ماذا يعني احتلال معبر رفح سياسيا وإنسانيا؟
غزة- باحتلال معبر رفح البري مع مصر، تشدد إسرائيل من قبضتها الثقيلة على قطاع غزة، وتعزله تماما عن العالم الخارجي، وتحرم المرضى والجرحى من السفر للعلاج، وتمنع تدفق شاحنات المساعدات الإنسانية، وذلك من شأنه تأزيم الواقع الإنساني المتدهور جراء الحرب المستمرة منذ 7 أشهر.
ودهمت دبابات وآليات عسكرية إسرائيلية، اليوم الثلاثاء، معبر رفح البري، الواقع في جنوب شرقي مدينة رفح المتاخمة للحدود مع مصر، وذلك بعد ساعات قليلة من إنذارات إسرائيلية لسكان أحياء ومناطق شرق المدينة بالتهجير من منازلهم، إيذانا بعملية عسكرية برية.
وبث جيش الاحتلال مقاطع مصورة لدبابات وآليات عسكرية ترفع العلم الإسرائيلي وتجوب ساحات معبر رفح، وبمحاذاة محور فيلادلفيا (الحدود المصرية مع قطاع غزة) في مشهد غير مسبوق، منذ الانسحاب الإسرائيلي من المعبر ومستوطنات قطاع غزة في عام 2005.
ورأت هيئات محلية ودولية في احتلال معبر رفح، وإغلاق معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد مع غزة، تعميقا للكوارث الإنسانية والصحية التي يعاني منها القطاع الساحلي الصغير منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية إثر هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
وفيما يعتبر معبر رفح بوابة الغزيين الوحيدة للتنقل والسفر خارج غزة عبر الأراضي المصرية، فإن معبر كرم أبو سالم هو التجاري الوحيد المتبقي بعدما أغلقت إسرائيل 6 معابر أخرى كانت تربطها بالقطاع، إثر فرض الحصار عليه عقب فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالانتخابات التشريعية في عام 2006.
حكم بالإعدام
وقال المتحدث باسم هيئة المعابر في غزة هشام عدوان للجزيرة نت إن “احتلال معبر رفح البري سيفاقم الحالة الإنسانية، خاصة بالنسبة للمرضى والجرحى، وسيحكم على السكان بالإعدام نتيجة توقف إدخال المساعدات الإنسانية”.
وتشير تقديرات رسمية إلى أن 11 ألفا من جرحى الحرب الإسرائيلية، و10 آلاف مريض بالسرطان، بحاجة ماسة للسفر من أجل تلقي علاج منقذ للحياة بالخارج، بعدما عمدت قوات الاحتلال إلى تدمير ممنهج للمستشفيات، بما فيها مستشفى الصداقة الفلسطيني التركي الوحيد الخاص بمرضى السرطان.
وجاءت هذه التطورات في شرق رفح، إثر إعلان جيش الاحتلال عن مقتل 3 من جنوده من لواءي “غفعاتي” و”ناحال”، وإصابة 12 آخرين في قصف صاروخي تبنته كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، الأحد الماضي، واستهدف قاعدة عسكرية في محيط معبر كرم أبو سالم جنوب شرقي المدينة.
وعقب هذه العملية أغلقت قوات الاحتلال معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد المتاخم لمعبر رفح، ومنعت مرور شاحنات البضائع التجارية والمساعدات الإنسانية.
وقالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) على حسابها بمنصة (واتساب) إن “استمرار انقطاع دخول المساعدات وإمدادات الوقود عبر معبر رفح سيوقف الاستجابة الإنسانية في جميع أنحاء قطاع غزة”.
وحذرت الوكالة الأممية من أن “كارثة الجوع التي يواجهها الناس، وخاصة في شمال قطاع غزة ستزداد سوءا إذا توقف دخول الإمدادات”، في إشارة إلى مئات آلاف الفلسطينيين في مدينة غزة وشمال القطاع، الذين تعزلهم إسرائيل عن النصف الجنوبي منه.
وأعادت قوات الاحتلال فتح معبر كرم أبو سالم إثر الهدنة المؤقتة في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، تدخل منه يوميا 190 شاحنة محملة بالبضائع التجارية والمساعدات الإنسانية المتنوعة، إلى جانب عدد أقل من الشاحنات عبر معبر رفح، من ضمنها شاحنات وقود وغاز طهي.
وقبل اندلاع الحرب كانت تدخل عبر كرم أبو سالم يوميا أكثر من 500 شاحنة محملة بأنواع مختلفة من البضائع والاحتياجات الإنسانية، إضافة إلى الوقود.
مجاعة
ووضع مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة في حديثه للجزيرة نت قرار الاحتلال بإيقاف إدخال المساعدات وإغلاق معبري رفح وكرم أبو سالم، في سياق “استكمال حرب الإبادة الجماعية”، وقال إن “من شأن ذلك تأزيم الواقع الإنساني بشكل مضاعف وكارثي”.
ويشير الواقع شرق محافظة رفح إلى كارثة إنسانية حقيقية ليس فقط بالنسبة لهذه المدينة وحدها، بل تمتد لتشمل كل محافظات القطاع، التي تعيش حالة مأساوية من التجويع الممنهج ونقص في الإمدادات والمساعدات منذ 7 أشهر متواصلة، ثم يأتي قرار الاحتلال بإيقاف المساعدات وإغلاق المعابر، ليعمل على تفاقم الوضع الإنساني بشكل كارثي، بحسب الثوابتة.
واستعرض الثوابتة ما تواجهه مدينة رفح، وهي أصغر مدن القطاع، ويقول إن اقتحام جيش الاحتلال وإغلاقه للمعابر، وقراره بإيقاف المساعدات، وفرض حالة من الإرباك بين صفوف الطواقم الطبية والجرحى والمرضى والنازحين وإرغامهم على ترك المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء عبر تهديده باستهدافها، يندرج في سياق جرائم الإبادة المستمرة.
أبعاد سياسية وإنسانية
ويرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور حسام الدجني في حديثه للجزيرة نت أن رفح تختلف عن غيرها من المدن في مسألتين: الأولى أنها تؤوي أكثر من مليون نازح، وتعتبر مركزا للعمل الانساني التابع للمنظمات الدولية وعلى رأسها الأونروا بعد انسحابها من مناطق شمال غزة نتيجة العمليات العسكرية الإسرائيلية.
والمسألة الثانية -وفقا للدجني- تتعلق بموقع رفح الجيوسياسي كونها بوابة غزة على العالم الخارجي بحدود تربطها مع مصر، وأي حرب على رفح وخصوصا على محور فيلادلفيا، قد يفسر مصريا بأنه مساس باتفاقية كامب ديفيد، إضافة للخشية من تدفق الجماهير نحو الجانب المصري من المعبر.
وينظر الباحث المختص بالشؤون الإسرائيلية مصطفى إبراهيم إلى احتلال معبر رفح، وتهجير شرق مدينة رفح، باعتبارها محاولة من حكومة بنيامين نتنياهو لممارسة مزيد من الضغوط على طاولة المفاوضات فيما يخص التوصل إلى اتفاق تهدئة.
كما يسعى نتنياهو -بحسب إبراهيم- إلى ترويج صورة للنصر، وأن يقول للإسرائيليين “لقد دخلنا رفح، وسيطرنا على أحد رموز سيادة وحكم حماس، وهذا سيؤثر على قدراتها”.
ويتفق إبراهيم مع الدجني على خصوصية رفح، ويقول للجزيرة نت إن العملية العسكرية الإسرائيلية في هذه المدينة قد أثرت بشكل سريع وفوري على حياة الناس، خاصة وأنها تؤوي أكثر من نصف سكان القطاع، الذين لم يعد أمامهم أي مستشفى للعلاج به وقد خرج مستشفى أبو يوسف النجار الحكومي الوحيد عن الخدمة، إثر تهجير الناس منه.
ومع خروج المستشفى عن الخدمة لم تعد تتوفر في مدينة رفح خدمات وحدة غسيل الكلى، وتصوير الأشعة، ويتوقع إبراهيم ارتفاعا في معدلات الوفيات في أوساط المرضى والجرحى إذا ما تواصلت العملية العسكرية واتسعت جغرافيا.