جنوب أفريقيا.. زوما يصارع للعودة إلى كرسي الرئاسة
يسخّر رئيس جنوب أفريقيا السابق جاكوب زوما كل ما يمكنه في حملته ضد حزبه السابق المؤتمر الوطني الأفريقي الذي أوصله لرئاسة البلاد عام 2009. وصبيحة عيد الفصح لدى الطوائف الغربية، نشرت ابنته صورة له وأرفقتها بتعبير “حقا قام”، وهو تعبير يستخدمه المسيحيون حول العالم في التهنئة بعيد الفصح، فهو -مشيرة إلى والدها- “المسيح الذي نعرفه، المسيح الأفريقي”، حسب تعبيرها.
هذا الاستخدام الديني يضاف إلى جملة من الخلافات بين زوما وحزبه السابق. فعلى مدى عمره الممتد لأكثر من قرن من الزمن، لم يستخدم الحزب بشكل مباشر العامل الديني في خطابه رغم أن غالبية قادته وأعضائه لم يبتعدوا عن الممارسات الدينية كأفراد في الغالب.
ولطالما قدم الحزب نفسه بوصفه علمانيا، لكنه مارس وطبق علمانيته من دون استثارة حفيظة قاعدته الشعبية بداية، ثم الانتخابية لاحقا بعد وصوله للحكم في أول انتخابات ديمقراطية في البلاد مع سقوط حكم نظام الفصل العنصري عام 1994.
استعارات دينية
جاء هذا التشبيه الديني في وصف زوما بعد تعرضه الخميس الماضي لحادث سير، خرج منه مع أفراد حمايته، من دون أي إصابة. لكن الحادث لم يمر من دون مزيد من استهداف حزب المؤتمر الوطني الأفريقي.
من جهته، سارع نلامولو ندليلا المتحدث باسم حزب أومكونتو وي سيزوي (رمح الأمة) إلى اتهام حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بالضلوع في الحادث، واصفا إياه “بمحاولة متعمدة لاغتيال الرئيس زوما”. بينما أكدت السلطات أنها أوقفت سائقا مخمورا تسبب في الحادث وأحالته للقضاء.
تمهل حزب المؤتمر الوطني في الرد على زوما، وصبيحة عيد الفصح اكتفى الرئيس سيريل رامافوزا بالقول إنه “أبُلغ بالحادث وإن الرئيس السابق وفريقه الأمني جميعهم بخير”.
ويأتي ارتفاع حدة التوتر بين الطرفين في وقت تتحضر فيه جنوب أفريقيا لواحدة من أكثر الاستحقاقات الانتخابية دقة منذ سقوط نظام الفصل العنصري. وتشير استطلاعات رأي إلى تراجع محتمل في عدد المقاعد التي قد يحصدها حزب المؤتمر الوطني عن عتبة 50%. لكن جميع الاستطلاعات، تستبعد كليا خسارة مدوية للحزب الحاكم.
خسارة شخصية
وعلى مشارف الانتخابات المرتقبة، صعّد زوما حملته على حزبه السابق، ودعم حزب أومكونتو وي سيزوي حديث التشكيل، وفاز بدعوى قضائية تسمح للحزب بخوض الانتخابات. لكن زوما مُني بخسارة على المستوى الشخصي. إذ أقصت اللجنة العليا المستقلة للانتخابات في جنوب أفريقيا زوما من الترشح للانتخابات المرتقبة في مايو/أيار المقبل.
وفي مقابلة مع الجزيرة نت، قال الأكاديمي والباحث السياسي إبراهيم فاكير إن محاولات زوما العودة للحياة السياسية تندرج في إطار محاولاته “إيجاد قاعدة شعبية يستمد من خلالها القدرة على التأثير السياسي لتحصين نفسه والمقربين منه من الملاحقة القانونية”.
وفي عام 2021، صدر بحق زوما حكم بالسجن لمدة 15 شهرا بتهمة ازدراء المحكمة بعد رفضه المثول أمام قاض في دعوى مقامة ضده بتهم الفساد، وتلك التهم لا تزال قائمة بانتظار البت بها قضائيا.
وقرار المحكمة يعني عمليا حرمان الرجل من خوض الانتخابات، وهو ما يشرحه فاكير قائلا إن الدستور “ينص على عدم أحقية ترشح من يصدر بحقهم أحكام تتجاوز 12 شهرا”، ويضيف أن زوما -الذي شغل منصب الرئيس لمدة 10 سنوات- “يدرك القيود الدستورية التي تعوق ترشحه”.
ويرى فاكير أن إصرار زوما على الطعن بالقرار ينبع من “رغبته في تقويض المؤسسات الديمقراطية وفصل السلطات وحكم القانون”. وأضاف أنه حتى في حال فوز زوما بالطعن على قرار حرمانه من الترشح، فذلك لا يعني أنه سيتمكن وحزبه الجديد من الحصول على أغلبية برلمانية تؤهله للفوز بالرئاسة، حتى مع توسيع التحالفات الحزبية.
وأثار القرار غضب زوما وحزبه الذي اتهم الحكومة واللجنة العليا المستقلة للانتخابات بوجود نية لتزوير الانتخابات. عند هذه النقطة، تعرض زوما لهجوم حتى من معارضي الحكومة الحالية وحزب المؤتمر الوطني.
وتوالت الانتقادات لتصريحات زوما وحزبه حتى من معارضي حزب المؤتمر الوطني، وذهب الناشط المعارض إبراهيم هارفي للقول إن إيحاء زوما بعودته لمنصب الرئاسة “أمر غير ممكن ولا تدعمه الأرقام”، وأضاف أن الحزب الجديد مدفوعا بشعبية الرئيس السابق يمكنه الفوز بمقاعد ولاية كوازولو ناتال مسقط رأس زوما، وما بين 5% إلى 10% من أصوات باقي الولايات، وهي نسب لا تؤهله للفوز.
حسابات الصناديق
في مارس/آذار الماضي، أظهر استطلاع للرأي -أجرته مؤسسة “مارك داتا” عن توجهات الناخبين- حصول حزب المؤتمر الوطني الأفريقي على 41% من أصوات المشاركين مقابل 11% لحزب أومكونتو وي سيزوي.
لكن هذه الإحصائيات، وإن كانت غير رسمية، ولا يبدو أنها مقنعة بالنسبة لحزب زوما الجديد. فهو يصر على الدفع به مرشحا رسميا للرئاسة. وحسب القانون الانتخابي، فإن الرئيس لا ينتخب مباشرة من الشعب، بل من قبل الجمعية الوطنية (البرلمان).
أما أعضاء الجمعية الوطنية، فيتم انتخابهم وفق لوائح حزبية وباقتراع مباشر، وينال كل حزب عددا من النواب حسب نسب الأصوات التي يحصل عليها.
وما بين قرار إقصاء زوما وإصرار الحزب على توجيه الاتهامات بالتحيز -لا سيما للجنة العليا المستقلة للانتخابات- خرج رئيس اللجنة موسوتو موبيا للتأكيد مجددا أن اللجنة اتخذت قرارها اتساقا مع بنود الدستور، وأن القرار “لم يكن سهلا، خاصة أن الشخصية المعنية بالقرار هو الرئيس السابق”، لكنه أضاف “أن اللجنة لم تواجه صعوبة تقنية في اتخاذ القرار، فمواد الدستور واضحة لا لبس فيها” حسب تعبيره.
ويتجه حزب “رمح الأمة” للطعن في قرار اللجنة خلال مهلة أقصاها الثاني من أبريل/نيسان الجاري، حسب القوانين في البلاد. في وقت، بدأت فيه بعض الشخصيات بدعوة وكالات إنفاذ القانون “للتحقيق في تصريحات صدرت عن شخصيات في حزب زوما”.
وقال موس نتيللا، من تحالف “الدفاع عن الديمقراطية” المقرب من الحكومة، إن “جنوب أفريقيا التزمت منذ عام 1994 بإجراء انتخابات حرة”، وأضاف “يجب العمل على ضمان بقاء الاستحقاق حرا، وعلى وكالات إنفاذ القانون التحرك ضد من يهدد هذه الحرية”، وفق تعبيره.