ملاحقة وتهجير قسري.. ما مصير بدو الضفة الغربية؟
رام الله- عاش وكبر الشاب الفلسطيني فراس بني فضل في تجمع رعوي صغير يدعى “السُّخن” شمالي الأغوار، معتمدا هو وعائلته على الرعي وتربية المواشي، لكن الخناق أخذ يضيق عليه من قبل الاحتلال والمستوطنين.
ويوم الأحد 17 مارس/آذار الحالي، كانت عائلة فراس و9 أُسر أخرى على موعد مع الرحيل المر بعد أن ضاقت ذرعا باعتداءات المستوطنين وجيش الاحتلال.
ويقول فراس عن الأيام الأخيرة في التجمع إن أحد المستوطنين أقام خيمة قرب التجمع، ثم أحضر بقرا وفرسا، وبدأ يضيق الخناق على السكان، ويمنعهم من رعي أغنامهم.
ويضيف أن المستوطن أرسل لاحقا الجيش الذي مارس مزيدا من الضغوط، ويوضح “في أجواء ماطرة دهم الجنود منزلي وأخرجوني منه، بينما استلقوا على الفراش وناموا مستخدمين أغراضنا، وكلما حاولت استيضاح الأمر هددوني وأبعدوني، وبقيت تحت المطر 4 ساعات”.
♦️الاحتلال يجبر 10 عائلات فلسطينية من تجمع السخن بالأغوار الوسطى بترك منازلها و أراضيها و النزوح من المنطقة. pic.twitter.com/yR3GeEAIgU
— شبكة قدس فيد (@quds_feed) March 21, 2024
ضغوط ومضايقات
تحمّل فراس المضايقات، لكن قرار رحيل العائلات جاء بعد أن اعترض مستوطنون سبيل أحد السكان في محاولة لقتله، لكنه تمكن من الفرار، ويؤكد “صمدنا وحاولنا البقاء لكن الاستمرار بات مستحيلا”.
يشير بني فضل إلى أن من بين العائلات الـ10، أُسر بدوية وأخرى تنحدر من قرى شمالي الضفة الغربية، جميعها توزعت وينتظرها مستقبل مجهول.
وعُرف عن البدو الترحال واعتمادهم على تربية المواشي والمراعي، لكن الخناق بات يضيق عليهم بسبب الإجراءات الإسرائيلية بالتزامن مع اعتداءات المستوطنين، التي تفاقمت بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى حد ترحيل عشرات التجمعات.
ويقيم بدو فلسطين -في عمومهم- في مساكن بسيطة ضمن تجمعات متباعدة تتيح لهم الاستفادة من مساحات واسعة من المراعي، لكن منذ النكبة عام 1948 بدأ الخناق يضيق عليهم بترحيل أعداد كبيرة منهم من منطقة عراد جنوبي فلسطين، إلى الضفة الغربية.
لكن الاحتلال واصل ملاحقتهم في ملجئهم الجديد في بادية الضفة وسفوحها الشرقية، حتى وصل الأمر إلى خنقهم في تجمعات صغيرة ومنعهم من الحركة في مساحات شاسعة من الأراضي بعد مصادرتها تحت مسميات مختلفة.
تطهير وتهجير
وفق المشرف العام على منظمة “البيدر للدفاع عن حقوق البدو” حسن مليحات، فإن 167 تجمعا بدويا تتوزع على السفوح الشرقية لمرتفعات الضفة والمطلة على الأردن “تتعرض للنكبة كل يوم في لبوس جديد”.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن “انعدام الخيارات ومآلات العدم المتعلقة بمصيرها المجهول يشبه القفز في الهواء من مكان عال”، موضحا أنه بعد اندلاع الحرب على غزة شهدت عدة مناطق هجمات واسعة النطاق من المستوطنين.
ويقول مليحات إن منظمته سجلت منذ بداية العام الحالي نحو 500 اعتداء ضد التجمعات البدوية نفذتها عصابات المستوطنين مدعومة من قبل دولة الاحتلال لدفع البدو للرحيل القسري.
وتابع أنه لا يكاد يمر يوم من دون تسجيل هجوم جديد من قبل المستوطنين ضد سكان التجمعات البدوية “لتعيش أبشع فصول حرب التطهير العرقي ضدها منذ النكبة”.
وأضاف مليحات أن هجمات واعتداءات جسدية على البدو سُجلت في مختلف التجمعات البدوية، منها سرقة أغنامهم وماشيتهم وتنفيذ هجمات ليلية ضدهم وتفتيش بيوتهم، بل وصلت الاعتداءات حد فرض المستوطنين حصارا على سكان التجمعات البدوية وأغنامهم داخل محيطها وفرض غرامات عليهم.
وقال إن الملاحقة تعني إفقار سكان التجمعات الذين يعتمدون على رعي الأغنام بمنعهم من المراعي ودفعهم إلى الرحيل، فأصبحت تعيش بين مطرقة ظروف العيش وسندان هجمات واعتداءات المستوطنين.
وأمام سيل من الاعتداءات، يضيف، لم يعد من خيار سوى الهجرة القسرية نحو المجهول، مما يترتب على ذلك إفراغ الأرض وتوسيع مساحة الاستيطان وتحقيق الهلوسات التلمودية للمستوطنين.
تغطية صحفية: مستوطنون يقتحمون تجمع منطقة السخن شرق نابلس، ويمنعون السكان من الرعي ويقطعون الماء عنهم، ويجبرون خمسة عائلات فلسطينية على الرحيل. pic.twitter.com/CBk5p9aSlp
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) March 17, 2024
مصير مجهول
ويشير المشرف العام على منظمة “البيدر للدفاع عن حقوق البدو” إلى ارتفاع نسبة المستوطنات الرعوية غير الشرعية على نحو غير مسبوق، والذي أصبح يحدث بشكل يومي من خلال بناء الخيام قرب التجمعات البدوية والرعوية، مما أفرز وجود جيش مسلح من المستوطنين في الضفة يمارسون كل أنواع الإرهاب والتنكيل بالفلسطينيين.
وبالأرقام، يقول مليحات إن الترحيل القسري طال 28 تجمعا بدويا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، 4 قبل ذلك خلال 2023، لافتا إلى تسجيل 1124 انتهاكا واعتداء خلال العام نفسه. وأضاف أن قوات الاحتلال هدمت 6 مدارس، وخربت 6 أخرى في التجمعات البدوية الفلسطينية طوال 2023.
من جهتها، تجد هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية صعوبة في إعادة المرحلين إلى تجمعاتهم، محذرة من مصير مجهول ينتظر الآلاف من بدو الضفة.
ويقول مدير عام الإدارة العامة للتوثيق والنشر في الهيئة، أمير داوود، للجزيرة نت إن التهجير يستهدف بشكل كبير سكان التجمعات البدوية في السفوح الشرقية للضفة.
وذكر أن المستوطنين يحتلون عادة التجمعات التي يهجرها أصحابها من البدو، ونظرا لحالة الطوارئ المعلنة من قبل الاحتلال منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فإنه يصعب على طواقم الهيئة الوصول إلى التجمعات للتوثيق أو المساعدة.
وأشار إلى خطة عمل لدى الهيئة لإعادة من يرغب منهم إذا سمحت الظروف، مؤكدا أن بعض السكان يرفضون العودة لما لاقوه من اعتداء ومضايقات.
وذكر داوود أن غالبية من هجروا لجؤوا إلى مناطق قروية تفتقر للمراعي التي هي عماد حياة البدوي، مما يعني تراجع تربية المواشي وبالتالي إنتاج اللحوم والألبان، والتحاق منتسبين جدد لطابور البطالة.
ويوضح المسؤول الفلسطيني أن عدد البدو في الضفة يقدر بنحو 37 ألفا، في حين يبلغ عدد التجمعات الفلسطينية في المنطقة المصنفة “ج” الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة 507 تجمعات يقيم فيها 270 ألف مواطن، بمن فيهم البدو.
ووفق معطيات سابقة للهيئة، يعيش نحو 7 آلاف بدوي في 46 تجمعا شرقي القدس حتى مدينة أريحا.