توتر أمني بإسرائيل تحسبا لأي رد من حزب الله وإيران
القدس المحتلة– تعيش إسرائيل توترا أمنيا وسط حالة الاستنفار القصوى للجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية، وذلك تحسبا لرد إيران وحزب الله على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، وكذلك مهاجمة الضاحية الجنوبية في بيروت واغتيال القيادي العسكري في الحزب فؤاد شكر.
وتشير سياسة الاغتيالات التي عادت إسرائيل لتنفيذها -بعد فشلها في حسم الحرب على غزة والإخفاق في تقويض حركة حماس سياسيا وعسكريا، ومنع اتساع المواجهة على الجبهة الشمالية مع حزب الله- إلى استعداد إسرائيل لخوض المخاطر التي من شأنها تأجيل نهاية هذه الحرب الطويلة التي تتناقض مع مفهوم الأمن لإسرائيل، وفقا لتقديرات المحللين.
وتوافقت قراءات المحللين على أن إسرائيل تعيش حالة من التوتر الأمني والترقب لطبيعة رد حزب الله وحماس وإيران الذين يهددون بالقيام برد شديد قد يستهدف العمق الإسرائيلي.
وأجمعت التحليلات على أن الاغتيالات ما هي إلا إنجاز تكتيكي، واعتبرتها فشلا إستراتيجيا لمفهوم الأمن الإسرائيلي، إذ قدرت أنه بإمكان إسرائيل أن تغتال المزيد من القيادات السياسية والعسكرية من فصائل المقاومة الإسلامية والفلسطينية، لكن دون أن تتمكن من القضاء على حماس أو حل المشكلة الإستراتيجية مع قطاع غزة.
كسر دائرة الاستنزاف
يعتمد مفهوم الأمن لإسرائيل على 3 أسس: هي الردع والإنذار والحسم، لكن في صباح يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أصبح من الواضح بحسب المحللين أن إسرائيل ليس لديها ردع ضد حماس ولا حزب الله، كما تبين أنها لم يكن لديها أي إنذار، وهو خط الدفاع الثاني، كما أنها ما زالت تعجز عن الحسم بعد 10 أشهر من الحرب على جبهتي لبنان وغزة.
إن سياسة الاغتيالات التي تعتمدها إسرائيل تجعل الشرق الأوسط أقرب إلى حرب إقليمية شاملة. ويبدو أن إسرائيل مستعدة للمخاطرة، من أجل كسر دائرة الاستنزاف التي سقطت فيها أمام إيران ووكلائها، حسبما يقول المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل.
ولفت المحلل العسكري إلى أن المؤسسة الإسرائيلية تأخذ على محمل الجد والريبة تهديدات حزب الله وحماس وإيران برد قاس على الاغتيالات، قائلا “أعلن الإيرانيون أنهم يجرون مشاورات وهذا قد يستغرق بعض الوقت، إذ يبدو أن الاغتيال في طهران فاجأهم. وبالنسبة لهم، هناك أيضاً قيمة في استنزاف أعصاب إسرائيل لأيام، كما حدث في الماضي”.
وإلى حين قدوم الرد الإيراني والانتظار وسط التوتر الأمني، يقول المحلل العسكري “سيتمتع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بلحظة نادرة نسبيا من الإطراء، بعد الفشل الذريع بداية الحرب. لكن نتنياهو الذي لديه دوافع أخرى، ينتهج حرب استنزاف طويلة الأمد، لإحباط الجهود الرامية إلى الإطاحة بحكومته، وتأخير محاكمته الجنائية، لذا يخوض حربا بلا نهاية”.
الردع المفقود
في العودة إلى السابع من أكتوبر/تشرين الأول، مست العقيدة الأمنية الإسرائيلية بالهجوم المفاجئ الذي شنته حركة حماس على مستوطنات “غلاف غزة” وبلدات إسرائيلية بالجنوب، بحسب المحلل السياسي لـ”يديعوت أحرونوت” نداف إيال، قائلا “مع إطالة القتال وفشل الجيش الإسرائيلي بالحسم، انضمت المليشيات الإقليمية المختلفة، من العراق وسوريا إلى الحوثيين في اليمن إلى الحرب”.
ومن وجهة نظر المحلل السياسي، فإن الجيش الإسرائيلي -الذي يحارب حماس في قطاع غزة ويسعى لتقويض قدرتها العسكرية- يواجه تهديدا جديدا بالشرق الأوسط من قبل مختلف التنظيمات المسلحة التي انضمت للقتال، وهو ما يشير إلى أن رؤية رئيس حركة حماس في غزة (يحيى السنوار) من معركة “طوفان الأقصى” بدأت تتحقق رويدا رويدا.
ويرى إيال أن بقاء قيادة حماس في قطاع غزة يشكل دليلا على أن إسرائيل “العظيمة والقوية” قد حل محلها مثل هذه الحركة المقاتلة (حماس) التي ما عاد يردعها الجيش الإسرائيلي، بل هي من تردع خصومها (إسرائيل) وباتت حركة تسحب سيفها بشكل متكرر وتشهره بوجه إسرائيل، وإن نزفت الدم فإنها تمتص الضربات.
وشكك المحلل السياسي في استعادة الردع بسبب الاغتيالات، قائلا “مهما كانت عمليات الاغتيال معقدة ومثيرة للإعجاب ومبررة إسرائيليا لست متأكدا على الإطلاق أنها تسهم بإعادة الردع المفقود”.
ولفت إلى أنه مع رفع الجيش الإسرائيلي عتبة الهجوم، مشيرا إلى أن “هناك حالة من الخوف من الوقوع بالفخ، حيث يخيم على الأجواء دوامة إقليمية لا تنتهي”. وقال “لا يخدعن أحد نفسه، من الواضح للجميع أن إيران ستهاجم إسرائيل”.
فشل إستراتيجي
تحت عنوان “إنجاز تكتيكي.. فشل إستراتيجي” كتب المؤرخ الإسرائيلي آفي شيلون مقالا في موقع “واي نت” شرح فيه أن عمليتي الاغتيال في بيروت وطهران “يجب أن توضعا في سياق الحرب على غزة المستمرة منذ أكثر من 300 يوم”.
ولفت المؤرخ المحاضر في “كلية تال حاي” بالجليل الأعلى إلى أنه “باستثناء حرب الاستقلال، التي بدأت حتى قبل أن تقوم إسرائيل كدولة، فإن الحرب الحالية هي أطول حرب عرفها شعب إسرائيل على الإطلاق”.
ويعتقد أن استمرار الحرب في حد ذاته فشل إسرائيلي، وذلك “حتى قبل مناقشة حقيقة أن عشرات الآلاف من سكان البلدات الحدودية مع لبنان والجليل الأعلى الذين تم إجلاؤهم منذ 10 أشهر ما زالوا مشردين عن منازلهم، وأن المختطفين الإسرائيليين في غزة ما زالوا هناك”.
ويرى المؤرخ الإسرائيلي أن استمرار الحرب -التي تعتبر الأكثر إيلاما وصدمة للإسرائيليين حتى من حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، واستمرت أقل من 3 أسابيع- هو فشل ذريع لأنه يتعارض مع المفهوم الإسرائيلي الأساسي للأمن.
وضع مختلف
ينبع السعي وراء الحروب القصيرة -في مفهوم الأمن الإسرائيلي- بحسب شيلون “من حقيقة أن إسرائيل تعتمد على جيش احتياط، حيث يمكن لتعبئته على مدى فترة طويلة من الزمن أن يؤدي إلى انهيار الاقتصاد، وأن الحروب الطويلة تمنح ميزة وأفضلية للعالم العربي، بإرهاق إسرائيل عبر حرب الاستنزاف”.
وفي الحرب على غزة، يرى المؤرخ الإسرائيلي أن “كل الجبهة الداخلية ساحة قتال وفي دائرة الاستهداف، وهو الواقع الذي كان في حرب 1948، لكن الوضع مختلف مقارنة بالسابق”. ويضيف “اليوم يتم إخلاء سكان الشمال. وفي قطاع غزة سوف يستغرق الأمر وقتا لإعادة بناء المستوطنات والكيبوتسات، ويجب أن نضيف إلى هذا بالطبع المختطفين الذين يموتون في غزة”.
وبافتراض أن تحقيق النصر المطلق “أمر جيد من حيث المبدأ” كما يقول شيلون “فإنه لا يزال له ثمن، فالحرب المستمرة تضر بمكانة إسرائيل، وتضعف الاقتصاد، وترهق المواطنين، وتعرض المزيد من الجنود للموت، كما أنه ليس من الواضح ما هو هدفها الإستراتيجي، لذا وقف الحرب يصب بمصلحة إسرائيل، واستمرارها يضعفها إستراتيجيا”.