الاخبار العاجلةسياسة

الريبة والسيطرة والخوف.. مصر وغزة قبل طوفان الأقصى وبعده

ترى ورقة بحثية بعنوان “مصر وغزة: ما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول وبعده” أن الحرب الحالية على غزة أضعفت الدور المصري، وأثارت أسئلة كثيرة عن موقف القاهرة من الوضع المستجد، ظل أغلبها بلا أجوبة.

وتقول الورقة التي أعدتها الباحثة المصرية نجلاء مكاوي أن المطلوب من القاهرة إعادة تقويم رؤيتها وعلاقتها مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إذا أرادت الحفاظ على تأثيرها في أي ترتيبات إقليمية مستقبلية.

وتحدد مكاوي المسائل الرئيسية في علاقة مصر بغزة، في ضوء الحرب الحالية، في إغلاق وفتح معبر رفح وخطر ترحيل الغزيين إلى سيناء، وفي العلاقة مع حماس من جهة وعلاقة مصر وإسرائيل من جهة أخرى، إضافة إلى الوساطة المصرية بين حماس وإسرائيل ومكانة القاهرة في الترتيبات الإقليمية التي برزت بعد هجوم 7 أكتوبر.

وترصد الورقة البحثية الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات تطور العلاقة صعودا وهبوطا في ظل 3 رؤساء مصريين، إلى أن حققت استقرارا نسبيا رغم الارتياب المتبادل.

تذكّر الورقة بأن حدود مصر وغزة هي الحدود المعترف بها دوليا بين فلسطين ومصر من عهد الانتداب البريطاني، وبأنه بينما لم يظهر القطاع في شكله الحالي إلا بعد حرب 1948، فإن حدود القطاع وإسرائيل لم يحددها اتفاق سياسي وإنما الحروب الإسرائيلية المصرية وما تبعها من اتفاقات وقف إطلاق نار.

ويبلغ طول الحدود بين مصر والقطاع 14 كيلومترا تجعل مصر الدولة العربية الوحيدة المتاخمة له، ومنفذه الوحيد على العالم.

مؤثر رئيسي

وتلاحظ الباحثة أن مصر لم تضم غزة ولم تطالب بالسيادة عليها، وأولت إدارتها إلى جنرال مصري إلى حين احتلالها إسرائيليا في 1967، مشيرة إلى أن العوامل الجيوسياسية المحلية والاعتبارات الأمنية ونظام تحالفات الدول العربية في المنطقة، جعلت القاهرة المؤثرّ الرئيسي في القطاع في السياق الفلسطيني.

ولفهم الأسئلة المتعلقة في ملف علاقة مصر والقطاع، تقترح الباحثة العودة إلى 3 أحداث رئيسية شكلت سياسة القاهرة في غزة والمسألة الفلسطينية عموما، وهي:

  • حرب 1956: عندما احتلت إسرائيل القطاع وهو حينها تحت السيطرة المصرية، وكانت إحدى الذرائع نشاط الفدائيين داخل الأراضي الإسرائيلية، علما أن وحدات الفدائيين أنشئت بمبادرة مصرية وتحت سيطرة ضابط المخابرات المصري مصطفى حافظ.
  • حرب 1967: التي أخرجت غزة من السيطرة المصرية وأفرزت واقعا جديدا، فقد كان النظام الناصري قبل 1967 يعامل فلسطين على أنها جزء من الأمة العربية مهم للأمة المصرية، وقد لعب في هذا السياق دورا أساسيا في تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية في 1964.
  • اتفاقية كامب ديفيد 1978: التي أخرجت مصر من دائرة المواجهة مع إسرائيل وشكلت ملامح سياستها الخارجية، وربطتها بالمصالح والإستراتيجية الأميركية والإسرائيلية لتُحجَّم المسألة الفلسطينية منذ ذلك التاريخ إلى مجرد قطاع وضفة غربية، ويقتصرَ الطموح على إعلان دولة على الحدود المحتلة في 1967.

وبحسب الكاتبة فقد اندمجت منظمة التحرير في النظام العربي الجديد وسعت بنشاط من أجل ترتيبات سلام تشبه الاتفاق المصري الإسرائيلي، فكانت اتفاقية أوسلو.

لكن ما كان ينطبق على مصر لا ينطبق على الملف الفلسطيني، فقد سعت إسرائيل لإخراج مصر من دائرة المواجهة لعزل الفلسطينيين ومنحهم حكما ذاتيا بلا سيادة على الأرض، لتقع المنظمة في الفخ وتمهد الطريق لتوقيع دول عربية اتفاقات تطبيع تسارعت قاطرتها حتى وقوع هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

مبارك وغزة

وبحسب الدراسة فقد حافظت مصر تحت حكم الرئيس حسني مبارك على مكانتها قوة أساسية ضامنة للاستقرار في المنطقة، وهو ما جعل تحقيق اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني في قلب سياستها الخارجية، عندما كانت منظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.

وحتى بعدما سيطرت حماس على غزة في 2007 وتدهور الصراع الفلسطيني الداخلي، حرصت مصر على الاحتفاظ بتأثيرها في ملفات عديدة، خاصة المصالحة الفلسطينية، ورغم أنها دعمت السلطة الفلسطينية في رام الله، فإنها أبقت قنوات التواصل مفتوحة مع فصائل المقاومة بقيادة حماس.

 كما حافظت مصر لسنوات على ورقتي ضغط في تسيير العلاقة مع غزة والقوى المسيطرة هناك، وهما:

  • معبر رفح: الذي بقي أداة في يد القاهرة يعكس إغلاقه وفتحه مدى تحسن أو تدهور علاقتها بحماس، ويبقى أيضا أداةَ ضغط على الحركة لتقبل تسوية ما أو توقف التصعيد، بما يرضي إسرائيل، التي كانت فعليا تفرض إرادتها وتتحكم في المعبر.
  • الأنفاق: سمحت مصر للفلسطينيين بحفرها بين رفح الفلسطينية ورفح المصرية تحت أعين المخابرات بقيادة الرئيس السابق لجهاز المخابرات المصرية عمر سليمان، ورغم أن الانفاق كانت أساسا لإدخال السلع والمؤونة إلى سكان غزة، فقد استُعملت أيضا لتهريب السلاح إلى فصائل المقاومة بعلم السلطات المصرية.

غزة وثورة يناير 2011

وتلفت الورقة البحثية إلى أن غض مصر الطرف عن نشاط الأنفاق لم يكن دليل دعم للفصائل أو إخفاق أمني وإنما لأسباب بينها تخفيف ضغط الحصار على القطاع حتى لا تضطر إلى التعامل مع وضع متفجر يضر بأمنها.

ويضاف لذلك أنه يتيح إبقاء تهريب السلاح تحت أعين مخابراتها ويمنحها أداة ضغط إضافية ضد حماس بما يخدم أمنها القومي في سياق دورها كما رسمته اتفاقية كامب ديفيد، وهو دور تعرض لهزة شديدة بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011.

كان للثورة دور إيجابي عظيم على القطاع الذي أخذ يتنفس بحرية وفُتحت أبوابه أمام العالم الخارجي.

وفي أول هجوم إسرائيلي عليه بعد الثورة لعبت مصر دور الوساطة أيضا ورعت بنجاح وقفا لإطلاق النار، مع الانتقال من معاداة حماس إلى الوساطة النزيهة.

نظام السيسي والصدام مع حماس

مع مجيء الرئيس عبد الفتاح السيسي، اعتبرت السلطات المصرية حركة حماس امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين وناصبتها العداء.

وبلغ الصدام ذروته في الفترة بين عامي 2014-2015، عندما سخّرت الدولة المصرية كل أدواتها لشيطنة حماس التي صُورت على أنها منخرطة في صراع الإخوان الداخلي مع النظام في مصر، وبلغت الشيطنة حد إعلانها منظمة إرهابية.

واتخذ قراران متداخلان في الإطار العسكري والعملياتي، أولهما إنشاء منطقة عازلة على الحدود مع القطاع، والثاني تدمير الأنفاق المستخدمة لنقل السلع إلى سكان القطاع المحاصر.

وبدأت الحملة المصرية لتدمير الأنفاق في أغسطس/آب 2012، كجزء من عملية “صقر 2” ضد “التنظيمات الإرهابية في سيناء” بعد مقتل 16 جنديا مصريا في هجوم في رفح، لتتكثف في 2014، بهدف تدميرها تماما، وكانت إحدى وسائل تحقيق ذلك إغراقها بماء البحر والصرف الصحي.

وهكذا دمر الجيش المصري بنهاية 2015 أكثر من ألفي نفق، في حملة رافقها إجلاء لسكان رفح إلى مناطق أخرى بحجة منع تهريب الأسلحة وعبور المسلحين إلى سيناء، وصاحبها أيضا تقليص أيام وساعات عمل المعبر (الذي أغلق مثلا 344 يوما في 2015) وإلغاء إجراءات تسهيلية أقرت فيه بعد الثورة.

إسرائيل في سيناء

لكن رغم ذلك ظلت مصر تصر على أن تكون الوسيط الوحيد بين إسرائيل وحماس، كما أظهرته حرب 2014، وكان التعاون المصري الإسرائيلي قد تكثف أمنيا، خاصة من حول سيناء، ومنبع ذلك دعم إسرائيل للسيسي الذي تلقى نظامه معونة عسكرية واستخبارية، ظلت تتكثف منذ 2013، خلال وبعد الحرب على الأنفاق.

وتذكّر الدراسة أن السيسي أقر بهذا التعاون الأمني علنا في 2019 وصنفه في خانة “الحرب على الإرهاب”، ووصفه بالأوثق من نوعه منذ قيام إسرائيل، حتى إنَّ وزير طاقتها يوفال ستاينيتز قال صراحة إن السيسي أغرق الأنفاق في 2016 “بطلب منا وبسبب الضغط الذي سلطناه”.

وأكدت الكاتبة أن مصر كانت تعلم يقينا أن السلاح يدخل غزة ولا يغادرها وأن لا تعاون بين حماس وتنظيم الدولة الإسلامية ضدها، وأن الزعم بوجود هذه العلاقة إنما استُخدم لتسويغ سياسة النظام ضد القطاع وحماس.

مرحلة أخرى

لكن الباحثة ترى أن نظام السيسي بعد نجاحه في هزيمة خصومه وبينهم الإخوان، اضطر إلى إعادة ترتيب العلاقة مع حماس، بتأثير من اعتبارات الأمن القومي المصري، لتبدأ مرحلة أخرى.

ورغم أن الارتياب المتبادل حكم هذه المرحلة الجديدة، فقد بذلت حماس وسعها لتحسين العلاقة وتفادي نزاع يضر بمصلحة الحركة التي تكثفت زيارات ممثليها إلى مصر بداية من مارس/آذار 2016، ليتوج كل ذلك بـ “خطوات بناء الثقة” التي أقدمت عليها حماس في الشهر الموالي من ذلك العام، حين نصبت -بطلب مصري- 60 موقعا عسكريا على الحدود مع مصر، وعززت انتشارها الأمني لتعزيز مراقبة المتسللين.

مصر بعد 7 أكتوبر

العلاقة الهادئة نسبيا استمرت حتى عملية طوفان الأقصى التي فاجأت مصر، كما فاجأها عنف العدوان الإسرائيلي، لتجد نفسها أمام معضلات، أولها معبر رفح وإدارته.

فرغم أن الجانب المصري من المعبر كان يفترض فيه أن يكون تحت السيادة المصرية، فإن إدارته انتقلت تماما إلى سيطرة إسرائيل التي تتحكم أيضا في نوعية وكمية المساعدات الإنسانية التي تدخل القطاع.

واستسلمت مصر إلى إسرائيل في قضية المعبر، حتى لو حاولت تسويغ تراخيها بالتزاماتها القانونية والدولية، لتفقدَ بذلك -حسب الكاتبة- ورقة ضغط وتفاوض كانت تستخدمها ضد حماس في الماضي.

اما المعضلة الثانية، فهي المقترح الإسرائيلي بترحيل الغزيين إلى سيناء، فقد بدت الضغوط الأميركية والإسرائيلية على الرئيس المصري منذ البداية ليفتح سيناء أمام الغزيين.

وترى الكاتبة أن الموقف المصري في هذا الموضوع ليس حاسما بشكل كاف رغم المواقف المعلنة من الرئيس السيسي ونظامه، لكنها تعتقد أيضا أن الجيش المصري يرفض هذا المقترح أشد الرفض، لأنه يرى أنه سيزج بالبلاد في الصراع مع إسرائيل ويهدد اتفاق السلام معها.

ويمكن فهم تقلب المواقف المصرية في سياق اتفاقية كامب ديفيد التي تحكم منذ السبعينيات سياسة القاهرة في الملف الفلسطيني وتطور هذه السياسة في القطاع في إطار المواقف والمصالح الأميركية والشراكة الإقليمية مع إسرائيل، لينبني على ذلك أن مواقفها في الحرب الحالية، يحكمها أساسا اعتبار الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة.

وتخلص الدراسة إلى أن الحرب على غزة كشفت ضعف النظام المصري من حيث تآكلُ تأثيره الإقليمي بعد أوقع من يده أوراق ضغط عديدة في ظل أزمة داخلية غير مسبوقة اقتصادية وسياسية، عقّدت حساباته أكثر وتهدد موقعه في الترتيبات المستقبلية بل وتضع مستقبله على المحك.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى