هل ينجح مؤتمر باريس في معالجة أزمة السودان الإنسانية؟
باريس- قبل عام واحد، اندلعت الحرب في السودان وانهارت حياة الناس قبل أن تدمر البنية التحتية حيث يواجه قرابة 9 ملايين شخص التشرد بسبب العنف وغياب تام للقانون الدولي الإنساني.
وفي ضوء ذلك، التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزراء ومبعوثين خاصين وسفراء لختام المؤتمر الإنساني للسودان ودول الجوار في باريس، أمس الاثنين، في الذكرى الأولى لاندلاع الحرب، وشارك في تنظيمه ألمانيا والاتحاد الأوروبي.
وقال وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه خلال افتتاح المؤتمر إنه يهدف إلى “كسر حاجز الصمت وحشد المجتمع الدولي بأكمله”، لكن عمقه قد يكون أكثر طموحا، مثل إنشاء ممرات إنسانية آمنة وضمان وصول المساعدات ووقف إطلاق النار، غير أن هذه التفاصيل اصطدمت مع الحماس العسكري لقادة الصراع في الداخل السوداني.
تبرعات متواضعة
واعتبرت مديرة الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود كلير نيكولي أن أخبار التبرعات تُعد خطوة جيدة ومهمة “لكنها للأسف لن تنجح في تغطية المطلوب ولا تلبي سوى نصف الاحتياجات التي تم الإعلان عنها من قبل المنظمات غير الحكومية”.
وأشارت نيكولي في حديثها للجزيرة نت إلى أن الاستجابة الإنسانية في السودان قليلة جدا ويحتاج نصف السكان إلى المساعدة، بسبب الأزمة الغذائية الكارثية التي تتمثل أساسا في معدلات سوء التغذية المرتفعة للغاية، فضلا عن صعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية مع وجود 20% فقط من العاملين في قطاع الصحة في البلاد.
واستنادا إلى عملها الميداني في السودان، سلطت مديرة الطوارئ، التي شاركت في فعاليات مؤتمر باريس، الضوء على الارتفاع الحاد في الأسعار في الأسواق واستحالة التنقل بسهولة من مكان إلى آخر، بما في ذلك عبور الشاحنات للبلاد وخطورة الانتقال من نقطة إلى أخرى.
ووفقا لوزارة الخارجية الفرنسية، لم يتم تمويل سوى 5% فقط من الهدف البالغ 3.8 مليارات يورو في النداء الإنساني الأخير للأمم المتحدة هذا العام. وخلال هذا المؤتمر، تعهد المانحون بتقديم نحو ملياري يورو للسودان.
وتعليقا على ذلك، يرى منسق منتدى المنظمات غير الحكومية الدولية في السودان أنتوني نيل أن الأموال التي تم التعهد بتقديمها خلال المؤتمر “ستنقذ ملايين الأشخاص إذ انتقلنا من نسبة تمويل لا تتجاوز 5% إلى حوالي 50% من التمويل المطلوب، لكن ذلك متوقف على التنفيذ الفعلي لجميع هذه الوعود”.
وأكد للجزيرة نت أن “الأمر الحاسم هو التأكد من وصول التمويل إلى الأشخاص الذين يقدمون المساعدة الإنسانية على الأرض بسرعة وخلال الشهرين المقبلين لأن أمامنا وقت قصير جدا، قبل أن نشهد أزمة غذائية ضخمة في السودان إذا لم تُتخذ الإجراءات المناسبة فورا”.
ويمثل المنسق أنتوني نيل 64 منظمة عضوا في منتدى المنظمات غير الحكومية الدولية الذي يوجد فعليا في جميع ولايات السودان الـ18.
سودانيون في باريس يهتفون ضد قيادات #تقدم ، خلال مشاركتهم في #موامرة_باريس اليوم.#السودان pic.twitter.com/XKuTtwcC1J
— Sudan News (@Sudan_tweet) April 15, 2024
غياب التمثيل
ورغم مساعي المؤتمر المعلنة بتوفير الدعم الإنساني والوساطة السياسية فإنه أثار جدلا داخل المجتمع السوداني، حيث استنكر كثيرون وجود ضيوف ينتمون إلى قوات الدعم السريع وقوى الثورة المضادة المعادية للمجتمع المدني.
ويتزامن عقد هذا المؤتمر مع وقت يضطر فيه ملايين السودانيين إلى ترك منازلهم بحثا عن ملجأ آمن، داخل السودان أو خارجه وفي مخيمات لا تقل خطورة.
وفي السياق، يستنكر أستاذ العلوم السياسية توماس غينولي تنظيم الجلسة المغلقة بين ممثلي المجتمع المدني السوداني دون وسطاء، متسائلا “ما المعايير التي حكمت اختيار هؤلاء الممثلين؟ وهل يمكن التشكيك في شرعية وأهمية عقد مؤتمر حول الأزمة الإنسانية في السودان دون حضور الجهات الفاعلة المحلية والمتدخلة مباشرة على الأرض؟”.
وأضاف غينولي للجزيرة نت أن انتقادات الجالية السودانية ستركز على الطريقة التي تم بها تنظيم المؤتمر وقائمة الضيوف “لأننا رأينا حضور أفراد من قوات الدعم السريع، وهي مليشيا تواجه الجيش السوداني ومتهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دارفور”.
وتابع أن ذلك “قد ينبئ بتشكيل نقطة تحول جديدة في السياسة الخارجية الفرنسية وإضفاء نوع من الشرعية على هذه المليشيا ويخنق فيما بعد التطلعات الديمقراطية للسودانيين”.
كما اعتبر المحلل السياسي أن ذلك يأتي مغايرا للمؤتمر الذي استضافته باريس قبل 3 سنوات حول التحول الديمقراطي في السودان حيث تمت دعوة نشطاء شاركوا في الثورة.
وأوضح أن “ماكرون استقبل حينها قوى الحرية والتغيير ورئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك الذي كان يجسد الأمل في التغيير المدني والديمقراطي بعد 30 عاما من الدكتاتورية العسكرية”.
وقد تم تداول عدة مقاطع فيديو لأفراد من الجالية السودانية المقيمة في باريس يسألون السياسيين السودانيين الذين شاركوا في المؤتمر فور خروجهم من معهد العالم العربي “بكم بعتم دماءنا؟”.
أزمة منسية
ووفق خطة الاحتياجات والاستجابة الإنسانية للسودان لعام 2024، يحتاج أكثر من نصف الشعب السوداني (ما يعادل 27 مليون شخص) إلى المساعدة الإنسانية، بينما يعاني 18 مليونا آخرون من انعدام الأمن الغذائي الحاد مع توقف شبه تام للبنية التحتية للرعاية الصحية.
وقال أنتوني نيل إن “القصص التي نسمعها من أفراد منظماتنا غير الحكومية الدولية التي تقدم المساعدة في أماكن مثل شمال وغرب دارفور مروعة حقا”، مستذكرا ما أعلنته منظمة أطباء بلا حدود قبل شهرين عندما ذهبت إلى مخيم سما الشام في شمال دارفور، وقدرت أن “طفلا واحدا يموت كل ساعتين لأسباب تتعلق بسوء التغذية”.
وأكد نيل أن “الناس يعانون من انعدام الأمن الغذائي لدرجة أنهم يضطرون إلى الاعتماد على نبات القراص أو الأعشاب الضارة التي يمكنهم العثور عليها لطهي وجبة بأنفسهم، ويتناولون وجبة واحدة فقط في اليوم في أحسن الأحوال”.
بدورها، لفتت مديرة الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود إلى العوائق التي يواجهونها لإيصال المساعدات “فمثلا، لا نستطيع اليوم الذهاب إلى الخرطوم والمدن المجاورة لها بسبب العقبات والتراخيص التي تفرضها علينا الحكومة”.
وأضافت نيكولي أن الوضع الحالي في السودان “يكشف مدى تعقد الإجراءات للحصول على تصاريح الدخول وتوفير الموارد التي تساعدنا على العمل هناك، فضلا عن التضييقات الإدارية التي تمنعنا في أحيان كثيرة من إنجاز مهمتنا الإنسانية بشكل كامل”.