“نقطة تحول”.. هذا ما سيحدث في حال سيطرت روسيا على خاركيف
موسكو- تواصل القوات الروسية تعزيز مواقعها على محور خاركيف الإستراتيجي بعد أن شنت هجوما مباغتا وعنيفا على القوات الأوكرانية المرابطة هناك، التي تكبدت نتيجة لذلك نحو 1500 عسكري فضلا عن عشرات الآليات والمعدات العسكرية، حسب ما أفادت به وزارة الدفاع الروسية في تقريرها حول سير المعارك في أوكرانيا.
وبدأ الهجوم في العاشر من مايو/أيار الجاري من مقاطعة بيلغورود، بعد أن عبر الجيش الروسي الحدود مع أوكرانيا من منطقتي شمال وشمال شرق خاركيف، ثاني كبرى المدن في أوكرانيا.
وفي وقت سابق، أكدت الوزارة رسميا أن وحدات من قوات “الشمال” أحكمت سيطرتها بالكامل على مناطق بوريسوفكا وأوغورتسوفو وبليتينيفكا وبيلنايا وستريليتشيا على محور خاركيف، وسولوفييفو بجمهورية دونيتسك.
وعلى خلفية التقدم الروسي، قامت كييف بنقل قوات إضافية للسيطرة على الأوضاع على خطوط المواجهة الشمالية الشرقية. واعترف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن الوضع صعب للغاية للقوات الأوكرانية في خاركيف، وخاصة في فولشانسك.
وعلى ضوء هذه التطورات الميدانية المتسارعة، رصدت الجزيرة نت منصات إعلانية للعقارات في المدينة أظهرت انخفاض أسعار المساكن بشكل كبير. وعلى إحدى هذه المنصات، ظهر نحو ألف عرض جديد للبيع منذ بدء الهجوم الروسي الأخير.
معركة حاسمة
ومن شأن التقدم الميداني الجديد للقوات الروسية أن “يثبط معنويات الأوكرانيين وحلفائهم بشكل ملموس”، وفق ما يقوله محلل الشؤون العسكرية الروسي يوري كنوتوف، للجزيرة نت، مؤكدا أن تقدم القوات الروسية وضع نظيرتها الأوكرانية في وضع خطير للغاية، ومن غير المستبعد أن يدفع السلطات في كييف إلى الموافقة على هدنة مع روسيا.
وفي حال خسرت أوكرانيا خاركيف، فمن الممكن -برأي كنوتوف- إعادة انتشار القوات الروسية على محاور واتجاهات أخرى، الأمر الذي من شأنه أن يشكل نقطة تحول في الحملة العسكرية على أوكرانيا ويسمح بالاستيلاء على مناطق جديدة.
ويشير المحلل العسكري إلى أنه يبدو أن الهجوم يبدو جاء بعد خطة محكمة، من الممكن أنها تضمنت دفع الأمور نحو إجبار الغرب وأوكرانيا على بدء المفاوضات مع موسكو، علاوة على أن روسيا تريد أن تستفيد إلى أقصى حد من “الثغرة” المتعلقة بتأخير تسليم الأسلحة الغربية إلى كييف، فضلا عن الوقت اللازم الذي تحتاجه القوات الأوكرانية للتدرب على استخدامها.
وحسب كلام كنوتوف، فإن الحد الأدنى الذي يمكن أن تحققه روسيا من السيطرة على خاركيف هو إبعاد القوات الأوكرانية إلى أقصى حد عن الحدود مع منطقة بيلغورود التي تتعرض بشكل متواصل للقصف من جانب هذه القوات.
مدينة إستراتيجية
وليس غريبا أن تشكل خاركيف، الواقعة بالقرب من الحدود مع روسيا، المعلم الجغرافي البارز حاليا للهجوم الروسي، إذ تعد واحدة من أكبر التجمعات السكنية أوكرانيا، والمركز الصناعي المهم قبل الحرب، كما أنها مركز الاتصالات الرئيسي ومعقل مهم للقوات الأوكرانية.
كذلك، تقع المدينة في موقع اقتصادي وجغرافي مناسب نظرا لقربها من قاعدة الفحم والمعادن في دونباس ومنطقة دنيبر، الشيء الذي حفز من تطور صناعة الآلات الميكانيكية وتشغيل المعادن.
وتعد مقاطعة خاركيف موطنا لمجمع الطاقة والزراعة والنقل والهندسة الكهربائية الرائد في أوكرانيا، وتشغل المركز السادس من حيث الناتج الإقليمي الإجمالي، فضلا عن أنها غنية بحقول الغاز الكبيرة، مثل إفريموفسكي وشيبلينسكي. وتتخصص بعض مدن المقاطعة في الصناعة الكيميائية وإنتاج مواد البناء. ويعد مصنعا الأسمنت في بالاكليا والكيميائيات في بيرفومايسكي من بين أكبر المصانع في أوروبا.
أما من الناحية العسكرية، فإن محللين عسكريين روسا يرون أنه بدون الاستيلاء على خاركيف، لن يكون من الممكن تحقيق أهداف “العملية العسكرية الخاصة”، حيث يتم تنفيذ الهجمات على سكان بيلغورود من هذه المقاطعة بشكل أساسي، إضافة إلى أنها تعتبر -من وجهة النظر الروسية- معقلا للجماعات التي تصفها روسيا بالقومية والمتطرفة.
ويسود شبه إجماع لدى مراقبين روس وغربيين على حد سواء بأن السيطرة على خاركيف ستسمح للقوات الروسية كذلك بمحاصرة القوات الأوكرانية في دونباس.
وكانت روسيا كثفت في مارس/آذار الماضي، من هجماتها الصاروخية وبالطائرات بدون طيار على المنشآت العسكرية ومنشآت الطاقة في المدينة، وبات جليا الآن أن ذلك كان تحضيرا لهجوم بري.
وقال زيلينسكي حينها إن قوات بلاده ربما لا تكون قادرة على الاحتفاظ بخاركيف أمام تقدم الجيش الروسي. كما دعا إلى ما وصفه بـ”دفع الجيش الروسي إلى مسافة أكبر”، لأنه لا يرى طريقة أخرى لإبقاء المدينة تحت السيطرة، حسب تعبيره.
ثمن باهظ
من جهته، يعتقد الخبير العسكري أناتولي ماتفيشتشوك أن خسارة أوكرانيا مدينة خاركيف ليست محفوفة بتقليص الأراضي فحسب، ولكن أيضا بانخفاض الإمكانات الصناعية، وسيشكل ذلك نقطة تحول فارقة في الحرب مع أوكرانيا.
وحسب تقديره، ستكون القوات الروسية قادرة على السيطرة على المدينة بحلول منتصف الصيف، موضحا أن حكومة كييف في هذه الحالة “تخاطر ليس فقط بالهزيمة العسكرية بخسارة خاركيف، بل بإظهار إفلاسها أمام العالم أيضا، فضلا عن أن تخصيص المساعدات الغربية سيصبح محل شك”.
فالغرب، برأي ماتفيشتشوك، يراقب عن كثب وبتشاؤم قدرة كييف على السيطرة على المدينة أمام تقدم الجيش الروسي في المنطقة، بعد أكثر من عامين على مقتل مئات الآلاف من الضحايا وتقديم مليارات الدولارات من دون نتائج تذكر.