كيف تواجه أوكرانيا صعوبات تعبئة المزيد من جنودها؟
كييف- مع اقتراب الحرب الروسية على أوكرانيا من دخول عامها الثالث، تبرز حاجة كييف إلى تعبئة مزيد من الجنود لمواجهة التحديات المتزايدة. ويواجه رئيس هيئة الأركان المعين حديثا في أوكرانيا، أوليكساندر سيرسكي، مهمة صعبة في تعبئة المزيد من الجنود قبل الخوض في جبهات القتال.
وكان الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قد أعلن في بداية الحرب، الحاجة إلى تعبئة نصف مليون جندي، لكن هذا الرقم واجه صعوبات في التنفيذ، وأثار جدلا واسعا ومخاوف في المجتمع. وفي وقت لاحق، تراجع زيلينسكي عن هذا العدد، بعد أن اعتبرته هيئة الأركان “مبالغا فيه”.
ويقول الخبير العسكري والعقيد في قوات الاحتياط، أوليغ جدانوف، للجزيرة نت “لسنا بحاجة إلى نصف مليون جندي حاليا. هذا الرقم يمكن أن يجمع على مدار عام كامل. حجم التعبئة يعتمد على طبيعة المعارك”.
ومع قلة الذخائر وتراجع الدعم الغربي، يرى جدانوف أن “الحاجة الحالية لا تتجاوز 100 ألف جندي، أو أكثر من ذلك إذا كانت هناك خطط لعمليات هجومية مضادة جديدة”.
ما حجم الخسائر؟
مع بداية الحرب، بلغ عدد جيش أوكرانيا 250 ألفا، ووصل إلى نحو 400 ألف بمشاركة قوات الشرطة والحدود والمتطوعين. واليوم وبعد نحو سنتين، تفرض دعوات التعبئة تساؤلات حول حجم الخسائر التي لحقت بهذه القوات، في حين تخفي كييف أعداد القتلى والمصابين، وتعتبرها “أسرارا عسكرية” لن تكشف ما دامت الحرب قائمة.
يقول جدانوف “أنا ضد هذا التكتم، لأن المجتمع يجب أن يعرف، وسيتقبل وضوح السلطات حول هذه الأعداد. التعبئة مطلوبة طبعا بسبب الخسائر، وأعتقد أن الأرقام التي أعلنتها صحيفة “إيكونوميست” منطقية، بوجود 70 ألف قتيل ونحو 100 ألف مصاب في صفوف القوات الأوكرانية منذ بداية الحرب”.
لماذا يعجز البرلمان؟
وإذا كانت الخسائر كبيرة والحاجة كذلك، فلماذا يعجز البرلمان منذ شهور عن إقرار قانون للتعبئة، ولماذا يسبب الأمر جدلا ومخاوف في الشارع؟
بحسب الخبير جدانوف، فإن “عجز البرلمان مبني على مصالح حزبية ضيقة، إذ تسعى الأحزاب إلى رفع شعبيتها فقط، بطرح قوانينها وعرقلة أخرى، لتسوق نفسها على أنها الأكثر اهتماما بمصالح الناس”، على حد قوله.
وبرأي المتحدث ذاته أن “البرلمان يحاول اختراع “العجلة” رغم أنها موجودة فعلا. لدينا في الدستور قانون للتعبئة، قد لا يكون مثاليا، وقد يحتاج إلى بعض التعديلات، لكنه موجود، وعلى أساسه يجب أن نستمر”، في إشارة إلى موجات التعبئة في الربيع والصيف، لجميع من تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاما، وجنود الاحتياط حتى 60 عاما.
وإلى حين إقرار القانون، يبدو أن مراكز التجنيد وجدت طرقا لتنفيذ التعبئة جُزئيا، والتي بدت واضحة في تقييد حركة السفر خلال الفترة الماضية. كما تم استخدام “نقاط التفتيش” المنتشرة عند مداخل المدن، وفي أحيائها وبعض الأماكن العامة.
ويفرض وجود نقاط التفتيش حالة من التأهب والحذر لدى الشباب والرجال، خاصة وأنها تسلم الاستدعاءات باليد لمن هم في سن الخدمة، وبالتالي يصبح الالتحاق بالجيش أمرا لا مفر منه.
ليس هذا ما يثير مخاوف الأوكرانيين وحسب، بل تفاصيل قوانين التعبئة المطروحة، التي يرى كثيرون أنها آتية لا محالة، إذا تفرض السجن على المتخلفين عن الجيش، أو غرامات مالية تصل إلى 200 ألف هريفنيا (حوالي 5200 دولار)، وأكثر منها لمن لا يحمل في جعبته وثيقة الخدمة، إضافة إلى التهديد بمنع البيع والشراء وقيادة المركبات، وإمكانية إغلاق الحسابات البنكية.
بماذا يفكر الشارع؟
تتفاوت آراء الخبراء والأوكرانيين المعنيين إزاء هذه المخاوف وحلولها، وقد استطلعت الجزيرة نت عددا منها في شوارع العاصمة كييف.
يقول الشاب ميكولا “أنا وكثير غيري مع التعبئة إذا كان لدى الحكومة خطة وأهداف واضحة حقيقة لا خيالا، كما نسمع بين الحين والآخر، تحدد أن الجيش يحتاج إلى كم معين من الجنود الجدد، لتنفيذ مهام معينة بسقف زمني محدد”.
ويقول الشاب ياكن “يجب أن يكون الجيش مستعدا لهذه التعبئة بتوفير كل ما يحتاجه الجنود، حتى لا يكونوا مجرد أعداد بشرية، وينتهي بهم الأمر كصور وأعلام للذكرى في الشوارع والبيوت. يجب أن تكون أولوية التعبئة جمع أولئك الذين حملوا السلاح ويجيدون استخدامه. كلنا أمل أن تتخذ السلطات قرارا صائبا بهذا الصدد”.
ومن وجهة نظر الخبير العسكري جدانوف “مشكلة قوانين التعبئة في أوكرانيا أيضا هي “غياب العدالة”، الأمر الذي يجعل الخدمة إجبارية على فئات معينة، ويحصن النواب وأسرهم وفئات مقتدرة أخرى منها. الأوكرانيون يرفضون هذا التمييز، ولن يقبلوه”، على حد قوله.