لماذا وافقت إسرائيل على المثول أمام محكمة العدل الدولية؟
القدس المحتلة – تترقب إسرائيل بتخوف جلسة محكمة العدل الدولية في لاهاي الأسبوع المقبل لمناقشة الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي والتي تتهمه فيها بارتكاب جرائم “إبادة جماعية” في قطاع غزة.
وأجمعت تقديرات للمحللين السياسيين والقانونيين على أن المؤسسة الإسرائيلية تخشى تداعيات جلسة المحكمة الدولية التي تأتي في أوج الحرب على قطاع غزة، وتتحسب من مغبة أن تكون المداولات وما يصدر عنها من قرارات بداية لتجريم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة والضفة الغربية المحتلة.
وبحسب خبراء القانون الدولي، فإن هذا الإجراء في محكمة العدل الدولية قد يحدد طبيعة تهم الإبادة الجماعية التي ارتكبها جيش الاحتلال في غزة، مما يتسبب في عزلتها السياسية ومقاطعتها، أو فرض عقوبات على إسرائيل أو على الشركات الإسرائيلية.
وفي ظل الخوف من إصدار المحكمة في لاهاي في جلستها، التي ستعقد يوم الخميس 11 يناير/كانون الثاني الجاري، حكما تقييديا فوريا يأمر تل أبيب بوقف إطلاق النار والعمليات العسكرية بالقطاع، قرر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن إسرائيل ستمثل أمام المحكمة الدولية، بل سيتم النظر في إضافة قاض إسرائيلي نيابة عنها، في قرار يعتبر سابقة وغير اعتيادي.
فريق دفاعي مشترك
وأصدر نتنياهو تعليماته للمستوى الدبلوماسي والمؤسسة العسكرية والجهاز القضائي بتشكيل فريق وزاري مشترك، شرع في التحضير لصياغة لائحة دفاع للرد على الالتماس الذي تقدمت به جنوب أفريقيا للمحكمة في لاهاي، والذي يتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة.
ونقلت مراسلة الشؤون السياسية في صحيفة “معاريف” آنا براسكي عن مصادر دبلوماسية إسرائيلية رفيعة المستوى قولها إنه تقرر بإجماع جميع الأجهزة الأمنية والسياسة الخارجية والاستخباراتية وجوب محاربة ما وصفوها بـ”مؤامرة الدم” المتجسدة في اتهامات “الإبادة الجماعية”.
وأشارت براسكي إلى أن إسرائيل عضو في اتفاقية مناهضة “الإبادة الجماعية”، وفي هذه المرحلة، تقول مراسلة الشؤون السياسية، “لا يوجد سبب لدى إسرائيل لمقاطعة الجلسة، واللوم يقع على أصحاب الادعاء الذي لا أساس له من الصحة وليس على المحكمة الملزمة بنظر الدعوى المرفوعة أمامها”.
وفي مؤشر يعكس هواجس المستوى السياسي بتل أبيب من تداعيات الدعوى في المحكمة الدولية على إسرائيل بكافة المجالات، أفاد مراسل الشؤون السياسية في الموقع الإلكتروني “والا” باراك رافيد بأن نتنياهو يفحص إمكانية أن يترافع المحامي الأميركي آلان ديرشوفيتس عن إسرائيل في جلسة الاستماع التي ستعقد في لاهاي الأسبوع المقبل.
وأوضح رافيد أنه يمكن تمثيل إسرائيل في جلسة المحكمة من خلال 4 محامين، مشيرا إلى أن المستوى السياسي يعمل على إيجاد حقوقيين دوليين ذوي مكانة عالية من أجل أن يساعدوا على إقناع هيئة المحكمة بالموقف الإسرائيلي، ورد طعون وطلب جنوب أفريقيا.
ويقول رافيد إن الحكومة الإسرائيلية ستعمل على حشد وتجنيد الدعم من مختلف الدول لدعم موقفها وقبول روايتها، لافتا إلى أن نتنياهو لن يحضر الجلسة، لكنه قد يبعث رسالة إلى هيئة المحكمة تطعن في الالتماس الذي قدمته جنوب أفريقيا.
جرائم الإبادة الجماعية
وطلبت جنوب أفريقيا من المحكمة إصدار أمر تفسيري تؤكد بموجبه أن إسرائيل ترتكب أعمالا تشكل إبادة جماعية في غزة، ومطالبتها بالعمل على وقفها بشكل فوري، مما يعني إصدار أمر احترازي فوري يلزم جيش الاحتلال الإسرائيلي بوقف إطلاق النار بالقطاع، وفقما أفاد مراسل الشؤون القضائية في صحيفة “هآرتس” حين معانيت.
وبحسب معانيت، فإن فريق الدفاع الإسرائيلي يتكون من ممثلين عن وزارة الخارجية ووزارة القضاء ومكتب المدعي العام العسكري ومجلس الأمن القومي، ويتلخص هدفه الرئيسي في الوقت الحالي في منع أي احتمال لاستجابة المحكمة لطلب جنوب أفريقيا بإصدار أمر تقييدي لاستمرار القتال.
ومن الخطوات التي تدرسها إسرائيل، يقول معانيت “تعيين قاض نيابة عنها للمشاركة في جلسة الاستماع للالتماس”. ووفقا لهذا الإجراء، يجوز للدولة المدعى عليها التي تمثل أمام المحكمة أن تضيف قاضيا إلى هيئة مكونة من 15 قاضيا. ويمكن لجنوب أفريقيا أيضا أن تطلب تعيين قاض نيابة عنها.
وتخشى المؤسسة الأمنية ومكتب المدعي العام الإسرائيلي “أن تنسب محكمة العدل الدولية في لاهاي جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة إلى إسرائيل”.
وأشار إلى أن أحد كبار القانونيين الذي يتعامل مع هذا الأمر حذر كبار مسؤولي الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك رئيس الأركان هرتسي هاليفي، من أن هناك خطرا حقيقيا من أن تصدر المحكمة أمرا يأمر إسرائيل بالتوقف الفوري عن إطلاق النار في غزة.
تصريحات متطرفة
ووفقا للدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا، فإن الادعاءات المتعلقة بنوايا إسرائيل ارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة مدعومة باقتباسات من العديد من كبار المسؤولين الإسرائيليين، بدءا من الرئيس يتسحاق هرتسوغ وانتهاء بوزير التراث عميحاي إلياهو.
يقول المحامي نيك كوفمان، الخبير في القانون الدولي الذي يمثل أمام المحاكم في لاهاي، إن على إسرائيل أن تدعي أن مثل هذه التصريحات للوزير إلياهو بأن “إسقاط قنبلة ذرية على غزة هو أحد الطرق” وأمثالها هي تصريحات شعبوية وموجهة إلى جمهور متطرف ولا علاقة لها بالسياسة الإسرائيلية.
من جانبه، اتهم المحامي ميخائيل سيفارد، الخبير في القانون الدولي وحقوق الإنسان، كبار المسؤولين في الجهاز القضائي في إسرائيل بعدم التصرف ضد التصريحات المتطرفة للمسؤولين الإسرائيليين، حيث طالب المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا باتخاذ إجراءات ضد الوزراء والكنيست والأعضاء الذين يدعون إلى التطهير العرقي والإبادة.
بدوره، قال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي إن “إسرائيل وقعت على اتفاقية مناهضة الإبادة الجماعية منذ عقود، وبالتأكيد لن نقاطع النقاش ومداولات المحكمة الدولية، سنمثل أمام المحكمة، وسنرد الدعوى العبثية التي تشكل مؤامرة دموية ضد إسرائيل”.
ولتبرير العلميات العسكرية التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة والتي تستهدف المدنيين، قال هنغبي “لقد تم استخدام قسوة مماثلة ضد مواطني إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فالدعوى للمحكمة الدولية التي لا أساس لها من الصحة ضد حق الضحية في الدفاع نفسه”.