تفاصيل مروعة عن حرب إسرائيل على الأسرى الفلسطينيين
منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، صعّدت إسرائيل بشكل غير مسبوق من وتيرة الانتهاكات بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجونها، وكشفت تقارير حقوقية وشهادات مختلفة عن ظروف مأساوية يعاني منها المعتقلون الفلسطينيون منذ بدء هذه الحرب.
وبينما تشير التقارير المختلفة إلى ارتفاع مستوى الانتهاكات بحق المعتقلين في السجون الإسرائيلية، فإن الحرب في غزة لم تكن وحدها التي تقف خلف التطرف الإسرائيلي في معاقبة المحتجزين الفلسطينيين ومحاولة كسر إرادتهم، ولم تكن الانتهاكات التي جرى توثيقها خلال الحرب سوى إطار أوسع لما بدا عليه الواقع قبل إعلان المقاومة الفلسطينية عن معركة طوفان الأقصى التي كان واحدا من أهدافها تحرير هؤلاء الأسرى.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، تحولت إجراءات جيش الاحتلال المتخذة ضد الأسرى إلى جزء من معركة إسرائيلية شاملة على المجتمع الفلسطيني.
معتقل سدي تيمان وجه جديد للوحشية الإسرائيلية
إلى جانب مفاعيل الانقسام المجتمعي في إسرائيل على خلفية الموقف من الحرب في غزة ومفاوضات وقف إطلاق النار، وفي ظل استمرار الحراك المطالب بإبرام صفقة تبادل للأسرى، برزت حالة جديدة من الاستقطاب السياسي والشعبي عقب التحقيقات التي فتحها الجيش الإسرائيلي بحق عدد من جنوده على خلفية تعذيب معتقلين فلسطينيين.
وتتعلق التحقيقات بـ “إساءة كبيرة” لمعتقل فلسطيني في معسكر “سدي تيمان” الإسرائيلي سيئ السمعة الواقع في صحراء النقب، إذ أشارت التقارير إلى تعرضه لإساءة جسدية وجنسية شديدة أدت إلى نقله للمستشفى في حالة خطيرة، بينما احتجزت الشرطة العسكرية الإسرائيلية 9 جنود شاركوا في هذه الإساءة، مما أثار غضباً كبيراً واحتجاجات بين الأحزاب اليمينية المتطرفة.
ووفقاً للمدير التنفيذي للجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل تال شتاينر، فإن الجيش يحتجز المعتقلين من غزة في 3 مواقع اعتقال رئيسية هي: عناتوت وعوفر بالإضافة إلى سدي تيمان الذي كشفت بشأنه تقارير صحفية مختلفة عن وقائع صادمة لعمليات التعذيب وإساءة المعاملة للمحتجزين الفلسطينيين داخله.
وفي تحقيق استمر 3 أشهر، شمل مقابلات مع جنود إسرائيليين وأسرى فلسطينيين داخل معتقل سدي تيمان، وثّقت صحيفة نيويورك تايمز السياسة الممنهجة لعمليات التعذيب وإساءة المعاملة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، ووصف أحد صحافييها ما شاهده خلال زيارته للمعتقل، حيث صفوف المعتقلين يجلسون مكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين وقد منعوا من التحدث بصوت أعلى من الهمس فضلاً عن منعهم من الوقوف أو النوم إلا بإذن.
وأشار التحقيق إلى طائفة متنوعة من أساليب التعذيب بينها الضرب المبرح باستخدام الهراوات وأعقاب البنادق، والصعق بالكهرباء أثناء عمليات الاستجواب، والاعتداء الجنسي على عدد من المعتقلين، والصعق المتكرر بالكهرباء، وتعريض المعتقلين لموسيقى صاخبة لمنعهم من النوم، كما أٌجبر المعتقلون على ارتداء الحفاضات فقط أثناء التحقيق معهم.
وشملت الانتهاكات حرمان المعتقلين من حقوقهم القانونية الأخرى في العرض على القاضي لمدد تصل إلى 75 يوماً، علاوة على منعهم من الوصول إلى محاميهم لمدة تصل إلى 90 يوما.
في تقرير مماثل لشبكة “سي إن إن” كشف محتجزون فلسطينيون سابقون وجنود إسرائيليون يعملون في معتقل سدي تيمان عن شهادات مروعة لظروف الاحتجاز هناك بمن فيهم المرضى.
وقد أورد التقرير أيضاً الوسائل العقابية التي يستخدمها جنود الجيش الإسرائيلي بحق المعتقلين عند مخالفتهم لتعليمات الحظر على الحركة أو الكلام، حيث يقتاد المعتقلون إلى منطقة خارج السجن ليتم الاعتداء عليهم بقسوة بلغت في بعض الحالات حد كسر عظامهم وأسنانهم.
وينقل التقرير -عن شهود وأطباء- إلى وجود حالات أقدم فيها الأطباء على بتر أطراف بعض المعتقلين بسبب الإصابات الناجمة عن التقييد المستمر بالأصفاد، إضافة إلى “عمليات طبية يقوم بها أحيانًا أطباء غير مؤهلين، مما أكسبه سمعة بأنه “جنة للمتدربين” حيث يمتلئ الهواء برائحة الجروح المهملة التي تركت لتتعفن بينما تجري العديد من العمليات الجراحية بدون تخدير”.
وأما الشهادات المتعلقة بسوء المعاملة الطبية للمعتقلين، فتعرضها رسالة نشرتها صحيفة هآرتس لطبيب إسرائيلي يعمل في المستشفى الميداني التابع لمعتقل سدي تيمان، وصف فيها الظروف التي تحيط بالمرضى بـ “المزرية” مشيراً إلى عمليات “بتر روتينية” بسبب الإصابات التي خلفتها الأصفاد، بالإضافة إلى غياب الرعاية الملائمة في مرافق الاحتجاز والتي أدت إلى مضاعفات صحية بين المرضى وصولاً إلى الوفاة في بعض الأحيان.
كما يشير الطبيب في شهادته إلى أن جميع المرضى يتم تكبيلهم بالأصفاد من أطرافهم الأربعة طيلة اليوم مع تغطية أعينهم بغض النظر عن خطورة حالتهم الصحية، بينما يجبر العديد منهم على قضاء الحاجة وهم يرتدون الحفاضات.
ولا ينحصر التعذيب على هذا المعتقل فحسب، بل إلى مراكز الاعتقال والسجون المختلفة، حيث قالت المفوضية السامية لحقوق الإنسان إن هناك 9400 معتقل فلسطيني في السجون الإسرائيلية المختلفة، قضى منهم تحت التعذيب 53 معتقلاً في مراكز الاعتقال والسجون المختلفة والتي كان أبرزها سدي تيمان.
وتشير المفوضية إلى طرق التعذيب في تلك السجون والتي شملت حرمان المعتقلين من الطعام والماء وتعرضهم للحرق بالسجائر والإيهام بالغرق واستخدام الكلاب، فضلاً عن وسائل التعذيب الأخرى التي تستخدم في معتقل سدي تيمان.
وعلى وقع ضغوط المنظمات الحقوقية، اضطر الجيش الإسرائيلي إلى الاعتراف بقتل 36 فلسطينيا من غزة في سجن سدي تيمان من بين 53 معتقلاً استشهدوا جراء التعذيب منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول وإعلان إسرائيل الحرب على القطاع المحاصر، في وقت تقول بيانات الأمم المتحدة إن الرقم أعلى مما تكشف عنه وثائق جيش الاحتلال.
انتهاكات السجون لم تبدأ من 7 أكتوبر
خلال عقود الاحتلال، دأبت السلطات الإسرائيلية على اتباع سياسة الاعتقال بشكل منهجي وواسع النطاق بحق الفلسطينيين. وبحسب تقرير أممي، بلغ عدد الذين اعتقلتهم إسرائيل منذ عام 1967 وحتى 2006 قرابة 800 ألف شخص، بينما وصل عدد المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية نهاية أغسطس/آب 2023 (أي قبل معركة طوفان الأقصى بشهر واحد) حوالي 5 آلاف فلسطيني، بينهم أكثر من ألف معتقل إداري بدون محاكمة.
وذكرت تقارير دولية عدة صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية محلية ودولية أن السلطات الإسرائيلية تستخدم التعذيب الجسدي والنفسي بحق المعتقلين الفلسطينيين، والتي تشمل احتجازهم في غرف مكتظة وغير صحية، وكذلك الاعتداءات الجنسية وتغطية الرأس وتعصيب العينين، وإجبارهم على الوقوف لساعات طويلة، وربطهم في كرسي بأوضاع مؤلمة، فضلاً عن حرمانهم من النوم والعقاب بالحبس الانفرادي، وكذلك الشبح بطرق مختلفة وغيرها من أشكال التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة، مما أدى إلى استشهاد 73 معتقلاً بين العامين 1967 و2020.
ومنذ عام 2001 حتى نهاية 2023 تلقت وزارة العدل الإسرائيلية أكثر من 1400 شكوى بشأن التعذيب وإساءة المعاملة للمعتقلين الفلسطينيين من قبل جهاز الشاباك، ولم تسفر إلا عن فتح 3 تحقيقات وعدم توجيه أي اتهام.
كما اتهمت جهات حقوقية إسرائيل باستخدام سياسة الإهمال الطبي كأداة تعذيب عبر حرمان المعتقلين من الفحوصات والعلاجات الطبية وحجب المعلومات الطبية الحيوية، كما تطرقت منظمة الصحة العالمية -في تقرير لها نشر في مايو/أيار 2023- إلى السياسات التي تتبعها إسرائيل بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، ابتداء من غياب البروتوكولات الموحدة المتعلقة بالتحقيقات الطبية والعلاج في مرافق السجون، وصولاً إلى سياسة الإهمال الطبي خاصة مرضى السرطان وأصحاب الأمراض المزمنة الذين لا يحصلون على العلاجات والأدوية اللازمة.
وأشارت منظمة الصحة أيضاً إلى ما وصفتها ممارسات غير أخلاقية بما فيها تكبيل المعتقلين المرضى في أسرة المستشفيات، وعدم وجود متابعة طبية مناسبة عند خروجهم، إضافة إلى عدم حصول الأسرى المضربين عن الطعام على الرعاية المناسبة.
تصاعد انتهاكات السجون.. أسباب متعددة
بينما لا يمكن تجاهل الأحداث التي تلت بدء معركة طوفان الأقصى كأحد أسباب تصاعد الانتهاكات في السجون الإسرائيلية، فإن هناك أسبابا كامنة هيأت الأرضية لأكبر قدر من سوء المعاملة بحق المعتقلين، ومن بين تلك الأسباب:
- الحكومة اليمينية الإسرائيلية
مع تصويت الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) لصالح حكومة اليمين المتطرف في ديسمبر/كانون الأول 2022، أعلن وزير الأمن إيتمار بن غفير عن نيته القيام بسلسلة من الخطوات التي تهدف إلى:
- التضييق على المعتقلين الفلسطينيين في السجون.
- عدم منحهم ظروف اعتقال جيدة، ومنها تكثيف عمليات النقل القسري للمعتقلين وتحديد مدة الاستحمام بـ4 دقائق لكل فرد أو ساعة واحدة من المياه الجارية لكل جناح سجن.
- العمل على سن قانون يهدف إلى حرمان المعتقلين من العلاج الطبي الذي من شأنه أن “يحسن نوعية الحياة”.
- فرض قيود على الزيارات العائلية للمعتقلين.
- مناقشة إقرار تشريع عقوبة الإعدام للمعتقلين المتهمين بـ”الإرهاب”.
وغيرها من الخطوات التي أسهمت خلال العام الماضي في تصاعد التوتر داخل السجون الإسرائيلية.
- التعذيب غير محظور قانوناً
على الرغم من توقيع إسرائيل على معاهدات حقوق الإنسان التي تحظر التعذيب ومنها الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، فإن القانون الإسرائيلي لا يحظر التعذيب فضلاً عن تجريمه، كما أنه لا يضع تعريفا محددا لجريمة التعذيب رغم المطالبات الدولية.
وعلى الرغم من إصدار محكمة العدل العليا الإسرائيلية حكماً قضائياً عام 1999 يقضي بحظر “استخدام أساليب وحشية” بشكل مطلق، فإنها أبقت على بعض الاستثناءات كمبدأ “القنابل الموقوتة” أي الذين يشتبه بمعرفتهم بعمليات “إرهابية” محتملة.
وعبرت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة عن قلقها إزاء إمكانية استخدام محققي الشاباك هذا المبدأ لتبرير عمليات التعذيب بحق المعتقلين، خاصة أن قانون هذا الجهاز يمنح الحصانة لعناصره عن أي عمل يقومون به في حدود عملهم.
- التعامل مع الفلسطيني كتهديد
في تقريرها بشأن الاعتقالات التعسفية، أشارت المقررة الخاصة لحقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيز إلى السياسة الإسرائيلية طويلة الأمد ضد الفلسطينيين، والتي تسببت في حرمانهم لأجيال من حريتهم علاوة على عدم تمتعهم بأبسط حقوقهم التي يمنحها لهم القانون الدولي.
وأشارت إلى أن الإجراءات الإسرائيلية الممتدة على مدار عقود من الاحتلال الفلسطينيين بالأراضي المحتلة حولت الفلسطينيين إلى “سكان جُردوا من صفة المدنيين” وبالتالي حرمانهم من أي حماية قانونية، ومن ثم يصبح الفلسطيني دائماً عرضة للاعتقال لأنه مصدر تهديد للنظام القائم المبني على الهيمنة، ليتحول الحرمان التعسفي من الحرية والمعاملة القاسية والمهينة إلى سياسة إسرائيلية عامة موجهة ضدهم لإحكام السيطرة عليهم.