جولة إعادة وسط انقسامات.. قراءة في نتائج رئاسيات إيران 2024
طهران– بعد يوم لم يكن كغيره بالنسبة للإيرانيين، إذ تحركت عقارب الساعة ببطء خلال فترة التصويت التي استمرت 16 ساعة، استيقظ الإيرانيون، صباح اليوم الأحد، وهم يترقبون الإعلان عن نتائج جاءت محمّلة بمفاجآت رغم التوقعات بالذهاب إلى جولة الإعادة.
ووفقا للإعلانات الرسمية، فقد تصدر المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، السباق الرئاسي بحصوله على 10 ملايين و415 ألفا و991 صوتا، يليه المرشح المحافظ، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي، الذي حصد 9 ملايين و473 ألفا و298 صوتا.
وحلّ المرشح المحافظ رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف، ثالثا بحصوله على 3 ملايين و383 ألفا و340 صوتا. وأخيرا بلغت أصوات رجل الدين الوحيد بين المرشّحين مصطفى بور محمدي 206 آلاف و397 صوتا.
وخلافا لجميع استطلاعات الرأي التي رجحت مشاركة أكثر من 50% ممن يحق لهم التصويت ويبلغ عددهم أكثر من 61 مليون نسمة، فإن نسبة المشاركة في رئاسيات إيران 2024 لم تتجاوز 40%، ولم يحصل أي من مرشحيها الأربعة على أكثر من نصف الأصوات التي أدلى بها الإيرانيون يوم أمس الجمعة في صناديق الاقتراع، وبلغ مجموعها 24 مليونا و535 ألفا و185 صوتا.
بين المقاطعة والمشاركة
وكما توقع مراقبون في طهران، لم يستطع أي من المرشحين حسم نتيجة الاستحقاق الرئاسي في الجولة الأولی، ويتحتم على الجمهورية الإسلامية التوجه إلى جولة ثانية مجدولة مسبقا يوم الجمعة المقبل الموافق الخامس من يوليو/تموز القادم.
ويرى مراقبون في إيران أن الأهم من نسبة المشاركة هو عدد الناخبين الذين عزفوا عن التصويت، حيث فازت الشريحة المقاطعة بنسبة 60% على التعبئة الرسمية وتوظيف السلطات الحاكمة جميع الإمكانيات الحكومية والحزبية والحملات الدعائية التي استمرت على مدى 16 يوما.
من ناحيته، يقرأ الدبلوماسي السابق فريدون مجلسي، نسبة المشاركة في الانتخابات بأنها خسارة للسلطات الحاكمة التي عجزت عن المصالحة مع الشعب الذي لم يعد يثق بها بسبب الأحداث التي عقبت الاستحقاقات الانتخابية في بعض الدورات الماضية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يذكّر مجلسي بالدعاية الكبيرة التي قادتها السلطات الحاكمة خلال الفترة الماضية لرفع نسبة التصويت من خلال الترويج بأن المشاركة تساوي التصويت لصالح الجمهورية الإسلامية، موضحا أنه لو افترضنا بأن التيار الحاكم قد حصد 20% من الأصوات فهذا يعني أن 80% من الشعب يعارض الوضع الراهن والسياسات الجارية عند أخذ نسبة المقاطعة بعين الاعتبار.
وتابع المتحدث نفسه، أن عدد أصوات الإصلاحيين في رئاسيات إيران 2024 قد تضاعف عدة مرات رغم المضايقات التي تعرض لها تيارهم خلال السنوات الماضية.
كما أن مجموع أصوات المرشحين المحافظين في هذه الانتخابات لم يبلغ ما حصدوه في الرئاسيات السابقة رغم “الأجواء العاطفية” التي توفرت لهذا التيار عقب وفاة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي في 19 مايو/أيار الماضي، برأي مجلسي.
وفي حين يعتبر الدبلوماسي السابق نتيجة انتخابات الجمعة مؤشرا على إخفاق السياسات المحافظة في البلاد، يقرأ نتائجها في إطار تغيير موازين قوى التيارات السياسية في إيران، ذلك أن الناخب الإيراني كان قد اعتاد فوز المحافظين في الاستحقاقات الانتخابية التي تنخفض فيها نسبة المشاركة إلی دون 50% لكن النتيجة جاءت هذه المرة مختلفة.
عدم الإجماع
في المقابل، عارض سفير طهران السابق في الأردن ولبنان أحمد دستمالجيان، رأي زميله بأن نتيجة الانتخابات تظهر إخفاق التيار المحافظ. وقال إن مجموع أصوات المرشحيْن جليلي وقاليباف تفوق أصوات المرشح الإصلاحي، وإن حسم الانتخابات تأجل بسبب عدم تحالف مرشحي جبهة الثورة.
وفي حديثه للجزيرة نت، رأى الدبلوماسي السابق أن الاستحقاق الانتخابي يوم أمس أظهر قدرة البلاد على تجاوز التحديات، إذ احتوت الدولة تداعيات الفراغ الرئاسي وأجرت انتخابات ناجحة خلال 40 يوما فقط.
وأرجع سبب تراجع نسبة المشاركة إلى تنظيمها بعجالة واختصار فترة الحملات الدعائية في أسبوعين فقط، ناهيك عن أن الرئاسيات السابقة كانت تجرى بالتزامن مع انتخابات مجالس البلدية حيث تحظى باهتمام كبير في القرى والمدن الصغيرة.
وتابع دستمالجيان، أن ارتفاع درجة الحرارة يوم الجمعة حال دون مشاركة العديد من الناخبين الإيرانيين، مضيفا أن أعدادا كبيرة كانت قد شكلت طوابير طويلة أمام مراكز الاقتراع بحلول منتصف الليل لكن القانون لا يسمح بتمديد فترة الاقتراع أكثر من ذلك.
ورأى المتحدث نفسه، أن الإعلان الرسمي عن نسبة مشاركة لم ترتق إلى نسب استطلاعات الرأي، يثبت للناخب جدوى ونزاهة العملية الانتخابية في بلاده، ما قد يحث المقاطعين في الدورة الأولى على المشاركة في جولة الإعادة.
ويرى دستمالجيان، أن إخفاق المرشحين المحافظين أمر طبيعي في ظل الخلافات التي عصفت بقطبي التيار، لكنه توقع تحالفهما في الجولة الثانية ورفع كفة أصوات المحافظين يوم الجمعة المقبل.
انقسام حول الجولة الثانية
ويبدو أن الرياح في إيران تجري هذه المرة بما لا تشتهي سفينة التيار المحافظ، إذ سارع الناشط السياسي المحافظ محمد مهاجري، إلى كتابة رسالة مفتوحة للمرشح الخاسر قاليباف، ودعاه إلى “الوقوف في الجانب الصحيح من تاريخ البلاد”.
وفي كتابه، اعتبر مهاجري إخفاق قاليباف في تولي الرئاسة بعد 19 عاما ترشح خلالها في عدة دورات “خطأ كبيرا” يفرض عليه تعويض الفائت، مضيفا أن جولة الإعادة تضع هذا المرشح أمام مفترق طرق؛ الأول التسليم أمام جبهة الثورة ودعم جليلي، والثاني إعلان البراءة منه “وعدم الوقوف في الجهة الصحيحة من التاريخ”.
في غضون ذلك أعلن الناشط السياسي المحافظ عبد الرضا داوري، أحد أهم الداعمين للمرشح الخاسر قاليباف، عن تشكيله حملة “تيار الثورة.. داعمو بزشكيان” لمواجهة “التيار المتشدد”، ودعا أنصار قاليباف إلى الانضمام إليه.