سيناريو مسجد بابري.. فايننشال تايمز: حملة لبناء معابد محل مساجد في الهند
نشرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية تقريرا عن مدى تأثير الانقسام الديني بين الهندوس والمسلمين على مجريات الأحداث السياسية، قبيل انطلاق الانتخابات الوطنية في عموم الهند الشهر المقبل.
وقالت الصحيفة إن نزعة “الإحياء” الدينية الهندوسية، التي تُعد حركة “استعادة المعابد” جزءا لا يتجزأ منها، ستلعب دورا محوريا في الانتخابات التي ستجرى في الفترة ما بين 19 أبريل/نيسان حتى الأول من يونيو/حزيران المقبلين.
ومن المتوقع على نطاق واسع -وفق التقرير- أن ينتصر حزب بهاراتيا جاناتا بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي على المعارضة المنقسمة على نفسها بقيادة حزب المؤتمر الوطني، ويفوز بولاية ثالثة مدتها 5 سنوات.
مسجد بابري
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، تزعم مودي احتفالا ببناء معبد هندوسي جديد في مدينة أيوديا بولاية أوتار براديش (شمال الهند) على أنقاض مسجد بابري، الذي يرجع تاريخه إلى القرن الـ16 الميلادي، وهُدم على يد متطرفين دينيين هندوس في عام 1992.
ووفقا لفايننشال تايمز، فإن أنظار المتطرفين القوميين الهندوس بدأت تتجه إلى موقعين رئيسيين آخرين مكرسين للعبادة “المشتركة”، مما ينذر باندلاع مزيد من النزاعات الطائفية العميقة في مناطق أخرى من الهند، انعكاسا لحالة الانقسام السياسي في البلاد.
وأوضحت الصحيفة البريطانية أن عددا من الهندوس رفعوا دعاوى قانونية أمام المحاكم الهندية تطالب بهدم مساجد بُنيت قبل مئات السنين في مدينة ماثورا الشمالية، التي يقدسها الهندوس باعتبارها مسقط رأس من يصفونه بـ”الإله كريشنا”، وفي مدينة فاراناسي، حيث يقع معبد كاشي فيشواناث أحد أشهر المعابد الهندوسية المخصصة لمن يصفونه بـ”الإله شيفا”، وكلا المدينتين في ولاية أوتار براديش.
ويقع معبد كاشي فيشواناث الهندوسي عبر زقاق ضيق على بعد بضعة أمتار عن مسجد جيانفابي، الذي بناه السلطان الهندي المسلم أورنجزيب في القرن الـ17 الميلادي.
ولطالما ادعى القوميون الهندوس أن معبدا للإله شيفا كان يحتل الموقع نفسه قبل أن يهدمه المغول المسلمون الذين كانوا يحكمون الهند آنذاك.
ويقول المحامي فيشنو شانكار جين، وكيل المتقاضين الهندوس في قضيتي فاراناسي وماثورا، “إننا نخوض هذه النزاعات من أجل إحياء الثقافة والنهوض بها، إنه نزاع من أجل استعادة تراثنا وماضينا الثقافي المجيد، ومن أجل استرداد حقوق آلهتنا”.
إقصاء للمسلمين
غير أن المسلمين الهنود يرون أن الجدل المثار حول المساحات الدينية المشتركة تغول على حقوقهم من قبل حكومة تروج للهندوسية على حساب ديانات أخرى، وعازمة على محو التراث المغولي، وغيره من المكونات غير الهندوسية لتاريخ البلاد.
وذكرت الصحيفة أن عددا من الهندوس دخلوا بعد منتصف ليل الأول من فبراير/شباط الماضي بقليل سردابا يشبه المغارة داخل مسجد جيانفابي، في مدينة فاراناسي، وأقاموا صلواتهم لأول مرة منذ أكثر من 3 عقود، وذلك بعد سويعات من موافقة محكمة محلية على التماس قانوني تقدّم به بعض الهندوس للسماح لهم بالعبادة فيه.
ويعد هذا المجمع أحد أشد “المواقع الدينية المشتركة” توترا في العالم خارج منطقة الشرق الأوسط، بحسب تقرير فايننشال تايمز، التي أضافت أن مسجد جيانفابي أصبح محور حملة قانونية “مثيرة للمشاعر” يقودها قوميون هندوس متطرفون، وستشكل الطريقة التي ستؤول إليها الأمور الخطاب الديني ومدى “الاتزان” الاجتماعي ومسار الديمقراطية العلمانية في أكبر دولة اكتظاظا بالسكان في العالم.
وقد ترافقت هذه الحملة مع هدم مسجدين هذا العام، أحدهما في العاصمة دلهي الذي يبلغ عمره 6 قرون، والآخر في ولاية أوتاراخاند شمال الهند، بذريعة أن إنشاءهما كان يمثل “تعديا” غير قانوني.
وكانت محكمة هندية بولاية أوتار براديش أثارت في 14 سبتمبر/أيلول 2022 جدلا عارما وغضبا بين المسلمين، بعد قرارها مشروعية وضع أصنام الآلهة الهندوسية وعبادتها في مسجد جيانفابي بعد صراع من المسلمين لإبطال هذا القرار.
نظرية التفوق الهندوسي
وتشكّل الخلافات حول الآثار القديمة والشرعية التاريخية والطقوس الدينية لب نقاش أوسع يدور حول طبيعة التنوع الثقافي والحقوق الدستورية، في ظل حكم رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه الذي يتبنى نظرية التفوق الهندوسي.
ونقلت فايننشال تايمز عن أستاذة التاريخ الفخرية بجامعة جواهر لال نهرو في دلهي، زويا حسن، القول إن هذه الادعاءات ما هي إلا “أداة لتأجيج المشاعر والعواطف، وتستخدم لإثارة الخلافات. هم يريدون إبقاء القضية حية وتوحيد أصوات الأغلبية الهندوسية، والأهم من ذلك أنهم يريدون التقليل من شأن المسلمين”.
وسبق لموقع الجزيرة الإنجليزية الإخباري أن نشرَ تقريرا للكاتبة سارة أثير، ذكرت فيه أن المساجد والأضرحة والمعالم الإسلامية في الهند تواجه حملة هدم تشنّها حكومة مودي، في محاولة منها لإحداث تجانس ثقافي يستند إلى هيمنة الهندوس المطلقة على البلاد.
وأفادت بأن مسجد “شاهي” في مدينة براياغراج بولاية أوتار براديش، الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن السادس، تعرض للهدم بالجرافات في 9 يناير/كانون الثاني الماضي، رغم أنه كان من المفترض أن تنظر محكمة محلية في التماس بوقف خطط إدارة المدينة، وفق إمام المسجد.