انفجار كرمان.. خبيران إيرانيان يعددان أسباب اتهام واشنطن وتل أبيب
طهران- في مشهد دراماتيكي لم تعتد عليه إيران منذ انتصار ثورتها عام 1979، تتحول فعاليات إحياء الذكرى السنوية الرابعة لاغتيال القائد السابق لفيلق القدس الجنرال قاسم سليماني إلی مجزرة، بفعل تفجير مزدوج استهدف زوار قبره في مدينة كرمان جنوب شرقي إيران.
وتجاوز عدد القتلى الـ100 خلال سويعات قليلة، عصر الأربعاء، في حين تصف هيئة الطوارئ الإيرانية حالة بعض الجرحى الذين بلغ عددهم نحو 300 شخص بأنها “حرجة”، ما يرجّح ارتفاع حصيلة القتلى، وهو ما استدعى إعلان الحداد العام بالبلاد، وأن يلغي الرئيس إبراهيم رئيسي زيارته المقررة، اليوم الخميس، إلى تركيا.
يأتي ذلك بعد مرور أسبوع فقط على اغتيال إسرائيل كبير المستشارين العسكريين الإيرانيين في سوريا الجنرال رضي موسوي، وكذلك بعد يوم من اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) صالح العاروري، المعروف بقربه من القيادة الإيرانية، وبأنه يمثل همزة وصل بين حلقات محور المقاومة في لبنان.
أصابع الاتهام
وبالرغم من أنه -حتى الساعة- لم تتبنَّ أي جهة مسؤوليتها عن التفجير المزدوج في مدينة كرمان، فقد سارعت السلطات الإيرانية منذ اللحظات الأولى إلی توجيه أصابع الاتهام إلی إسرائيل، وقد يكون موقف وزير خارجيتها الجديد يسرائيل كاتس، سببا وراء ذلك.
وقال كاتس أمس الأربعاء، أثناء تسلّمه مهام الخارجية من سلفه إيلي كوهين، إنهم يخوضون ما سماها “حربا عالمية ثالثة ضد إيران”، واتهم طهران بالعمل على تطوير سلاح نووي.
ولم يشفع ما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، نقلاً عن مصادر، أن إسرائيل أبلغت حلفاءها بأنها غير متورطة في الهجوم الذي وقع في كرمان، إذ حذر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي “الكيان الصهيوني”، وتوعد بتدفيعه ثمن جريمة كرمان غاليا، “بما يدفعه للندم”.
ونفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، ضلوع بلاده بأي شكل من الأشكال في انفجاري كرمان، وأنه “ليس لديها سبب يدعوها للاعتقاد بضلوع إسرائيل في الهجوم”. بيد أن السلطات الإيرانية تكاد تجمع على اتهام ما يعرف في طهران بالمحور “الصهيوأميركي”، باعتباره العدو اللدود للجمهورية الإسلامية.
وحدة الساحات
وقال قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني العميد إسماعيل قآني، إن “تفجير كرمان نفذه عملاء لإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية”. وأصدر المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، بيان نعي حمل ما يشبه الأوامر العسكرية، وقال إن “الرد سيكون قاسيا”، ما دفع السلطات الأمنية لعقد اجتماعات سرية لتحديد كيفية الرد.
وإعلاميا، فعلى غرار ما ذهبت إليه الأوساط الإيرانية خلال الأشهر الثلاثة الماضية بالحديث عن “وحدة الساحات” في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الذي يخوض حربا شرسة على قطاع غزة، فإن الصحف ووكالات الأنباء الإيرانية عادت للحديث من جديد عن “وحدة الساحات”، لكن هذه المرة في الاستهداف والاختراقات الأمنية، بدءًا من سوريا ثم لبنان وأخيرا في كرمان الإيرانية.
ثالوث متورط
من ناحيته، تساءل الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه، عن الجهة المستفيدة من تفجير كرمان المزدوج في التوقيت الراهن، مضيفا أن “الحادث الأليم وقع في ذكرى اغتيال قاسم سليماني، وكم نتمنى أن تسير السلطات الأمنية الإيرانية على منهجه وحرصه في تحييد الأخطار الأمنية، قبل وصولها إلى الحدود الإيرانية”.
وفي حديث للجزيرة نت، أوضح فلاحت بيشه، أنه يرى “ثالوثا استخباريا وإرهابيا وعميلا قد تعاون على استهداف تجمع كرمان”، موضحا أن “الجهة الأولى تتمثل في الأجهزة الأمنية والاستخبارية والعملياتية للكيان الصهيوني والولايات المتحدة”.
أما الضلع الثاني، وفق المسؤول الأمني السابق، فإنه يتكون من “بقايا الجماعات الإرهابية، ومنها جماعة داعش الإرهابية، التي خسرت المعركة في مواجهة محور المقاومة بزعامة قاسم سليماني”، مضيفا أن “ثمة جهة ثالثة عميلة وأجيرة تتحرك مقابل الحصول على الأموال من مشغليها”.
وخلص فلاحت بيشه إلى أن هذا الثالوث متورط في تفجيري كرمان، وأنه لا يمكن تبرئة أي جهة منه، حتى إذا تبنى أحد أضلاعه “عمليات كرمان الإرهابية”.
وعن سبب توجيه الأوساط الإيرانية أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، قال الباحث السياسي المقرب من الحرس الثوري مهدي شكيبائي، إن “بصمات الأسلوب الصهيوأميركي في الاغتيالات واضحة في التفجيرين، وإنه لا يمكن تناول التفجير خارج إطار العدوان الإسرائيلي على غزة”.
أسباب الاتهام
وفي حديثه للجزيرة نت، يلخص الباحث السياسي شكيبائي سبب اعتقاد بلاده بتورط الولايات المتحدة وإسرائيل في تفجير كرمان وفق التالي:
- تفجير كرمان رسالة تصعيدية غربية وصهيونية، لحث طهران على ردع محور المقاومة عن التماهي في كسر هيبة الجيش الإسرائيلي في غزة والولايات المتحدة في جغرافيا المقاومة، ومنها العراق وسوريا والبحر الأحمر.
- التفجير الأخير رسالة عملية إلى طهران، أميركية بالدرجة الأولى وإسرائيلية في الدرجة الثانية، بعد أن فشلت الرسائل الدبلوماسية في تحريك إيران لاحتواء سلوك حلقات المقاومة.
- الحادث يندرج في سياق مساعي إسرائيل لاستدراج إيران إلى المعركة، إثر فشلها في غزة واستفزازها طهران لإحداث خرق حقيقي في قرارها تجاه التطورات الإقليمية.
- التقنيات المستخدمة في الانفجار الأخير تشبه الأسلوب المستخدم في اغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زاده، أواخر عام 2020 قرب طهران.
- الانفجار الأخير سبقته سلسلة أحداث “إرهابية” في المناطق الجنوبية والشرقية خلال الأعوام الماضية، وكانت التحقيقات مع المتورطين تثبت تورط أميركا وإسرائيل فيها، وعملهما على تقويض الأجهزة الأمنية هناك، من خلال استهداف مقرات الشرطة.
وخلص شكيبائي إلى أن “الأجهزة الأمنية والعسكرية في بلاده عقدت أكثر من اجتماع عقب بيان المرشد الأعلى، وسترد على جميع الجهات المتورطة بحجم تورطها فيه، وعلى رأسها الكيان الإسرائيلي، كونه يمثل رأس الأفعى بالنسبة لطهران”.