تحذيرات من تجسس إسرائيل رقميا.. أين تتجه جبهة الجنوب اللبناني؟
بيروت- بلغت المواجهة العسكرية بين حزب الله وجيش الاحتلال ذروة جديدة وضعت لبنان على شفير الحرب وفاقمت مخاوف المواطنين، بعد استهداف إسرائيل مبنى بمدينة النبطية الجنوبية مما أسفر عن استشهاد 7 مدنيين بينهم نساء وأطفال و3 عناصر من الحزب.
جاء ذلك بعد استهداف مقر قيادة المنطقة الشمالية لجيش الاحتلال في مدينة صفد بعملية لم يتبنها حزب الله وأدت إلى مقتل مجندة إسرائيلية وإصابة 8 جنود آخرين.
وقال الجيش الإسرائيلي، أمس الخميس، إن الغارة الجوية -التي شنها على النبطية- أسفرت عن مقتل قائد كبير في قوة “الرضوان” التابعة لحزب الله ونائبه ومقاتل ثالث، وأضاف أن القائد علي محمد الدبس ونائبه حسن إبراهيم عيسى من بين 7 أسماء نعاها الحزب.
خروقات
وبينما يتألم سكان النبطية على شهدائهم، لم يستوعب اللبنانيون هول المجزرة وما تؤشر إليه من تدحرج خطير. ويتساءل أبناء الجنوب عن أسباب دعوة أمين عام حزب الله حسن نصر الله لهم بعدم استخدام الهواتف الخلوية “لأنها تمثل أكبر عميل لإسرائيل”.
وسبق أن دعا الحزب -في بياناته- أهالي الجنوب اللبناني إلى الحذر من اختراق إسرائيل الهواتف وكاميرات المراقبة لشن غاراتها وتنفيذ عمليات الاغتيال. لكنها المرة الأولى التي يحذر فيها نصر الله -شخصيا- بهذا الوضوح.
وقال في خطابه الأخير، الثلاثاء الماضي، إنه على أهل الجنوب “عدم التجاوب مع الاتصالات الإسرائيلية المهددة، وضرورة فصل كاميرات المراقبة عن الإنترنت وإطفائها” ودعا إلى عدم استخدام الهاتف الخلوي الذي جعل الاحتلال “لا يحتاج لعملاء”.
وفي الأشهر الماضية، ضج لبنان بشهادات مواطنين جنوبيين يقولون إنهم تلقوا اتصالات من أرقام هواتف لبنانية تحذرهم من استهداف قراهم ومنازلهم، وتستفسر عن معلومات حول أماكن وجودهم، ليتبين أنها إسرائيلية المصدر.
وتحدث خبراء حينها عن استخدام إسرائيل أرقام هواتف أرضية لبنانية واختراقها لداتا الاتصالات الخلوية والثابتة وكل ما هو متصل بشبكات الإنترنت، بما فيها كاميرات المراقبة، مما سهل عليها ضرب أهداف كثيرة بدقة واغتيال قادة ميدانيين في حزب الله.
وتشير معلومات الجزيرة نت إلى أن الأجهزة الأمنية اللبنانية تحقق بالقضية خصوصا بعد شكاوى من مئات اللبنانيين جنوبا بتلقي اتصالات مشبوهة بعضها لأشخاص ينتحلون صفة موظفين رسميين لإجراء دراسات وإحصاءات ورصد الأضرار.
حرب سيبرانية
ويضع خبراء هذه الخروقات في إطار حرب الاحتلال السيبرانية وتفوقه تقنيا ولوجستيا. يقول عبد قطايا مدير المحتوى بمنظمة “سمكس” للحقوق الرقمية إنه لدى إسرائيل قدرة على جمع الداتا من مختلف شبكات الاتصال والمحتوى الرقمي، خصوصا مع استخدامها تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات مثل الأسماء وعناوين السكن وأرقام الهواتف وكاميرات المراقبة وكل ما هو متصل بشبكة الإنترنت.
ويضيف قطايا -للجزيرة نت- أن إسرائيل تمتلك “أعلى وأذكى” التقنيات عالميا للتجسس، وهي أدوات تدعمها بالتنصت على البيانات وإشارات الهواتف حتى دون اختراق الشبكة عبر الرادارات، إضافة إلى زرعها برمجيات التجسس داخل الهواتف مثل برنامج “بيغاسوس”.
ويعتقد المتحدث ذاته أن ما تفعله إسرائيل بلبنان هو التجسس على بيانات الإنترنت عبر تحليلها واختراق تطبيقات الخرائط والبنك والمعلومات الشخصية، ومراقبة حركة الأفراد عبر بياناتهم وحركتهم على الإنترنت.
ويقول أيضا “إن فصل شبكات الإنترنت ليس حلا كاملا، وحتى لو استخدم المواطنون تطبيقات مشفرة، تستطيع إسرائيل التجسس عليها من خزانات الهواتف”.
وعن دعوة نصر الله إلى فصل كاميرات المراقبة عن الهواتف، يرى قطايا أنها خطوة قد تحد قليلا من الخروقات لأن الكاميرات في لبنان ليست من شركات موثوقة، ومعظمها غير محمي بأنظمة تشفير قوية.
في المقابل، يجد المصدر نفسه أن دعوة الاستغناء عن الهواتف غير عملية للمواطنين لأن إسرائيل يمكنها التجسس على الهواتف لأنها عبارة عن “سينسارات”. ويوضح أن الدولة مسؤولة قانونيا عن توفير الأمن الرقمي للناس وأن الأفراد غير قادرين على القيام بهذه المهمة.
ويضيف قطايا “لا ندري منذ متى تخترق إسرائيل أمن لبنان الرقمي، لكن حتما منذ زمن بعيد، خصوصا أن لبنان يشكو من هشاشة كبيرة بأمنه الرقمي، ولا يحظى بنظام حماية قوي للبيانات، إلى جانب استفادة الاحتلال من منصات رسمية كثيرة ومفتوحة يسجل اللبنانيون عليها بيانتهم مثل البيانات الصحية والاجتماعية والانتخابية”.
مؤشرات التصعيد
يخشى كثيرون أن تخرج المواجهة بين حزب الله وإسرائيل عن السيطرة خاصة مع تعثر المفاوضات وانسداد أفق الحل السياسي والعسكري في قطاع غزة، بعد تأكيد نصر الله ارتباط مصير جبهة لبنان بحرب غزة، والتشديد على رفض بحث أية طروحات يحملها الموفدون الغربيون إلى بيروت بشأن الوضع العسكري عند الحدود باعتبارها تسعى حصرا لحماية أمن إسرائيل وسكان الشمال.
في الأثناء، تستعد الحكومة اللبنانية لتقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن الدولي ضد إسرائيل، بعد مقتل 11 مدنيا لبنانيا خلال 24 ساعة.
بالمقابل، هدد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، أمس، بشن هجوم على بيروت وقال “بإمكاننا أن نهاجم ليس على بعد 20 و50 كيلومترا فقط، وإنما في بيروت وأي مكان”. لكنه ألمح سريعا إلى أن إسرائيل لا تريد الحرب مع لبنان، بل “نحن معنيون بالتوصل إلى تسوية تعيد سكان الشمال إلى بيوتهم بأمان ومن خلال عملية تفاوض على اتفاق”.
وأعلن حزب الله، أمس، في رد أولي على مجزرتي النبطية والصوانة، مهاجمة مستوطنة كريات شمونة بعشرات صواريخ الكاتيوشا وصواريخ فلق.
ومن جانب آخر يقول الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم بيرم، للجزيرة نت، إن مؤشرات التصعيد على جبهة لبنان تفاقمت قبل خطاب نصر الله “لأن إسرائيل ألمحت بأن المهلة الدبلوماسية للحل مع لبنان تكاد تنتهي، مما دفعها للتصعيد العسكري”.
ويعتبر أن إسرائيل تغامر بردها على تصعيد حزب الله العسكري بعد الضربة الموجعة في صفد. لكنه يرى أن الأمور لم تخرج عن السيطرة وأنه “تصعيد كبير تحت سقف الحرب الشاملة بأشواط، حتى الآن، لأن كلا الطرفين يخشيان من الانزلاق إلى الهاوية”.
ماذا بعد إذن؟ يجيب بيرم “طالما أن الأفق مسدود في غزة والوساطات تسقط لصالح شن هجوم عسكري واسع في رفح، يعني أن واشنطن ما زالت منحازة لدعم إسرائيل باستئصال الانتصار مهما كلف الثمن”.
وهذا يضع جبهة الجنوب اللبناني أمام أفق مسدود واحتمالات تصعيدية كبيرة تحتاج للتقييم يوما بيوم. كما أن تفوق إسرائيل السيبراني يشكل ضغطا غير مسبوق على حزب الله، كما يقول المحلل السياسي.