هل تغير الطائرات المسيّرة مسار الحرب في السودان؟
الخرطوم- مسار جديد ترسمه الطائرات المسيرة على خارطة المعارك الميدانية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في ظل الحرب المستمرة منذ أكثر من عام. ورغم استخدام المُسيّرات في معارك السودان من قِبل طرفي الصراع، فإن الدعم السريع كثفت هجومها بها على مواقع تقع تحت سيطرة الجيش.
وكان للدعم السريع الأسبقية في توظيف المُسيّرات في معارك العاصمة الخرطوم، وفق تصريح مصدر عسكري للجزيرة نت.
ونجا رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان من استهداف عبر مسيّرتين، أواخر يوليو/تموز الماضي، لتخريج دفعات عسكرية بمعسكر جبيت بولاية البحر الأحمر شرقي السودان، مما أدى إلى مقتل 5 أشخاص وإصابة آخرين.
واتهم المتحدث باسم القوات المسلحة العميد نبيل عبد الله الدعم السريع بهذا الاستهداف، وقال -للجزيرة نت- إنه كان في ختام الحفل “ولا توجد جهة تحارب الدولة السودانية حاليا بخلاف مليشيا آل دقلو وداعميها وأعوانها”، على حد تعبيره.
مُسيّرة جبيت
يطابق المُتخصص في الشؤون الأمنية والعسكرية ناصف صلاح الدين الصوت المصاحب للمسيّرة التي استهدفت معسكر “جبيت” في مقاطع فيديو بُثت لحظة الاستهداف، ويقول -للجزيرة نت- إنها مُسيّرة انتحارية تقطع مسافات بعيدة يمكن أن تتجاوز ألفي كيلو متر.
وأضاف أن هذه المُسيّرات تتميز بسرعة عالية تتراوح بين 160 إلى 200 كيلومتر في الساعة، إلا أن قدرتها على إصابة الهدف ضعيفة، لأنها تعتمد على النظام العالمي لتحديد المواقع.
وحسب صلاح الدين، فإن المُسيّرات الانتحارية التي استخدمتها الدعم السريع هي “تقليد” للطائرة الإيرانية “شاهد-136” والصينية من طراز “Sunflower” ومزودة بمحرك يعمل بالبنزين المخلوط بالزيت، كما أنها دون كاميرات ويتم التحكم بها عن بعد وتتراوح أسعارها بين 500 و1500 دولار.
وتمتلك الدعم السريع -وفقا له- طائرات استطلاع معدّلة تُذخر بقذائف “الهاون” و”آر بي جي” ويتم تجميعها وتعديلها عبر شركات صغيرة محلية وإقليمية.
“ليس هناك مكان آمن”، هكذا يرى صلاح الدين أبعاد حادثة مسيّرات جبيت. وبرأيه، هي رسالة لقادة الجيش بأنه ليست هناك ولايات أو مناطق آمنة ومُسيّرات الدعم السريع قادرة على الوصول إليها، “هذا إن أثبتت التحقيقات أنها هي من أطلقتها”.
لكن، يتابع، إن تأكدت المزاعم بأن جهات أخرى داخل الجيش أو خارجية هي التي تقف وراء الهجوم، فإنها “رسالة للبرهان مفادها لقد انتهى وقت اللعب على كل الحبال”، وفق تصريحه.
صراع سياسي
في المقابل، يرى الخبير الإستراتيجي إبراهيم إدريس أن ما تم في جبيت هو قطع الطريق على فكرة استئناف المفاوضات بين الأطراف المتصارعة التي تسعى الآن إلى أن تقبل قيادة الجيش بمشروع تحقيق السلام “في ظل التفوق العسكري للدعم السريع التي استهدفت البرهان من منطقة مجاورة لا توجد فيها قواتها”.
وقال للجزيرة نت إنه صراع سياسي حتى لو اتسم بالطابع العسكري، وهدف هذه المُسيّرات الأساسي هو إيقاف المفاوضات حتى تحقيق التعادل الميداني بين الجيش والدعم السريع.
من جهته، يستبعد الصحفي محمد عثمان إبراهيم محاولة الاغتيال، ويوضح -للجزيرة نت- أن الهدف الحقيقي من إرسال المُسيّرتين هو إحداث أكبر قدر من الخسائر في الأرواح في أوساط الجيش بتوجيههما نحو حشد ثابت ومؤكد، وإيصال رسالة له في المناطق الأكثر أمانا في السودان، بأنه “ليس هناك مأمن ممن أطلق المُسيّرتين، وأن العدو قادر على الضرب في العمق”.
وبحسب تصريحات من وحدة “إس إم سي” التابعة لمنصة القدرات العسكرية السودانية -للجزيرة نت- فإن مُسيّرات قوات الدعم السريع الانتحارية مصنوعة من الورق المقوى و”فايبر جلاس” حتى لا يتم رصدها بواسطة الرادارات. وأضافت أنها تحمل رأسا حربيا وزنه بين 10 إلى 30 كيلوغراما، في حين تقوم هذه القوات بتهريب أجزائه ثم إعادة تجميعها في وُرش بواسطة خبراء.
من جانبه، ووفقا لمقاطع فيديو وثقها منسوبون للجيش لإسقاط مُسيّرات للدعم السريع بمصفاة الجيلي، تظهر طائرة استطلاع درون “دي جي آي” والتي تم تعديلها لتحمل قذائف هاون، ومُسيّرة طراز “كواد كابتر” تحمل قذيفتي هاون 120 مليمترا.
وحصلت الجزيرة نت على مقطع فيديو لاستهداف الدعم السريع قاعدة “وادي سيدنا” العسكرية عبر طائرة استطلاع معدلة أسقطت ذخيرة هاون 60 و75 مليمترا.
وكان استخدام الدعم السريع اللافت للمُسيّرات في استهداف مواقع للجيش، عاملا في سقوط عدد من معسكراته في الخرطوم رغم تقليل قائده عبد البرهان من استخدام القوات للمُسّيرات.
ويقول ضابط بالجيش السوداني للجزيرة نت -اشترط حجب هويته- إن قوات الدعم السريع بدأت استخدام المُسيّرات منذُ يونيو/حزيران 2023، مُكثفة بها هجومها في معارك الخرطوم، في حين استخدمها الجيش منتصف يوليو/تموز 2023.
وأضاف أن الدعم السريع تمكّنت عبر هجوم مُعزز بالمُسيّرات من السيطرة على معسكر الاحتياطي المركزي جنوبي الخرطوم، ومجمع اليرموك للصناعات العسكرية في يونيو/حزيران 2023، وفي هجمات شنتها على القيادة العامة للقوات المسلحة.
دور بارز
في المقابل، كان لمُسيّرات الجيش دور بارز في معاركه ضد الدعم السريع أبرزها معركة “الإذاعة” بأم درمان، حيث أعلن في مارس/آذار الماضي استعادة السيطرة على مبنى الإذاعة والتلفزيون. ووفقا لمعلومات حصلت عليها الجزيرة نت، كان للمُسيّرات دور مهم في هذه المعركة التي استمرت نحو 6 ساعات، دمرت الجيش من خلالها تعزيزات للدعم السريع كانت تهدف إلى فكّ الحصار عن المبنى.
ومنذُ أبريل/نيسان 2024، بدأت الدعم السريع قصفها بالمُسّيرات على مواقع في ولايات تحت سيطرة الجيش، وقصف إفطار جماعي في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل نظمته كتيبة “البراء بن مالك”، مما أدى إلى مقتل وإصابة 24 شخصا.
وخلال الأشهر الأربعة الأخيرة، استهدفت مُسيّرات انتحارية بشكل متزامن عددا من المدن والمواقع العسكرية للجيش. كما استهدفت مدينة المناقل بولاية الجزيرة، ومبنى الحكم المحلي بنهر النيل، ومقارّ أمنية في ولاية القضارف، ومحيط المهبط الجوي لقيادة الفرقة الثالثة مشاة في شندي.
وجاء الاستهداف بعد مرور 24 ساعة على زيارة البرهان، كما أعلنت قيادة الفرقة (19 مشاة) -في بيان سابق- التصدي لهجوم من 3 مُسيّرات انتحارية من “قوات العدو” استهدفت مطار مروي. ووثقت القوات المُسلحة -عبر مقاطع فيديو- استهدافها بالمُسيّرات مواقع للدعم السريع في عدد من جبهات القتال.
وصرح ضابط بالجيش شارك في معارك بمحوري أم درمان والخرطوم -للجزيرة نت- بأن دور المُسيّرات برز في معارك أم درمان من خلال عمليات القصف وتصحيح وتوجيه المدفعية، وفي مهام دفاعية وهجومية في معارك سلاح المدرعات جنوبي العاصمة، وفي محوري القضارف والجزيرة، ومحور سنّار قبل سقوط مناطق جبل موية والدندر وسنجة.
وقالت مصادر عسكرية متطابقة -للجزيرة نت- إنّ الجيش يستخدم أنواعا مختلفة من المُسيّرات، منها “ماتريس درون” وهي مُسيّرة يتم تذخيرها بنحو 8 دانات، إلى جانب “مافيك درون” ومُسيّرات أخرى تذخّر بدانات من نوع 80 و120 مليمترا.
ومنذ عام 2009، بدأ الجيش السوداني إنتاج مُسيّرات انتحارية “بالتعاون مع إيران”، كمُسيّرة “كامن-25” وطائرة استطلاع مُسيّرة معدلة تُعرف بـ”الصبرة”، كما حصل على طائرات مُسيّرة لأغراض الاستطلاع من طراز “مهاجر-2″ و”Zagil-3”
ويقول المتخصص في الشؤون الأمنية والعسكرية ناصف صلاح الدين إن الجيش “يمتلك طائرات بدون طيار اشتراها من إيران مطلع العام الجاري، ونُقلت إلى قاعدة وادي سيدنا العسكرية شمالي أم درمان”.