هل تستطيع لندن سد الفراغ الأميركي بالمنطقة وكيف رد الحوثيون؟
لندن- صنعاء- واشنطن- أثار سحب الولايات المتحدة حاملة الطائرات دوايت أيزنهاور من المنطقة، في ظل اتساع نطاق التوترات الحالية، والتي كان آخرها مقتل 3 جنود وإصابة العشرات في قاعدة “برج 22” شمال شرق الأردن، كثيرا من التساؤلات.
وأشارت تقارير عسكرية إلى طبيعية عودة حاملات الطائرات بصورة روتينية إلى موطنها الرئيس في الولايات المتحدة بشكل دوري للصيانة وتغيير طواقم العسكريين العاملين عليها، والمتطلبات التشغيلية الأخرى.
وألقى الرئيس الأميركي جو بايدن باللوم على الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في سقوط قتلى، بعد أشهر من الضربات التي شنها الحوثيون ضد القوات الأميركية منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وأشار نيد لازاروس، المحاضر المتخصص في الشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن، في حديث للجزيرة نت، إلى أن “الولايات المتحدة لا تريد الانجرار إلى حرب إقليمية أوسع، وهو أمر تسعى الإدارة إلى تجنبه من خلال الحفاظ على ردودها العسكرية متناسبة بعد سلسلة من الهجمات على القوات والمصالح الأميركية من قبل الحوثيين والجماعات المسلحة التي ترعاها إيران في العراق”.
واشنطن والحوثيون
من ناحية أخرى، وفي حديث للجزيرة نت، أشار تريتا بارسي، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي، إلى أنه “من المؤكد أن العدوان على قطاع غزة أفاد الحوثيين حتى الآن، وهناك احتمال أن الحوثيين كانوا سيوقفون هجماتهم إذا ضغطت الولايات المتحدة على إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة، مما يشير إلى أن أولويتهم كانت وقف إطلاق النار بدلا من المواجهة مع واشنطن”.
وأكد بارسي أن واشنطن فشلت في ردع الحوثيين، معتبرا أن “الحوثيين ليسوا أقوياء مثل الجيش الأميركي، وهم أيضا ليسوا قوة هجومية. إلا أن لديهم مزايا تكتيكية ونوعية مكّنتهم من إطالة أمد المواجهة مع الولايات المتحدة”.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال بارسي إن “الرئيس جو بايدن وضع الولايات المتحدة في موقف سيئ، ومن غير المرجح أن ينجح التصعيد ضد الحوثيين، ولن يؤدي إلا إلى تأجيج الوضع أكثر. ومن المفارقات أن الحوثيين يدفعون بايدن إلى متابعة ما يكمن، في الواقع، في مصلحة الولايات المتحدة ألا وهو وقف إطلاق النار في غزة”.
محاولة بريطانية لسد الفراغ
قال وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس في ختام لقاء جمعه مع نظيره الأميركي لويد أوستن في مقر البنتاغون بالعاصمة الأميركية إن بلاده مستعدة لإرسال حاملة الطائرات من أجل “سد الفجوة” حال مغادرة حاملة الطائرات الأميركية “دوايت أيزنهاور” مياه البحر الأحمر خلال أشهر قليلة.
وأجرى وزير الدفاع البريطاني سلسلة لقاءات مع أعضاء الإدارة الأميركية من بينهم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في زيارة قال المتحدث باسم الحكومة البريطانية إنها تضمنت مشاورات بشأن تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط.
لكن مهمة “ملء الفراغ” الذي قد يخلفه انسحاب واشنطن التدريجي من المنطقة في محاولة لخفض التصعيد، يشير أيضا إلى تبادل الأدوار بين لندن وواشنطن في إدارتهما الصراع في الشرق الأوسط واستكمال فصل آخر من تاريخ “علاقتهما الخاصة” والحلف العسكري الوثيق بين الجيشين اللذين قاتلا معا في ساحات كثيرة في المنطقة خلال العقدين الماضيين.
أسطول بحري يعاني
حديث وزير الدفاع البريطاني من واشنطن عن أن حاملة الطائرات الأميركية لا يمكن أن تبقى في المنطقة “إلى الأبد” وأن بلاده متأهبة للتدخل لضمان أن هناك “خطأ لا يمكن تجاوزه” في ظل تصاعد هجمات الحوثيين على خطوط الملاحة العالمية، يحاول البريطانيون تصويره على أنه جهد مشترك مع الحليف الأميركي لتأمين أحد أهم طرق الملاحة العالمية، لكنه يقرأ أيضا في أوساط أخرى في سياق تماهي الموقف البريطاني التام مع ما يتخذه الأميركيون من خطوات عسكرية في المنطقة تبدو معه لندن مضطرة للاستجابة للضغط الأميركي.
لكن واشنطن قد تلقي على عاتق البريطانيين مهمة لا يبدو أنهم على استعداد لتحملها، في ظل شكوك حول مدى جاهزية القطع البحرية البريطانية للمشاركة في مهمة محفوفة بالمخاطر بعد حادث اصطدام سفينتين بريطانيتين بعضهما ببعض في مياه البحر الأحمر قبل أيام، وتراجع حجم الأسطول البحري البريطاني الذي يخسر قوته بالمقارنة مع قوى منافسة كالصين وروسيا.
ولدى بريطانيا حاملتا طائرات هما “برينس أوف ويلز” و”كوين إليزابيث”، وتعدان أحد أهم قطع الأسطول البحري البريطاني، وفي حال توجه حاملة الطائرات “كوين إليزابيث” لقيادة العمليات العسكرية ضد الحوثيين في البحر الأحمر، يشكك خبراء عسكريون في مدى قدرتها على البقاء في المنطقة لأمد طويل؛ بسبب مشاكل لوجستية عدة ومدى جاهزيتها للقيام بالدور نفسه الذي تقوم به حاملة الطائرات الأميركية “دوايت أيزنهاور”.
ورغم التحفظات العسكرية بشأن خطوة من هذا النوع، ففي الحسابات السياسية، يجمع حزب المحافظين وحزب العمال على ضرورة ردع هجمات الحوثيين وإعادة فتح ممرات الملاحة بأمان، إذ يواصل الحزبان اللذان يستعدان لدخول انتخابات برلمانية حاسمة في غضون أشهر، استمالة القواعد الانتخابية خاصة اليمينية المحافظة حيث قد تتصدر التطورات في الشرق الأوسط قائمة الملفات الخارجية التي قد يحسم البعض صوتهم الانتخابي على أساسها.
تحدٍّ حوثي
وفي اليمن، يبدي أنصار الله الحوثيون تحديا كبيرا للتحركات الأميركية والبريطانية في البحر الأحمر، ويعدّون ضربات واشنطن ولندن على مناطق يمنية تقع تحت سيطرتهم وخاصة العاصمة صنعاء ومدينة الحديدة “عدوانا” يجب عليهم مواجهته، ويؤكدون استمرارهم في قرارهم بمنع السفن الإسرائيلية، أو التي تتوجه إلى “موانئ العدو المحتل في فلسطين المحتلة”.
وأكد الخبير العسكري اليمني العميد عابد محمد الثور أن اليمن يمتلك أسلحة صاروخية قادرة على الوصول إلى الأهداف المعادية كافة في البحر الأحمر وبحر العرب، وقال إن “أي مدمرة أو بارجة أميركية أو بريطانية تشكل خطرا على بلادنا ستكون هدفا مشروعا وسهلا لنا”.
واعتبر العميد عابد الثور المقرب من جماعة أنصار الله الحوثيين في حديث للجزيرة نت أن “أي تلويح بريطاني بإرسال حاملة طائرات إلى البحر الأحمر ستكون له تداعيات كبيرة وخسائرهم ستكون أكبر ولدينا القدرات العسكرية خاصة الصاروخية للتعامل مع أي تطورات في البحر الأحمر”.
وفي أحدث تصريح له اليوم الخميس أكد الناطق العسكري لأنصار الله الحوثيين العميد يحيى سريع أن “كافة السفن الحربية الأميركية والبريطانية في البحرين الأحمر والعربي المشاركة في العدوان على بلادنا ضمن بنك أهداف قواتنا، وسوف تستهدف ضمن حق الدفاع المشروع عن بلدنا وشعبنا وأمتنا وتأكيدا على استمرار الموقف اليمني المساند لفلسطين”.
وكان وزير الدفاع في حكومة الحوثيين في صنعاء اللواء محمد العاطفي -الذي أدرجته واشنطن مؤخرا و3 آخرين من المسؤولين العسكريين الحوثيين في القوات البحرية ضمن لائحة العقوبات الأميركية- ظهر مع الضباط المشمولين في أحد الاجتماعات، وأعلن تحديه للتهديدات الأميركية البريطانية، وأكد قدرة قواتهم على المواجهة الطويلة.
وأكد اللواء خالد غراب، أحد ضباط القوات الجوية في صنعاء، في وقت سابق للجزيرة نت أن لدى القوات اليمنية الخاضعة لسيطرة أنصار الله الحوثيين “أسلحة ذات تقنيات عالية قادرة على الوصول لكل الأهداف البعيدة في البحر أو البر”.
وأضاف اللواء غراب أن القوات اليمنية تمرست على الحروب وأشكال الاشتباك القتالي المتعددة “وقواتنا بنيت في ظل أن العدو يسيطر على الجو؛ ولذلك قواتنا تعتبر هلامية لن يستطيعوا الوصول إليها”.