تعتمد على مركز طوارئ.. الاحتلال يحول دون وصول سكان قرى القدس لمستشفياتها
أبو ديس (شرقي القدس)- خلف الجدار العازل في منتصف بلدة أبو ديس شرقي القدس لا تخفت حركة المواطنين في التردد على مركز أبو ديس الطبي، التابع لمستشفى المقاصد الخيرية الواقعة في جبل الزيتون داخل المدينة.
يفصل بين المستشفى الأم والمركز الطبي الجدار الإسمنتي الذي بُني بقوة الاحتلال في تلك المنطقة عام 2003، ويفصل بينهما أيضا حاجز “الزعيّم” العسكري الذي توقف عنده نبض قلوب كثير من المرضى، وتوفوا قبل وصولهم إلى مستشفيات القدس قادمين من المركز الذي يطلق عليه سكان المنطقة “مركز الطوارئ”.
كان للجزيرة نت جولة داخل أروقة المركز، حيث عشرات المرضى الذين ينتظرون أدوارهم أمام العيادة النسائية وعيادة الأطفال والطب العام، لكن ألم هؤلاء المرضى الجسدي والحالة النفسية المتردية لمعظمهم بسبب الحرب وتداعياتها جعلتهم يرفضون الحديث عن معاناتهم، وعن الوضع الصحي في مناطق شرقي القدس الذي يقول أحد أطباء المركز إنه كان سيئا وأصبح الآن مزريا مع تشديد إجراءات نقل المرضى وتحويلهم.
حالة طوارئ
لم يكن من السهل لقاء مدير المركز، الطبيب داود عيّاد، الذي اضطر لمغادرته على عجل لمرافقة سيدة حامل إلى مستشفى المقاصد فاجأها المخاض في الشهر السابع وهي تحمل توأما لا يتعدى وزن كل منهما كيلو غراما واحدا.
فور عودة الطبيب عيّاد اختصاصي العناية المكثفة للأطفال الخُدّج، كان مرضى آخرون بانتظاره أيضا، وهذه حالة الطوارئ اليومية التي يعمل طاقم المركز بموجبها.
في مكتبه استقبل الجزيرة نت، بابتسامة تخفي خلفها هموما ومسؤوليات كثيرة، طبيب الأطفال ومدير المركز داود عيّاد، الذي استهل حديثه عن حالة الإرباك اليومية التي يعيشها الطاقم بسبب صعوبة التنسيق لخروج المرضى من المركز باتجاه مستشفيات القدس.
“وصلتنا السيدة في حالة ولادة مبكرة فورية، وكان يمكن للقابلة والطبيبة النسائية مساعدتها على وضع مولوديها، لكن إمكانياتنا في المركز لا تسعفنا للتعامل مع الأطفال الخدّج وكان لا بد من نقل السيدة للولادة في مستشفى المقاصد التي يفصلنا عنها حاجز عسكري، لا يمكن المرور منه سوى بتنسيق عن طريق الإدارة المدنية”.
حالف الحظ السيدة وتمكن المستشفى من التنسيق بشكل سريع لمرورها نحو المقاصد، واضطر مدير المركز لمرافقتها في سيارة الإسعاف خوفا من أن تضع حملها في الطريق إلى القدس ويضطر للتدخل طبيا مع طفليها الخُدّج.
مهمة ثقيلة
حوادث مشابهة تواجه الأطباء يوميا في المركز الذي تأسس عام 1965 كعيادة صحية أُنشئت بتعاون أهالي بلدة أبو ديس ليكون لهم عنوانا يلجؤون إليه بسبب صعوبة التنقل في ستينيات القرن الماضي.
تقع مسؤولية المركز من ناحية طبية على مستشفى المقاصد، ويخدم -وفقا لعيّاد- كل شخص يمكنه الوصول إليه بدءا من أهالي بلدات شرقي القدس: أبو ديس والعيزرية والسواحرة الشرقية والشيخ سعد والزعيّم وبعض أهالي بلدة عناتا، بالإضافة لتجمعات عرب الجهالين البدوية الممتدة بين العيزرية ومدينة وأريحا.
وأضاف عياد “يعتبر المركز مستشفى مصغرا ومعظمنا موظفون في مستشفى المقاصد.. نسهل حياة المرضى هنا لأننا نشخصهم ونتابعهم ونرتب لهم مواعيد عملياتهم الجراحية في المستشفى بالتخصصات المختلفة ونتابعهم هنا وهناك”.
وعن أبرز التحديات التي تواجه عمل هذا المركز قال مديره داود عيّاد إن الصعوبات تبدأ من الأزمة المالية، لأن مستشفى المقاصد متآكل ماليا وهذا ينسحب بطبيعة الحال على المركز رغم سعي الإدارة لتطويره وللتغلب على الأزمة.
ورغم أن المركز قريب من مدينة القدس ومستشفياتها جغرافيا، فإن إدارته تواجه مشكلات جمّة في تحويل المرضى إليها بسبب الحاجز العسكري والإجراءات اللازمة للمرضى من أجل نقلهم إليها خاصة أنهم يحملون هوية الضفة الغربية الفلسطينية التي تمنعهم من دخول القدس سوى بتصاريح دخول خاصة.
ويتابع مدير المركز “فقدنا حياة أشخاص بسبب عدم تمكننا من الوصول إلى مستشفى المقاصد بالوقت المناسب وهذه معضلات يومية تواجه عملنا”.
موت على الحواجز
ومن حيث اختتم مدير المركز حديثه، استهلّ الطبيب عبد الله أبو هلال الذي يعمل فيه منذ 22 عاما، وقال إن إجراءات الاحتلال في الانتفاضة الثانية عام 2000 ثم شروعه ببناء الجدار العازل حول بلدة أبو ديس عام 2003 أثقلا كاهل مؤسسات البلدة وجعلاها تفكر في توسيع خدمات المركز وتطويره.
يقول أبو هلال “كان المركز يعتمد على وجود صيدلية وطبيب عام وطبيبة نسائية لا يوجد لديها جهاز الموجات فوق الصوتية (ألتراساوند)، وبمجرد نصب الحواجز في مناطق الضفة الغربية بات الوصول إلى القدس ومؤسساتها صعبا، فانطلقت خطوة تطوير المركز الذي يضم الآن مختبرا و4 أسرّة طوارئ وأطباء متخصصين في عدة مجالات وافتتح بحلته الجديدة عام 2008”.
كان عدد المرضى الذين يستقبلهم الطبيب العام عبد الله أبو هلال بعد حصار أبو ديس بالجدار العازل يتراوح يوميا بين 90 و120 مريضا، وشهد على استشهاد عدد منهم خلال إعاقة مرورهم إلى القدس، من بينهم مريض سكري حاول الوصول إلى المقاصد لكن جنود الاحتلال ضربوه وسقط على حجر مما أدى لاستشهاده.
ولا يستقبل المركز المرضى فحسب، بل له حصة الأسد في استقبال الجرحى الذين يصابون برصاص الاحتلال مع كل اقتحام للبلدة ومحيطها، بالإضافة للإصابات التي تنجم عن المواجهات التي تندلع بين الشبان والجنود المتمركزين في المعسكر المقام على أراضي البلدة.
“أبو ديس منطقة احتكاك مستمرة بسبب المعسكر، وتصل إلينا إصابات كثيرة وبعضها خطيرة، واستشهد كثيرون بسبب عجزنا عن نقلهم في الوقت المناسب إلى المستشفيات خاصة في ظل تعطيل حركة سيارات الإسعاف ومنعها من مغادرة المنطقة، ويضطر السائقون لسلوك طرق التفافية وعرة تطيل فترة وصول المصابين إلى المستشفيات” وفق أبو هلال.
تعقيدات في ظل الحرب
جُهز المركز بعد تطويره بـ4 أسرة طوارئ لكنها لا تفي بالغرض في حالات الاقتحام التي تحتاج مستشفيات وكوادر كثيرة للتعامل معها، وأشار أبو هلال إلى الاقتحامات الواسعة التي نفذت في البلدة بعد اندلاع الحرب على غزة. وقال إن أحد الاقتحامات في نوفمبر/تشرين الأول المنصرم نجم عنه ارتقاء 3 شهداء و18 مصابا واضطر المركز حينها لتوجيه نداء لأطباء وممرضي المنطقة للتوجه إليه للمساعدة.
وتعقدت بعد الحرب أيضا عملية التنسيق لنقل المرضى إلى مستشفيات القدس. وأوضح أبو هلال أن المنطقة أغلقت بالكامل في الشهر الأول من الحرب وبات أكثر من 150 ألف فلسطيني يعيشون في مناطق شرقي القدس بلا مستشفى، ويواجه المرضى منهم الموت يوميا.
يضيف أبو هلال “تواصلنا مع الصليب الأحمر والأمم المتحدة وبرلمانات عدة في العالم لمساعدتنا في نقل مرضانا، وبعد مرور شهر عاد التنسيق بوتيرة منخفضة، لكن بات مرور المرضى إلى القدس يخضع لمزاج الجنود على حاجز الزعيّم ووضعت إحدى النساء مولودها على الحاجز لأن المجندة رفضت عبورها”.
ولأن التنسيق يحتاج حاليا بين 4 و6 ساعات بات المركز ينقل الحالات الحرجة إلى مستشفيات الضفة الغربية لا القدس كي لا يفقد المرضى حياتهم في انتظار رد الإسرائيليين على طلب السماح لهم بدخول المدينة.
واختتم أبو هلال حديثه للجزيرة نت بالقول إنه لا بديل عن إنشاء مستشفى يخدم مناطق شرقي المدينة المحتلة، وإن الحاجة ملحة لذلك الآن في ظل الخوف من تدحرج الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية نحو الأسوأ لأن “التصعيد سيزيد نكبتنا وسنحاصر ونصبح بلا أي ملجأ صحي”.