد لتطبيق القرار شرط انسحاب إسرائيل من أراضيه المحتلة.
لقراءة وتحليل التداعيات والسيناريوهات المرتقبة للتصعيد بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلية، تستضيف الجزيرة نت كلا من الكاتب والمحلل السياسي حسين أيوب، والباحث الخبير بالعلاقات الدولية علي فضل الله، والخبير العسكري والإستراتيجي العميد المتقاعد هشام جابر…
دلالات التصعيد
يجد الخبير العسكري هشام جابر أن حزب الله يرد على محاولات إسرائيل استدراجه للحرب، عبر قتلها للمدنيين وتوسيع العمليات لنطاق أوسع من 5 كيلومترات، لكن إسرائيل تدرك أن كسرها لقواعد الاشتباك كليا مع حزب الله، يحتاج لمساندة أميركية عسكرية مباشرة، بينما سلوك الحزب لا يمنحها فرصة إجبار واشنطن على التدخل.
فيما يعتبر خبير العلاقات الدولية علي فضل الله، أن ما يحدث عبارة عن حرب تكتيك بين حزب الله وإسرائيل. أما المحلل السياسي حسين أيوب فيجد أن كل طرف يحاول إنتاج معادلات لا تخل بالمعادلة الكبرى، طالما أن قواعد الاشتباك الفعلية المعمول بها قبل 8 أكتوبر، نُسفت كليا، وفق مؤشرين:
- إسرائيل تعطي إشارات بأن يدها هي الطولى بالميدان.
- حزب الله يعطي إشارات لإسرائيل بأنه بلغ من الاستعداد ما يجعله قادرا على تقديم العديد من المفاجآت بالميدان.
ويجزم حسين أيوب أن لا مصلحة لإسرائيل بالتصعيد، ويرجح ميلها لإخماد الجبهة كليا، في حين يوجه حزب الله رسالة لإسرائيل مفادها “الأمر لي وليس لك، وإذا أردت أن تتوقف هذه الجبهة، يجب وقف إطلاق النار بغزة، كهدف أساسي لمعركة جبهات إسناد غزة”.
الجنوب وسوريا
من جانب آخر، يعتبر المحلل السياسي حسين أيوب أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول الاستفادة من عناصر ميدانية عديدة، “عندما كان يسقط قتلى لحزب الله بسوريا بالغارات الإسرائيلية قبل حرب طوفان الأقصى، كان الحزب يرد بالجبهة الشمالية، وهذا لسان حاله بالسنوات الأخيرة التي أعقبت انخراطه بالحرب السورية”.
أما اليوم، فيستفيد الإسرائيلي وفق المحلل ذاته، من واقع الاشتباك الحدودي حتى تكون يده رخوة في سوريا، وبالتالي سقط حتى الآن أكثر من 10 قتلى للحزب بسوريا، ولذلك، كان رد الحزب جزءًا من الاشتباك القائم، بحسب المتحدث نفسه، الذي يوضح الأمر بافتقاد حزب الله لعنصر المبادرة، بينما استفاد الإسرائيلي من معادلة كرسها حزب الله سابقا، ليحاول النيل من عناصر الحزب في سوريا، عبر توسيع ميدان الاشتباك ومعادلاته.
رسائل سياسية وعسكرية
ومن جهة أخرى، يعتبر الخبير العسكري هشام جابر أن حزب الله بدّل تكتيكه باستعمال أسلحة جديدة ومسيّرات وصواريخ موجهة وأسلحة الدفاع الجوي، خصوصا “أن أكثر ما يزعج إسرائيل هو الصواريخ المضادة للدروع التي يطلقها على مستوطناتها الشمالية”.
وسياسيا، يجد حسين أيوب أن لا قيمة لما يحكى عن القرار 1701 والمنطقة العازلة، وأن المساعي لا تتعدى حدود التطوع الفرنسي بنقل رسائل إسرائيلية. ويقول إن “المناخ الدولي والإقليمي يشي بأن لا حديث جديا بأي معادلة قبل انتهاء حرب غزة لبناء المقتضى على ضوء نتائجها”.
من جانبه، يجد علي فضل الله، أن تصعيد حزب الله بنوعية عملياته، يؤكد أن مساعي ضبط الجبهة وفق معادلة انسحابه من جنوب الليطاني غير معني بها، على قاعدة بأن ما لم تحققه “حرب تموز 2006″، لن تحققه إسرائيل بمعركة 2023.
ويعتبر خبير العلاقات الدولية أن ما يستوقف حزب الله، هو موقف فرنسا الداعم لإسرائيل، بعدما كانت تحاول أن تلتقي مع حزب الله بمنتصف الطريق وأن تحقق شروطه ومطالبه، عبر دعمها السابق لمرشحه للرئاسة اللبنانية سليمان فرنجية.
ويستدرك فضل الله في السياق ذاته “بعدما تحولت حرب غزة لصراع إقليمي، دخلت باريس معركة المزايدة دعما للمصالح الإسرائيلية، ووصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمرة الأولى بالإعلام حزب الله بالمجموعة الإرهابية، بعد نحو عامين من سعيه مع إدارته لمحاباة الحزب على حساب الأطراف اللبنانية الأخرى”.
سيناريوهات التصعيد
وعن اتجاه التصعيد يربط هشام جابر مصير الجنوب اللبناني بحرب غزة، وبما سيترتب الشهر المقبل كفرصة قد تكون أخيرة منحتها واشنطن لإسرائيل لتحقيق انتصار عسكري.
ويرجح الخبير ذاته ألا تتعدى المواجهة بين الحزب وإسرائيل السقف القائم، “لأن ما لم تحققه إسرائيل عسكريا ضد حماس بغزة، لن تحققه ضد حزب الله في لبنان”.
أما علي فضل الله، فيجد أن قرار الحرب والسلم لدى أميركا وإسرائيل، ويقول: “احتمال بقاء المواجهة ضمن قواعد الاشتباك الحالية، يوازي بنسبته احتمال اشتعال الحرب، التي يجهز لها الطرفان لوجستيا وعسكريا كما لو أنها ستقع غدا”.
لكن حزب الله برأي علي فضل الله، لا يتعاطى مع المعركة بوصفها حربا تحريرية، بعدما أرست حماس معادلة “تبييض السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين”، رغم نتائجها الإستراتيجية والإقليمية.
بالمقابل، يرجح حسين أيوب أن يتخذ الواقع الميداني طابعا أكثر حرارة بالأسابيع المقبلة، التي قد تسبق التوصل لوقف إطلاق النار، ويقول “سيحاول الجانب الإسرائيلي تقديم صورة وظيفتها الأساسية إحباط معنويات اللبنانيين، بمعنى القدرة على التدمير كما يفعل بغزة”.
وسيحدث -كما يضيف- “خصوصا في قرى الحافة الحدودية اللبنانية الأمامية المقابلة للشريط الحدودي، ولأنه يتصرف هناك على قاعدة أن 90% من الموجودين فيها هم أهداف عسكرية، فيبدي استعداده لتحمل أعباء الاستهداف الذي قد يطال الأهداف المدنية”.
أما أبعد من قرى الحافة الحدودية، فستكون إسرائيل حذرة للغاية برأي المتحدث ذاته “لأنها لا تريد للحرب أن تتدحرج أكثر بظل القيود الأميركية عليها”.
كما يعتبر المحلل نفسه أن نتنياهو منذ اليوم الأول للحرب، يطمع ويطمح بتفويض أميركي لتأديب حزب الله بلبنان والحوثيين باليمن، “لكن الأميركي يصر على عدم توسيع المعركة وخروجها عن قواعدها الحالية”.
ويخلص المحلل السياسي إلى أن سيناريو الإشغال سيستمر، مع قدرة لجم منعا لاحتمال الحرب الكبرى التي لا يريدها الأميركي والإيراني حتى الآن.