لماذا غيرت فرنسا موقفها بشأن الصحراء الغربية؟
باريس- بالتزامن مع الذكرى الـ25 لاعتلاء الملك محمد السادس عرش المغرب، قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون -في رسالة موجهة إلى العاهل المغربي الثلاثاء الماضي- الاعتراف بسيادة المملكة على الصحراء الغربية.
وأكد ماكرون في رسالته أن مخطط الحكم الذاتي المغربي لعام 2007 هو “الأساس الوحيد” لحل “التنافس الإقليمي” بين الرباط والانفصاليين الصحراويين التابعين لجبهة البوليساريو التي تأسست عام 1973 على الأراضي الصحراوية المتنازع عليها.
وأثار الموقف الفرنسي غضب الجزائر المعارِضة للمغرب في هذه القضية منذ حرب الرمال عام 1963، وقررت سحب سفيرها من باريس بعد ساعات قليلة من نشر الرسالة، في خطوة مثلت فشل “سياسة مصالحة الذاكرة” التي أطلقها ماكرون في السنوات الأخيرة.
توقيت الاعتراف
لطالما تجنبت باريس الاعتراف الصريح بـ”السيادة المغربية” على الصحراء واعتبرت بدلا عن ذلك أن المنظور الذي تطرحه المملكة يشكل “أساسا جيدا وذو مصداقية للنقاش”، حتى بعد إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب اعتراف بلاده بسيادة المغرب في ديسمبر/كانون الأول 2020 على هذه المساحة البالغة 266 ألف كيلومتر مربع والواقعة على حافة المحيط الأطلسي.
وتقول مديرة معهد دراسات العلاقات الدولية والإستراتيجية في باريس، ليزلي فارين، إنه كان على فرنسا الارتكاز على قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن ملف الصحراء الغربية منذ البداية. وبرأيها، اتخذت باريس هذا الموقف في أسوأ لحظة في تاريخها حيث لديهم حكومة مستقيلة فيما قصر الإليزيه “لا يزال يتخذ القرارات التي سيكون لها تداعيات ضارة على البلاد بلا شك”.
وعن رمزية توقيت الاعتراف في ظل عدم الاستقرار السياسي في فرنسا وفي منتصف الألعاب الأولمبية، لم تستبعد ليزلي -في حديثها للجزيرة نت- فرضية وقوف إسرائيل وراء ما حدث وضغطها على باريس للقيام بهذه الخطوة، بسبب مصالحها الخاصة المرتبطة بملف التطبيع، مضيفة أن “كل شيء سريالي في عهد ماكرون”.
من جانبه، وصف المؤرخ الفرنسي والمتخصص في الشأن الأفريقي برنارد لوغان الاعتراف الفرنسي بـ”الثابت” و”الغامض” في الوقت ذاته، معتبرا أن باريس اعترفت بهذا الواقع دائما لكنها كانت ترغب في تعديل الموقف الجزائري قليلا.
وأضاف لوغان للجزيرة نت أن رسالة الرئيس ماكرون إلى ملك المغرب محمد السادس -بمناسبة الذكرى الـ25 لحكمه- جاءت لتزيل هذا الغموض وتؤكد موقفا فرنسيا قديما.
لغة المصالح
وقد مهد وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه الطريق لهذا الاعتراف خلال زيارته للرباط في فبراير/شباط الماضي، قائلا إن “الصحراء قضية وجودية بالنسبة للمغرب وفرنسا تعرف ذلك، لقد حان الوقت الآن للمضي قدما”.
أما وزير التجارة المستقيل فرانك ريستر، فقد تحدث عن فرص اقتصادية بين البلدين، في أبريل/نيسان الماضي، لفتح الباب أمام استثمارات الوكالة الفرنسية للتنمية في الصحراء الغربية.
ومن وجهة نظر أرقام التجارة الخارجية الإجمالية، يعتقد المؤرخ لوغان أن فرنسا على المستوى نفسه تقريبا مع الدولتين الأفريقيتين (المغرب والجزائر)، لكنه يرى أن “الإمكانيات المغربية أكثر أهمية من الجزائرية، لذا فإن التقارب بين باريس والرباط سيصبح منطقيا أكثر في المستقبل على الصعيد الاقتصادي”.
ولا يأخذ المتخصص في الشأن الأفريقي احتمالية وقف الجزائر صادراتها على محمل الجد، موضحا ذلك بالقول “لا يمثل الغاز الجزائري سوى 8% من الاستهلاك الفرنسي، بينما لا يتجاوز النفط نسبة 9%، كما أن الاستثمارات الفرنسية المباشرة في الجزائر تحتل المركز الثالث بعد الولايات المتحدة وإيطاليا”.
ويعتبر لوغان أنه “إذا كان هناك أي رد فعل انتقامي يعقب هذا الاعتراف، فستكون فرنسا السباقة لفعل ذلك من خلال إبطاء منح التأشيرات -التي تُعتبر باهظة للجزائر مقارنة بالمغرب أو تونس– أو فرض ضريبة على التحويلات اليومية التي تقوم بها الجالية الجزائرية والتي تسمح بتضخم الميزانيات الجزائرية.
مد وجزر دبلوماسي
وقد أثار تحول فرنسا الدبلوماسي غضب السلطات الجزائرية التي عدّتها خطوة “لم تكن أي حكومة فرنسية أخرى قبلها تعتقد أنها ضرورية لاتخاذها” وأنها “لم تقس بوضوح جميع التداعيات المحتملة”، حسبما أشارت وزارة الخارجية.
وفي هذا الإطار، لا تستبعد الدكتورة ليزلي فارين خلق أزمة مع الجزائر، رغم أن العلاقات بين البلدين لم تكن جيدة جدا ومتقلبة للغاية على مدى السنوات السبع الماضية، أما بالنسبة للشعبين المغربي والجزائري، فإن غالبية السكان يحبون بعضهم بعضا رغم المشاكل السياسية، على حد تعبيرها.
وتابعت “بدل أن تلعب باريس دور الوسيط بين جارتين تعيشان خلافات دبلوماسية، فقد جعلت الأمور تسوء أكثر رغم أن اعترافها اليوم لن يغير أي شيء في قرارات الأمم المتحدة”.
وباعتقادها، فإن الأمر الوحيد الذي قد يتغير هو زيادة الدعم الدولي لسيادة المغرب على الصحراء الغربية “فإذا اعترفت المزيد من البلدان بذلك، فستكون الرباط قادرة على القول إنها تتمتع بشرعية أكبر”. لكن الخطأ الذي ترتكبه المملكة -برأيها- هو وضع نفسها في صندوق غربي، أي أن كل من يعترف بسيادتها على الصحراء هم من الغربيين.
بدوره، يعتبر المؤرخ الفرنسي برنارد لوغان أن أي تطور سيطرأ على الدبلوماسية الفرنسية-الجزائرية سيعتمد على السلطات الجزائرية “التي أدركت أن قضية جبهة البوليساريو والجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية قضية خاسرة، لذا فهي لا تزال تتمسك بمواقف غير تفاوضية ومتطرفة، وهذا الوضع لا يمكن أن يستمر للأبد”.
ومن خلال متابعته للخطاب الرسمي لكلتا الدولتين، أشار لوغان إلى أن مواقف الملك محمد السادس يمكن تفسيرها بـ”اليد الممدودة وحسن نية، وهذا ليس هو الحال بالنسبة للخطاب الجزائري الرسمي الذي نراه متصلبا وخاصة ما جاء في خطاب تنصيب الرئيس عبد المجيد تبون. لذلك، ربما نحن في انتظار جيل جديد، أي فسح المجال لشباب يتطلعون إلى المستقبل بدلا من الماضي”، بحسب رأيه.