بطل أم خائن؟.. موقف غامض لبايدن من الإفراج عن مؤسس ويكيليكس
واشنطن- بعد سنوات من فشل السعي الأميركي في استعادة جوليان أسانج، مؤسس موقع ويكيليكس، من بريطانيا لمحاكمته وسجنه بتهم تفوق عقوبتها 150 عاما، لم يُصدر البيت الأبيض تبريرا رسميا حول التوصل لصفقة الإفراج عنه.
واكتفت إدارة الرئيس جو بايدن بنفي أن يكون لها أي دور في التوصل للصفقة، التي سمحت لأسانج بمغادرة لندن إلى وطنه الأم أستراليا، بعد إقراره بالذنب أمام محكمة في إحدى جزر المحيط الهادي التابعة للولايات المتحدة.
وعلى مدار أكثر من 15 عاما، جذبت قضية أسانج دعما من جماعات حقوق الإنسان والصحافة، ومن بينها منظمة العفو الدولية ولجنة حماية الصحفيين، خوفا من أن يخلق استناد واشنطن إلى قانون التجسس ضده سابقة لاتهام الصحفيين بجرائم الأمن القومي في حال نشرهم تقارير ومعلومات لا ترضى عنها المؤسسات الأمنية حتى في الدول الديمقراطية.
تاريخ الأزمة
وأسس أسانج موقع ويكيليكس للإبلاغ عن المخالفات عام 2006، وعلى مدار السنوات التالية، نشر الموقع عشرات الآلاف من الوثائق السرية الحكومية الأميركية، وكان أهمها مراسلات السفارات الأميركية بالخارج.
وكشفت هذه المراسلات عن مواقف الإدارات الأميركية المتتالية وتفكيرها بشأن أهم القضايا والشخصيات الدولية. ووجهت الحكومة الأميركية لأسانج 18 اتهاما فدراليا ركز أغلبها على مخالفات تتعلق بقوانين التجسس.
وبعد لجوئه للسفارة الإكوادورية في لندن طالبا اللجوء السياسي عام 2012، وقضائه 7 سنوات داخلها، اعتقلته الشرطة البريطانية بعد أن سحبت الإكوادور لجوءه.
ومن ثم لجأ أسانج للقضاء البريطاني الذي أوقف أمر تسليمة للولايات المتحدة. وقبل أيام، أعلن التوصل لصفقة يقر فيها بالذنب، وبموجب ذلك تسمح له واشنطن بمغادرة لندن والعودة إلى أستراليا.
وأثارت الصفقة انقساما بين المشرعين الأميركيين في الحزبين الديمقراطي والجمهوري بصورة كبيرة بين من يعتبرون أسانج تهديدا وعرض حياة الجنود الأميركيين للخطر، ومن يرونه بطل حرية التعبير الذي كشف للجمهور ببساطة أسرار الحروب الأميركية في أفغانستان والعراق.
تذكير في قضية أسانج، مؤسس موقع “ويكليكس”، الذي أفرج عنه اليوم؛ كانت هذه جريمته الأولى مع الصحافة الشجاعة، ولهذا سجنته الولايات المتحدة…الديمقراطية!
حين نشر فيديو عام 2010، عن مروحية أميركية قتلت مجموعة من المدنيين العراقيين والصحافيين، ضمن 66 ألف مدني قُتلوا أثناء حرب العراق؟ pic.twitter.com/nrYvaPSKkj— abdulla alotaibi (@aotaibii) June 25, 2024
“ليس بطلا”
وعنونت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، المعروفة بتوجهاتها المحافظة، افتتاحية أمس الأربعاء بـ”أسانج ليس بطلا”. وجاء فيها أن مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق مايك بومبيو أكد أن ويكيليكس نتاج “جهاز استخبارات معادٍ وغير حكومي”.
وعندما اتهمت واشنطن أسانج بموجب قانون التجسس في عام 2019، استشهد مساعد وزير العدل آنذاك جون ديمرز، بما فعله أسانج من “إغراق الإنترنت بمعلومات سرية عرضت حياة الكثير من حلفاء أميركا للخطر”.
في خضم انتخابات عام 2016، نشر ويكيليكس رسائل بريد إلكتروني داخلية محرجة لعدد من المقربين من الحزب الديمقراطي، وقالت تحقيقات لاحقة إن هذه الرسائل سُرقت من قبل قراصنة مرتبطين بالمخابرات العسكرية الروسية.
كما نشر أسانج رسائل البريد الإلكتروني “دون أن يكلف نفسه عناء حجب المعلومات الشخصية الحساسة، بما في ذلك عناوين المنازل وأرقام الضمان الاجتماعي”. وانتقدت الصحيفة موقف بايدن وقالت إن “الحكومة الأميركية إن أخفقت في ملاحقة أسانج، فقد تكون تخلت عن أهمية الاحتفاظ بالأسرار الحكومية”.
من جهته، هاجم مايك بنس نائب الرئيس السابق دونالد ترامب، في تغريدة على منصة إكس، الإفراج عن مؤسس موقع ويكيليكس. وقال “لقد عرّض أسانج حياة قواتنا للخطر في وقت الحرب، وكانت تنبغي محاكمته إلى أقصى حد يسمح به القانون”.
وأضاف أن “صفقة الإقرار بالذنب التي أبرمتها إدارة بايدن مع أسانج هي إجهاض للعدالة وإهانة خدمة وتضحيات رجال ونساء قواتنا المسلحة وعائلاتهم. ويجب ألا تكون هناك صفقات إقرار بالذنب لتجنب السجن لأي شخص يعرّض أمن جيشنا أو أمن الولايات المتحدة القومي للخطر”.
نصرٌ لحرية التعبير
وعلى النقيض، احتفى كثير من الساسة التقدميين والنشطاء الأميركيين بصفقة الإفراج عن أسانج، واعتبروها نصرا لحرية الرأي. وقال روبرت كينيدي جونيور، المرشح المستقل للانتخابات الرئاسية الأميركية، على منصة إكس “أبرم جوليان أسانج صفقة إقرار بالذنب وسيطلق سراحه، أشعر بسعادة غامرة. إنه بطل الأجيال”.
وتابع أن “النبأ السيئ هو أنه اضطر إلى الاعتراف بالذنب في التآمر للحصول على معلومات الدفاع الوطني والكشف عنها، مما يعني أن الدولة الأمنية الأميركية نجحت في تجريم الصحافة وتوسيع نطاق اختصاصها عالميا ليشمل غير المواطنين”.
وأضاف كينيدي جونيور “أتفهم موقف أسانج، كان يعاني من مشاكل في القلب وكان سيموت في السجن. لكن الدولة الأمنية فرضت سابقة مروعة ووجهت ضربة كبيرة لحرية الصحافة”.
لماذا اختار بايدن التوصل إلى اتفاق مع أسانج؟
لم تكشف الحكومة الأميركية بعد لماذا اتخذت هذا التحول في الموقف تجاه أسانج بعدما رفضت كل من إدارتي الرئيس الأسبق باراك أوباما والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب هذا المنحى.
وكان الرئيس بايدن قد ألمح -خلال الأشهر الأخيرة- إلى صفقة محتملة دفع بها مسؤولو الحكومة الأسترالية لإعادة أسانج إلى كانبرا، على الرغم من أن أدريان واتسون المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي أفادت، الثلاثاء، بأن البيت الأبيض لم يشارك في صفقة الإقرار بالذنب.
وقالت واتسون “كان هذا قرارا مستقلا اتخذته وزارة العدل، ولم يكن هناك تدخل للبيت الأبيض”. وسبق وعارض مسؤولو مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) ووزارة العدل أي صفقة لا تتضمن اعتراف أسانج بالذنب.
وكان الرئيس السابق دونالد ترامب قد أشار -خلال فعالية انتخابية قبل أسابيع- إلى أنه سيدرس العفو عن أسانج إذا فاز في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.