مجزرة النصيرات.. نصر عسكري أم فشل إستراتيجي؟
في الثامن من يونيو/حزيران الجاري، نفذت وحدات خاصة إسرائيلية تتبع لجيش الاحتلال، ووحدة مكافحة الإرهاب (يمام) وجهاز الأمن الداخلي (شين بيت) عملية لـ”تحرير أربعة أسرى” في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة. في العملية التي أطلقت عليها الصحافة الغربية، تبعًا لتوصيف جيش الاحتلال، “عملية إنقاذ”، قتلت القوات الإسرائيلية 274 فلسطينيًّا على الأقل، في إحدى أكبر المجازر التي ترتكبها إسرائيل منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. كما أدت العملية إلى مقتل ثلاثة أسرى لدى المقاومة الفلسطينية، أحدهم يحمل الجنسية الأميركية. وقد سقط قتيلًا في المعركة بأيدي المقاومة قائدُ القوات المهاجِمة الضابط أرنون زامورا، وهو ما حدا بالإسرائيليين إلى إطلاق اسمه على العملية التي صارت تُعرف بعملية أرنون.
كان توقيت العملية حرجًا لجميع الأطراف. فعلى الرغم من أنها تصب في مصلحة حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي ما فتئ يؤكد أن الضغط العسكري على المقاومة الفلسطينية هو الكفيل باسترجاع الأسرى، فإن العملية جاءت متزامنة مع مقترح قدمته إسرائيل إلى الرئيس الأميركي جو بايدن لوقف القتال والذهاب إلى صفقة لتبادل الأسرى عبر ثلاث مراحل. كما أن العملية جاءت في ظروف كانت تنذر بانهيار الحكومة الإسرائيلية، خاصة عبر وزيري الحرب بيني غانتس وغادي أيزنكوت اللذين هددا بالانسحاب من مجلس الحرب، وهو ما فعلاه في اليوم التالي لتنفيذ العملية التي لم تسعف نتنياهو لإنقاذ حكومته.
اقرأ أيضا
list of 2 items
آلة النهب تشعل أفريقيا.. كيف تخدم صادرات إسرائيل العسكرية أنظمة القمع؟
هل ينتصر حزب الله إذا اندلعت حرب مع إسرائيل؟
end of list
وأخيرًا، يضاف قلق آخر من فتح جبهات جديدة للمواجهة، خاصة مع التصعيد الكبير الواقع على الجبهة الشمالية مع حزب الله، ولا سيما مع استمرار القتال في مدينة رفح وسط نقص كبير في القوة القتالية الإسرائيلية بعد أن طلب رئيس الأركان هرتسي هاليفي إضافة خمس عشر ة كتيبة مقاتلة؛ لتحقيق أهداف الحرب.
وتأتي هذه التطورات مع متغيرات دولية وإقليمية فارقة، مثل وضع الجيش الإسرائيلي على القائمة السوداء للدول التي تنتهك حقوق الأطفال، إضافة إلى طلب المدعي العام لمحكمة العدل الدولية كريم خان إصدار مذكرتَي اعتقال لرئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه يوآف غالانت؛ بسبب جرائم الحرب والإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة. ورغم ذلك، أو بسببه كله، وظفت حكومة نتنياهو العملية سياسيًّا وعسكريًّا لوقف الاستنزاف الكبير في المعنويات والقدرات باعتبارها إنجازًا عسكريًّا وأمنيًّا كبيرًا يمكنه أن يغطي على الإخفاقات الميدانية.
عينا إسرائيل: الولايات المتحدة وبريطانيا
كانت مشاركة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا في الحرب على قطاع غزة واضحة وفاعلة منذ بداية القتال. فقد قدمت الدولتان كل ما تستطيعانه من دعم سياسي وعسكري، واقتصادي، ومعلومات استخبارية واستشارات عسكرية ميدانية، ودعمًا لوجستيًّا استمر حتى لحظة كتابة هذه السطور.
لا تستطيع إسرائيل جمع هذه المعلومات بمفردها على الرغم من وجود قاعدة أوريم التابعة لوحدة 8200، في جهار الاستخبارات الإسرائيلي الذي فشل في السابع من أكتوبر في معرفة نيات فصائل المقاومة الفلسطينية فضلًا عن إيقافها أو ردعها. وهذا كله يرفع قيمة المعلومات التي تقدمها الدولتان.
فمثلًا، مثلما فصل تحقيق من المصادر المفتوحة على صفحة أبعاد التابعة للجزيرة نت، تقوم طائرات التجسس البريطانية التي تنطلق من قاعدة “راف أكروتيري” التابعة لسلاح الجو الملكي في جزيرة قبرص بجمع معلومات استخبارية عن قطاع غزة بصورة تفصيلية ويومية لتزويد الجيش الإسرائيلي بها. وفي ذلك يقول موقع ديكلاسيفايد البريطاني المختص بالسياسة البريطانية إن الجيش البريطاني نفذ من 3 ديسمبر/كانون الأول الماضي أكثر من 200 مهمة تجسس جوية فوق قطاع غزة دعمًا لإسرائيل، بمعدل طلعة جوية واحدة يوميًّا مدة ست ساعات. زادت هذه الطلعات الجوية في شهر مارس/آذار الماضي إلى أكثر من 44 طلعة جوية تجسسية، بحيث جُمع ما يقارب 1000 ساعة جوية من اللقطات فوق قطاع غزة وهذا يعني أن بريطانيا لها مشاركة فعلية في هذه الحرب بصورة عامة وخاصة العملية العسكرية المتعلقة بتخليص الرهائن.
أما الولايات المتحدة الأميركية فقد كانت أكثر حضورًا في عملية النصيرات حيث قدمت معلومات استخبارية ودعمًا لوجستيًّا كبيرًا في تخليص الأسرى، إذ قام فريق من مسؤولي استعادة الرهائن الأميركيين المتمركزين في إسرائيل، بالمساعدة عبر المشاركة بـ”خلية المختطفين الأميركية” في إسرائيل حسب موقع أكسيوس نقلًا عن مسؤول بالإدارة الأميركية. كما أكدت شبكة “سي إن إن” مساهمة الخلية الأميركية في هذه العملية، إضافة إلى الدعم اللوجستي بما فيه عملية نقل الأسرى بعد تخليصهم عن طريق الرصيف العائم، فضلًا عن إدخال شاحنة مساعدات يختبئ داخلها عناصر من أجهزة أمنية إسرائيلية، ولا سيما أن واشنطن تركز على مساعدة تل أبيب على الوصول إلى الأسرى وإلى القيادات العليا لحماس لاعتقالهم أو قتلهم.
خطة الخداع الإسرائيلي
إن من يراقب حركة الفرقة 98 بعد معركة جباليا يجد أنها كانت مكلفة بمهامّ تتعلق بالوصول إلى الأسرى بعد معركة خان يونس، بعد أن تم تكليفها بواجب أمني في مخيم جباليا حيث استطاعت الوصول إلى جثث سبعة أسرى، وبعد انسحابها كانت القيادة الإسرائيلية أمام ثلاثة خيارات رئيسية: وهي الذهاب إلى تعزيز معركة رفح، أو الذهاب إلى القاطع الأوسط لتفكيك كتيبتين للمقاومة لم يتم الوصول إليها، أو التحرك نحو جبهة الشمال مع لبنان لكونها جبهة توتر متصاعد.
ولكن الفرقة تحركت، بعد أيام قليلة، نحو المناطق الشرقية من مخيم البريج، ودير البلح، بقوة لواءين هما اللواء السابع من الفرقة 36، ولواء كفير 900 من الفرقة 340 التي تسمى فرقة “عيدان”، للتقدم بمحورين. وقد كانت هذه العملية جزءًا من عملية التمويه والمخادعة لإشغال فصائل المقاومة وجرها إلى مواجهات عنيفة وضارية بعيدة عن الهدف الأهم والأكبر وهو الوصول إلى مخيم النصيرات.
جعلت هذه المواجهات والمعارك الضارية الطريق الذي ستسلكه القوة المقتحمة مفتوحًا أمام القوات المكلفة بتنفيذ العملية الخاصة بتخليص الأسرى، كما أن استخدام شاحنة لنقل المساعدات الغذائية جاءت من الرصيف العائم لنقل قوات إسرائيلية خاصة يرتدي أفرادها ملابس مدنيين نازحين يشير إلى نحو ما إلى تورط الولايات المتحدة الأميركية بشكل مباشر في هذه العملية، حتى مع الإنكار الأميركي الرسمي.
وهذا التدخل الأميركي يثير الكثير من التساؤلات بشأن الرصيف العائم ودوره المريب في الحرب على قطاع غزة، وحول الأهداف التي أنشئ من أجلها، رغم نفي استخدام الرصيف في هذه العملية عدا ما ظهر من عملية نقل الأسرى بطائرة مروحية من المنطقة القريبة من الرصيف العائم. ولكنّ الفلسطينيين القاطنين في المنطقة أثبتوا عكس ذلك من خلال شهاداتهم بشأن المعركة، فضلًا عن قيام سلاح الجو الإسرائيلي بقصف وحشي للمدنيين لإخافتهم وترويعهم، وتجاهُل قوات الاحتلال حجم الخسائر البشرية الهائلة بسبب القصف الجوي والمدفعي والبحري.
النجاح الاستخباري وفعالية المقاومة
لا شك في أن مثل هذه العمليات الخاصة لا يمكن أن تجري وتنفذ بدون معلومات استخبارية دقيقة قد تكون إسرائيل استطاعت الحصول عليها من خرق أمني ساعد على جمع المعلومات عن الأسرى في هذه المنطقة. وهنا لا بد أن نتصور أن عمليات النزوح من جميع مناطق القطاع ربما ساعدت على حدوث هذا الاختراق بشكل كبير، وجعلت من الصعوبة بمكان أن تتأكد المقاومة الفلسطينية من هوية كل الأشخاص النازحين إلى المنطقة؛ مما يسهل عملية الاختراق بدخول بعض العناصر المتعاونة من المستعربين والبدو ممن يمكنهم التخفي وسط الجموع. وهؤلاء مدربون على جمع المعلومات، ومراقبة الأهداف، ولديهم إمكانية كبيرة على معرفة تلك المناطق؛ مما يمكنهم من جمع المعلومات وتخطيط مسرح العملية. إضافة إلى امتلاك الجيش الإسرائيلي لوحدات تنصت ومراقبة عالية المستوى يمكن الاعتماد عليها في عملية المراقبة والرصد.
كذلك تعددت القوات المشاركة في هذه العملية من قوات برية، وجوية، وبحرية، وقوات خاصة تابعة لجهاز “الشاباك”، وقوة من وحدات الشرطة الخاصة “اليمام”، كما شاركت فيها طائرات مسيّرة، وطائرات أباتشي، وقوة من خلية المختطفين الأميركية، علمًا بأن الولايات المتحدة الأميركية أرسلت 2000 جندي من قوات “دلتا فورس”، وهي وحدة عمليات تركز في عملياتها على تنفيذ العمليات السرية ومنها تحرير الرهائن، ومكافحة الإرهاب، وأفرادها موجودون لمساعدة جيش الاحتلال منذ بداية الحرب.
غني عن الذكر أن هذه القوات مدربة على العمل في ظروف قاسية ومعقدة، بما فيها العمل على استعادة الرهائن، والقيام بمهام استطلاعية، والعمل خلف خطوط العدو.
ما الذي تعنيه العملية؟
يمكن القول بلا مبالغة أو تهويل، بأن عملية النصيرات، وتحرير الأسرى الأربعة من قبضة المقاومة، تمثل إنجازًا تكتيكيًّا محدودًا لا يرقى إلى أن يكون إنجازًا إستراتيجيًّا. فتخليص أربعة أسرى، وقتل ثلاثة آخرين، من مجموع أسرى يصل عددهم إلى 120 أسيرًا لدى المقاومة أمر لا يعني اختراقًا كبيرًا، خصوصًا مع استنفاد الجيش الإسرائيلي قدر استطاعته من قدرات نارية وتدميرية، بالتزامن مع إطلاق نار مباشر وعشوائي مدمر باستخدام أحزمة وسدود نارية كثيفة أدت إلى تسطيح الأرض على جانبي القوة المتقدمة لدفع الفلسطينيين وإبعادهم عن المنطقة التي تجري فيها العملية الخاصة.
سمح هذا التدمير للقوة المتوغلة بالتقدم إلى أماكن الاحتجاز، مع التأكيد على أن القوات دخلت من محورين أحدهما من الشرق باتجاه منطقة السوق في المخيم، وقوة أخرى اندفعت من محور نتساريم باتجاه شارع الرشيد ثم إلى مخيم النصيرات، حيث يوجد الأسرى في موقعين منفصلين. فضلا عن أن الدعم الذي حصلت عليه إسرائيل من حلفائها في الولايات المتحدة وبريطانيا يقلل حجم الإنجاز الذي تدّعيه حكومة الاحتلال، ويعظم إنجاز المقاومة في الاحتفاظ بالأسرى رغم الإمكانيات الهائلة لدى أعدائها.
كذلك يمكن وصف هذه العملية بأنها استثنائية ومحدودة، ولا يمكن البناء عليها في تنفيذ عمليات مشابهة أخرى؛ وذلك لأسباب كثيرة منها أن فصائل المقاومة ستشدد إجراءاتها، كما هو متوقع، بعد هذه العملية. وستعمل قوى المقاومة كذلك على سد الثغرات، ومعالجة نقاط الضعف التي ظهرت خلال هجوم النصيرات، بما فيها الاختراق الاستخباري إن ثبت وجوده، وقد تعمل على تطوير آليات دفاعية للتعامل مع الأساليب والوسائل التي استخدمها الجيش الإسرائيلي في عملية التوغل وتخليص الأسرى، هكذا ينبئنا مسار المعارك العملياتية بين المقاومة وجيش الاحتلال.
ويجعل مقتل ثلاثة أسرى وقائد القوة المتوغلة الاحتلال أيضًا أمام معادلة صعبة؛ مما يعني أن هناك مشكلة كبيرة في الإستراتيجية المتبعة لتخليص الأسرى التي تعتمد على الضغط العسكري كما يقول نتنياهو؛ لما لها من تبعات سلبية وكارثية على القوة المتوغلة وعلى بقية الأسرى. خصوصًا إذا كانت القوات التي نفذت هذه العملية العسكرية الأمنية الخاصة قد مُنيت بخسائر تكتم عليها جيش الاحتلال؛ لأن سير المعارك وجميع المؤشرات تقول بضعف احتمالية أن تمر عملية توغل بهذا الحجم الكبير من القوات المتوغلة بلا خسائر.
لقد حاول نتنياهو أن يوظف هذه العملية الأمنية العسكرية الخاصة سياسيًّا وعسكريًّا للمضي في حربه المحمومة لاستعادة الأسرى، وقدمها على أنها نصر كبير وإنجاز تاريخي يداري خسائره الكبيرة. ولأن نتنياهو يعرف قبل غيره أن العملية لا تتعدى النجاح التكتيكي المحدود النتائج، ولن يكون لها تأثير على مسار الحرب، حاول عبر التهويل منها أن يغطي على إخفاقاته العسكرية والأمنية الإستراتيجية. يمكن القول إذن إن هذه العملية أثبتت أن فاتورة الخسائر ستكون حاضرة ومضاعفة عند أي عملية تحرير تقدم عليها إسرائيل.
كذلك حاول نتنياهو توظيف العملية إعلاميًّا للإبقاء على تماسك حكومته بعد أن وصلت إلى حالة متقدمة من التفكك. ولا يمكن تحديد موازين الربح والخسارة في تنفيذ مثل هذه العمليات التي يحتمل أن تكون نتائجها كارثية. وهنا لا أنفي تأثير مثل هذه العمليات في رفع معنويات الجيش الإسرائيلي، ولكن تأثيرها سيبقى محدودًا ولا يمكن اعتباره نموذجًا يمكن أن يتكرر خلال الفترة القادمة. ومن الأدلة على ذلك استمرار السجال داخل قوات الاحتلال حول رفض الجنود والضباط للعودة إلى القتال من جديد، إلى حد انتحار عدد منهم بُعيد علمهم بأخبار عودتهم الوشيكة إلى غزة. كذلك لا يمكن التعويل على نجاح واحد من بين حالات عديدة للفشل، لأن لكل عملية أمنية ظروفها ومعطياتها، خصوصًا أن هناك عددًا من العمليات السابقة باءت بالفشل ومنها عملية مخيم جباليا.
لقد أثبتت المقاومة قدرتها، بإمكانيات بسيطة، على الصمود والثبات، باقتدار عال ضد القوى والدول الكبرى المساندة لدولة الاحتلال في هذه الحرب. كما أثبتت أنها قادرة على مواجهة التحديات بتخطيط دقيق وقيادة واعية لمواجهة المخططات التي تريد تهجير وقتل الشعب الفلسطيني.
جدير بالذكر أن الأسرى الأربعة الذين خلصتهم العملية، كان يُنظر إليهم من قيادة المقاومة باعتبارهم مدنيين؛ لذلك لم يتم التشديد في ظروف احتجازهم بشكل كبير كما يجري مع الضباط والجنود في الجيش الإسرائيلي. كما أن اختيار أماكن احتجاز هؤلاء يختلف من نواح متعددة منها: المواقع التي يحتجزون فيها، وكذلك الحراسة التي تُقام عليهم، مع التأكيد على أن فشل الاحتلال في الوصول إليهم طوال مدة 246 يومًا من الحرب هو إنجاز كبير للمقاومة مقارنة بالفارق الكبير في موازين القوى بين الطرفين.
إنجاز وهمي
يمكن التكهن بثقة بأن هذا الإنجاز الوهمي المؤقت سوف يزول بعد أيام قليلة لأن الطريق لا يزال طويلًا أمام نتنياهو وجيشه لاسترداد بقية الأسرى من الناحية العددية والزمنية، هذا إذا تم التوصل إلى معرفة أماكنهم! ويجب علينا أن نأخذ بنظر الاعتبار مقدار العجز الذي وصلت إليه الأجهزة الأمنية والاستخبارية والعسكرية في معرفة الأماكن التي يوجد فيها الأسرى بعد ثمانية أشهر من الحرب الضارية.
كما أن نتنياهو حاول أن يضغط على فصائل المقاومة لتقديم تنازلات في ملف الأسرى فضلًا عن ضغط بعض الجهات الوسيطة، مثل الوسيط الأميركي على وجه الخصوص. بالنظر إلى نتائج العملية من الربح والخسارة، يمكن القول إنها كانت مهمة قذرة جاءت لتحقيق مصالح سياسية تتعلق بمستقبل حكومة نتنياهو، خصوصًا أنها لم تأخذ في حساباتها تداعيات العمل العسكري الذي لم يكن محسوبًا بدقة بالنظر إلى خسائره الكبيرة.
لن تكون عملية النصيرات الأخيرة، وقد تدفع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى المزيد من العمليات العسكرية والأمنية التي سيمني نفسه فيها بالوصول إلى المزيد من الأسرى أو قتل بعضهم بعد أن أثبت مرارًا أنه لا يأبه بمصير جنوده وأسراه، فضلًا عن لامبالاته الشديدة بقتل الأبرياء، رغم حديثه في ذات الوقت عن كون جيش الاحتلال الجيش الأكثر أخلاقية وإنسانية في العالم.
لقد حقق نتنياهو إنجازًا تكتيكيًّا محدودًا، من خلال عملية قذرة، ولم يستطع أن يصل بذلك إلى أي نجاح إستراتيجي من شأنه أن يؤثر في مسار الحرب. وهذا يعني أن المفاوضين الإسرائيليين، وجيش الاحتلال، وحكومة نتنياهو سيكونون أمام خيارات صعبة ومعقدة سياسيًّا وعسكريًّا خاصة مع نفاد الوقت وتسارع المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية التي تضغط على تل أبيب.