لماذا تراجعت عمليات المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان؟
لبنان- في ظل تهديدات قادتها السياسيين والعسكريين وبعد أكثر من 130 يوما من عملية “طوفان الأقصى”، شنّت إسرائيل سلسلة اعتداءات على لبنان مؤخرا، واستهدفت للمرة الأولى مناطق بعيدة عن الحدود، وآخرها مدينة النبطية، الأربعاء، وأدت إلى سقوط نحو 11 شهيدا وعشرات الجرحى بعد قيامها بغارة على مبنى قديم في حي المسلخ.
وفي مواجهة هذا العدوان، ترد المقاومة اللبنانية والفلسطينية بضربات صاروخية على العمق الفلسطيني المحتل، في ظل تغيير موازين القوى والتحديات في المنطقة.
التصعيد والمقاومة
يبدو أن التصعيد الإسرائيلي يهدف إلى توسيع رقعة الصراع مع المقاومة، فلم يعد مقتصرا على منطقة الجنوب اللبنانية، بل تجاوزه إلى بلدة جدار إقليم الخروب – في جبل لبنان، التي تبعد نحو 60 كيلومترا عن الحدود اللبنانية الإسرائيلية و30 كيلومترا عن بيروت.
واستهدف فيها القيادي في حركة حماس باسل صالح بغارة من طائرة مسيّرة، لكنه نجا بأعجوبة، في ثاني استهداف لقيادات الحركة بعد اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت في 2 يناير/كانون الثاني الماضي.
ورغم التصعيد، لم يتراجع حزب الله عن مواجهة العدو وفق قواعد الاشتباك المعمول بها عرفا، وطال بصواريخه العمق الإسرائيلي. غير أن اللافت هو تراجع وتيرة العمليات العسكرية الفلسطينية على جبهة الجنوب.
واختلفت الأسباب حول ذلك، فمنهم من يعتبر أنها رغبة في عدم توسيع نطاق المواجهة تجنبا لاستهداف إسرائيل لمخيمات اللاجئين الفلسطينية، ومنهم من يرى أنها استجابة لضغوط وتمنيات لبنانية، ومنهم من ينفي أن تكون هناك عوامل خارجية تؤثر في قرار الفصائل الفلسطينية.
وعلى الرغم من أن مسؤولي حماس لم يعلقوا على الموضوع علانية، أكدت مصادر مقربة من الحركة، التي قدمت نحو 13 شهيدا على جبهة الجنوب، ومن مختلف المخيمات الفلسطينية، للجزيرة نت، أن تنفيذ العمليات يعود إلى الظروف اللوجستية، ويتعلق بأهميتها في التوقيت والزمان والمكان.
وأشارت المصادر إلى أن عملياتها هدفها معنوي وعملياتي، أي إشغال العدو الإسرائيلي ومساندة المقاومة في غزة والتأكيد على شعار “وحدة الساحات من جهة، وإرباك العدو وإلحاق الخسائر البشرية والمادية به قدر المستطاع من جهة أخرى”.
على كافة الأصعدة
ومن جانبه، قال رئيس دائرة العلاقات العربية والدولية، عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وممثلها في لبنان إحسان عطايا للجزيرة نت، إن “العمليات العسكرية الفلسطينية في شمال فلسطين انطلاقا من جنوب لبنان تعتمد على الرصد والمراقبة الدقيقة لإيقاع الدوريات العسكرية والآليات والجنود والضباط الصهاينة في مرمى نيران المجموعات التي تقتحم الحدود، وتكمن على الأراضي الفلسطينية المحتلة، لتشتبك بشكل مباشر مع قوات العدو العسكرية”.
وأوضح عطايا، أنه “بعد نجاح العملية البطولية الأولى لمجموعة من “سرايا القدس” ضمن معركة طوفان الأقصى التي أودت بأكثر من 10 قتلى وجرحى من جنود جيش العدو وضباطه، شدد العدو من إجراءاته الاحترازية، وزاد احتياطاته على الحدود الشمالية لفلسطين”.
ويضيف إلى ذلك ارتفاع وتيرة المواجهات في جبهة الجنوب اللبناني، وتوسّع رقعة القصف المدفعي والصاروخي، مما أدى إلى “إفراغ منطقة شمال فلسطين، لوقوعها في مرمى نيران المقاومة، وندرة التحركات العسكرية الصهيونية وضربها، من خلال كمائن المجموعات العسكرية الفلسطينية المقاتلة”.
ومنذ عملية طوفان الأقصى انخرطت حركة الجهاد الإسلامي في العمليات العسكرية انطلاقا من الجنوب، وقد نفذت وحدها ما لا يقل عن 7 عمليات في الأراضي الفلسطينية المحتلة شمال فلسطين، وقدمت 11 شهيدا من مقاتليها في هذه العمليات.
ويوضح عطايا للجزيرة نت، أن تأثير التراجع في العمليات العسكرية على المواقف السياسية للفصائل الفلسطينية المقاتلة، حاضر في المواجهة مع العدو الصهيوني في أكثر من مكان، وليس محصورا قتالها فقط في العمليات العسكرية التي تنفذها “بعض مجموعاتها في شمال فلسطين، فهي تقاتل بأشكال مختلفة في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، وأينما تستطيع الوصول إلى العدو”.
وردا على سؤال حول هل هناك عوامل داخلية (الدولة اللبنانية) أو خارجية أثرت في قرار الفصائل الفلسطينية بتقليل نشاطها العسكري في شمال فلسطين، يؤكد عطايا أنه “ليس هناك قرار لدى الفصائل الفلسطينية يمنعها من قتال عدوها، وهي جاهزة وعلى أتم الاستعداد لتوجيه الضربات للعدو حينما تصل إلى أي هدف عسكري له، وهي على تنسيق تام مع قوى المقاومة في جنوب لبنان”.
عراقيل لوجستية وأمنية
ومن الناحية اللوجستية، يؤكد الخبير العسكري اللبناني ناجي ملاعب، تراجع العمليات العسكرية الفلسطينية في جبهة جنوب لبنان مؤخرا، لكنه يقول لـ”الجزيرة نت” إن ثمة أسبابا كثيرة لذلك، أبرزها ضعف تأثير العمليات ربطا بالسلاح المستخدم ومقارنة بما يملكه “حزب الله” ويطلقه ضد “إسرائيل”.
وأشار ملاعب إلى أن جبهة جنوب لبنان واسعة، وينتشر فيها 12 ألف جندي من قوات الطوارئ الدولية “اليونيفيل” و8 آلاف جندي من الجيش اللبناني، وهي منطقة لا توجد فيها ثكنة عسكرية لحزب الله أو لغيره، ولا موقع عسكري ظاهر، ولا حتى آلية عسكرية، والمشاركة الفلسطينية مؤقتة بتنفيذ العمليات العسكرية فقط.
وأوضح العميد المتقاعد ملاعب أن الفصائل الفلسطينية اعتمدت في أغلب الأحيان على زرع كاتيوشا في البساتين القريبة من المخيمات، وتستخدم أيضا صواريخ “الغراد” إذا توفرت، لكن بوجود الأسلحة التي يمتلكها حزب الله مثل “الكورنيت” الروسي و”البركان”، لم يعد هناك أثر كبير لهذه الأسلحة الصاروخية الصغيرة (الغراد) في هذا المجال.
وقال ملاعب “كذلك، لا ننسى أن المخيمات لا تخزن أسلحة ثقيلة، والقيام بأي عملية فلسطينية لا بد من التنسيق مع قيادة حزب الله، أو ممكن أن تقوم بها بتكليف منه، مع تأمين الحماية على الجبهة والرصد والمتابعة وتأمين دفاعات معينة. والفلسطينيون أعلنوا عن عدة عمليات، ولكن ليست لديهم القدرات العسكرية الصاروخية ولا مجال للقتال البري اليوم في هذه الأثناء”.
ورأى ملاعب أن سببا آخر قد يكون له تأثير في هذا التراجع هو استهداف قادة المقاومة الفلسطينية، فإسرائيل لديها النفَس الطويل ولديها عملاء، ولديها وجود تقني واستخباري وسيبراني كبير في الأجواء وعلى الأرض.
وقال إنه لا يمكن نسيان أن الجنوب ليست جبهة نظامية، وليس لديه خطوط دفاع ومقاتلون لهم ثكناتهم، والأجواء مسيطر عليها من قبل الطيران المسيّر والمراصد الجوية، وهذا الأمر بالتأكيد يعيق تقدم وتحرك معظم المقاتلين، سواء من حزب الله، أو من المقاومة الفلسطينية.