كيف يواجه الرئيس الموريتاني التحديات الكبيرة بولايته الثانية؟
بعد 5 سنوات عرفت فيها موريتانيا أوضاعا اقتصادية صعبة تسببت في هجرة نحو 100 ألف شاب، جاءت الولاية الثانية للرئيس محمد ولد الغزواني التي قال عنها إنها ستكون مأمورية طموح نحو الإصلاح والبناء.
ورغم مواردها المتعددة والمتنوعة، فإن موريتانيا بسكانها الذين لا يصلون إلى 5 ملايين نسمة، تصنف واحدة من أكثر بلدان العالم فقرا، إذ يعيش 2.3 مليون شخص (56.9% من السكان) في وضعية الفقر متعدد الأبعاد، حسب بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف).
وفي عام 2019، تقدم ولد الغزواني ببرنامج كبير سماه “تعهداتي”، التزم فيه بالقضاء على مظاهر الفقر والتهميش، ولكن مع انقضاء فترته الأولى في يوليو/تموز الماضي تحدث عن خطر الفساد وأهمية ترشيد الموارد.
وبالإضافة لمشكلات الفقر والتنمية ومعضلة الفساد التي أقر بها النظام الحالي، تعاني موريتانيا من تحديات جيوسياسية تقتضي العمل بوسائل مختلفة وديناميكية أسرع.
منطقة متوترة
ومنذ عام 2020، شهدت منطقة الساحل والصحراء في أفريقيا تغييرات في جغرافيا السياسة والنفوذ بسبب الانقلابات ورجوع العسكريين لقصور الحكم، وهو الأمر الذي تسبب في إذكاء الصراع بين الجماعات المسلحة والقوات الحكومية، خاصة في شمال مالي حيث يوجد الطوارق الذين يطالبون بالانفصال والحكم الذاتي، كما تعتبر تلك الأماكن معقلا للحركات المسلحة التي تقول الحكومة المالية إنها مرتبطة بالإرهاب.
وقد تضررت موريتانيا من تلك الأوضاع الأمنية والسياسية، إذ أصبحت مركزا لإيواء الفارين من نيران الجيش المالي والحركات المتمردة، إذ استقبلت من دولة مالي وحدها قرابة 250 ألف لاجئ، وهو الأمر الذي شكل ضغطا على السكان الموريتانيين في المناطق الشرقية المحاذية للحدود مع جارتها، وخاصة في ولاية الحوض الشرقي.
وخلال المنتدى العالمي للاجئين المنعقد في جنيف ديسمبر/كانون الأول 2023، قال وزير الاقتصاد الموريتاني حينها عبد السلام ولد محمد صالح إن بلاده أصبحت تعاني من تزايد اللاجئين الذين يشكلون عبئا على السكان المحليين، وطالب بضرورة تعبئة الموارد المالية من أجل التصدي لخطورة انعدام فرص العيش الكريم.
وبالإضافة لما يشكله المهاجرون من ضغوط اقتصادية، فإن الحكومة الموريتانية في أكثر من مرة تبدي مخاوفها المتعلقة بالأمن والسلم المجتمعي، ففي مقابلة سابقة مع صحيفة لوفيغارو الفرنسية، قال الرئيس الموريتاني إن اللاجئين كلفوا بلاده أثمانا باهظة على صعيد الحدود والأمن والاستقرار، كما أن توافدهم بأعداد كبيرة يجعل من الصعب التعرف على الإرهابيين.
ورغم كل تلك المخاوف، فقد وقّعت الحكومة الموريتانية في مارس/آذار الماضي اتفاقا مشتركا مع الاتحاد الأوروبي حول استضافة اللاجئين وإيوائهم وتمكينهم من الولوج للخدمات العمومية مقابل تمويلات ودعم مالي يقدمه الاتحاد الأوروبي، خاصة إسبانيا التي تشترك مع نواكشوط في بروتوكولات للتصدي للمهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا.
وتنصرف جهود الحكومة الموريتانية نحو التحديات الأمنية بسبب الأزمة الحدودية مع مالي، إذ شهدت الأشهر الماضية دخول قوات الجيش المالي المدعوم من عناصر فاغنر إلى قرى وتجمعات يسكنها موريتانيون في الشريط الحدودي المشترك بين البلدين، الأمر الذي جعل نواكشوط تبادر إلى تعزيز ترسانتها التسليحية، وتقوم بمناورات عسكرية في ولاية الحوض الشرقي لإظهار قدراتها الدفاعية أمام السلاح الروسي الذي انتشر في منطقة الصحراء خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
البطالة والفساد
وبالإضافة للتحديات الإقليمية، يواجه ولد الغزواني مصاعب كبيرة في تنفيذ البرنامج الذي التزم به للشعب الموريتاني بسبب الفساد الذي تقول تقارير حكومية إنه منتشر في مختلف القطاعات الإدارية، فحسب منظمة الشفافية الدولية، جاءت موريتانيا في المرتبة 130 من أصل 180 على مؤشر الفساد لسنة 2023.
وفي خطاب تنصيبه رئيسا للجمهورية في الأول من أغسطس/آب الجاري، قال الرئيس الموريتاني إنه سيعمل على محاربة الفساد.
وخلال السنوات الأخيرة، عاشت موريتانيا على وقع فصول من المحاكمات للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وعدد من أعوانه بتهم الفساد وتبديد ممتلكات الدولة، وعام 2020 شكل البرلمان الموريتاني لجنة للتحقيق في عدد محدود من الصفقات، فكشفت عن اختلاسات تقدر بنحو 300 مليار أوقية أي مليار دولار تقريبا.
وكانت الصحافة المحلية نقلت في عام 2019 أن الخزانة الأميركية طلبت من حكومة الإمارات تجميد ملياري دولار ترجع لحسابات مسؤولين موريتانيين في إمارة دبي.
ويشير تقرير محكمة الحسابات الموريتانية (جهاز حكومي للرقابة المالية) الصادر عام 2023 إلى أن عديدا من الصفقات والنفقات العامة تتم خارج الأطر القانونية، وكشف التقرير عن كثير من الثغرات وعمليات الفساد والاختلاس، وعلى إثره تمت إقالة عدد من المسؤولين الكبار.
ومارس/آذار الماضي، اعتقلت السلطات رئيس منظمة الشفافية الشاملة (منظمة غير حكومية) السيناتور السابق محمد ولد غده بعدما نشر تقارير تتعلق بالفساد وتجاوزات في الصفقات العمومية.
وخلال جلسة للبرلمان في يونيو/حزيران الماضي حول المصادقة على مشاريع قوانين للتمويل، قال النائب إسلكو ابهاه إن النظام الحاكم أغرق موريتانيا بالديون ووضع عليها أعباء مستقبلية تضر بمستقبل النمو بسبب زيادة المديونية لتمويل المشاريع التي لا وجود لها على أرض الواقع.
وأضاف النائب البرلماني أن حكومة الرئيس ولد الغزواني أخذت في مأموريته الأولى قروضا تجاوزت 368 مليار أوقية أي 1.2 مليار دولار.
ومن جهة أخرى، يرتفع سقف التحديات أمام البرنامج الجديد للحكومة في كيفية التصدي لارتفاع نسبة البطالة التي تتضارب حولها الأرقام، ففي عام 2021 قال وزير التشغيل إن العاطلين عن العمل يشكلون نسبة 37%.
ومنذ عام 2021 سجلت المصالح المختصة خروج آلاف الشباب الموريتاني من وطنهم إلى وجهات متعددة منها أوروبا وأفريقيا وأميركا.
ووفقا لتقارير غير رسمية، فإنه في عامي 2022-2023 دخل الولايات المتحدة الأميركية نحو 30 ألف مهاجر موريتاني بطرق غير شرعية، كما هاجر نحو 20 ألف شاب إلى كندا. وأشارت معلومات نقلتها الصحافة المحلية عن الحرس الحدودي الأميركي إلى أنه في عامي 2022-2023 تضاعفت نسبة المهاجرين الموريتانيين إلى 1000%.
وفي تصريحات داخل البرلمان الموريتاني، قال نائب دائرة أميركا إن تقديرات دول العبور تشير إلى هجرة نحو 12 ألف موريتاني عام 2023، وأرجع النائب موجات الهجرة بين الشباب إلى ارتفاع نسبة البطالة وفقدان الأمل في المنظومة السياسية.
وفي فبراير/شباط 2024، نظمت سفارة الولايات المتحدة الأميركية في نواكشوط مؤتمرا دوليا للهجرة لتوعية الشباب الموريتاني بمخاطر الهجرة، وقالت السفيرة المعتمدة إن بلادها -بصفتها شريكا للحكومة الموريتانية- لا يمكن أن تبقى بدون تدخل، لأن نزوح الشباب نحو الولايات المتحدة بطرق غير شرعية لا يعرض حياتهم للخطر فحسب، وإنما يعوق التنمية الاقتصادية في موريتانيا لفقد رأس المال البشري.
أما الهجرة نحو أفريقيا، فقد تصاعدت وتيرتها السنوات القريبة الماضية، إذ زادت على 60 ألف، حسب أرقام تحدث عنها اتحاد الجاليات.
الاحتقان السياسي
وخلال السنوات الخمس الأخيرة، عرفت الساحة المحلية تجاذبات سياسية وانقسامات داخل الأغلبية الحاكمة بسبب تباين المواقف بشأن الرئيس السابق ولد عبد العزيز الذي كان رفيق درب للرئيس الحالي محمد ولد الغزواني، وقد تسببت تلك الخلافات في أزمات داخل الفريق الحاكم وطغت على المشهد السياسي، الأمر الذي تسبب في تغيير قيادات الحزب الحاكم عام 2020 وتغيير اسمه من “حزب الاتحاد من أجل الجمهورية” إلى “حزب الإنصاف”.
ومع الانتخابات البرلمانية والبلدية المنظمة عام 2023، تزايدت الفجوة بين المعارضة والحكومة بسبب مزاعم المعارضة بتزوير الانتخابات.
ورغم أن اللجنة المستقلة للانتخابات اعترفت بعمليات تزوير، فإنها قالت إنها لا ترقى لدرجة الطعن في مصداقية النتائج وإلغائها كما تريد المعارضة وأحزاب أخرى من الأغلبية الحاكمة.
وتسببت الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 29 يونيو/حزيران الماضي في تعميق الشرخ بين الموالاة والمعارضة، إذ رفض النائب المعارض والمرشح بيرام ولد الداه ولد اعبيدي نتائج الانتخابات وخرجت المظاهرات للشوارع في العاصمة نواكشوط وعدد من المدن الموريتانية، وهو الوضع الذي واجهته الحكومة بقمع شديد راح ضحيته 4 قتلى وعدد من الجرحى.
حوار وحكومة جديدة
وفي أكثر من مرة، طالبت الأحزاب السياسية بإجراء حوار وطني للخروج من هذه الإشكالات، لكن النظام كان يرفض ذلك بحجة أن البلاد ليست في أزمة.
وبعد تنصيبه رئيسا لمأمورية ثانية وأخيرة، قال ولد الغزواني إنه يفضل نهج التهدئة السياسية، وإن برنامجه يتضمن تنظيم حوار شامل ومسؤول لا يستثني موضوعا ولا يقصي أحدا، تترفع أطرافه عن المزايدات والمصالح الشخصية، وصرح بأنه سيشن حربا لا هوادة فيها ضد الفساد والمفسدين بهدف التنمية وضمان الأمن والاستقرار.
وقام بتشكيل حكومة جديدة برئاسة وزير المالية والاقتصاد الأسبق المختار ولد أجاي الذي سبق له أن عمل على الحد من التهرب الضريبي، في خطوة اعتبرها رموز المعارضة بادرة أمل جديدة في استعادة هيبة الدولة والحد من الفساد والنهب الذي أنهك مؤسسات الجمهورية.
وقال ولد اعبيدي -الذي حل في المرتبة الثانية في الانتخابات الرئاسية- إن تعيين ولد أجاي خطوة في الاتجاه الصحيح وتمنى أن ينجح في محاربة الفساد والحوار والتقارب مع المعارضة.
ويعقد كثير من المهتمين بالشأن المحلي آمالهم على الحكومة الجديدة ويراهنون على نجاحاتها، إذ سبق للوزير الأول المكلف بقيادتها أن حقق نجاحات اقتصادية في الشركة الوطنية للصناعة والمناجم “اسنيم” التي تولّى إدارتها عام 2019.
مخاوف من الفشل
لكن تيارات معارضة تعتقد أن رئيس الوزراء الجديد ليس مؤهلا لقيادة الحرب على الفساد، لأنه كان وزير مالية الرئيس السابق الذي شهد عهده عمليات فساد وصفت بالخطيرة.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي الحسين ولد حمود أن المشاريع المتعلقة بالتنمية محكوم عليها بالفشل، لأن أغلب الكوادر البشرية التي جاء بها النظام لا تمتلك القدرة على إدارة الملفات المطلوبة بالشكل الذي تقتضيه الظرفية.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال ولد حمود إنه على الصعيد السياسي ليست هنالك توجهات لتصحيح الأخطاء والأحداث الأخيرة التي رافقت نتائج الانتخابات الرئاسية، وأضاف أن الرئيس ولد الغزواني ليست لديه رغبة في تغيير النمط السياسي الذي كان سائدا.
وربط ولد حمود بين الأوضاع الإقليمية وما تعيشه الساحة المحلية من احتقان، مؤكدا أن ما تشهده الحدود الشرقية والشمالية من تحديات يتطلب تبني سياسة جديدة تفضي إلى تعزيز الجبهة الداخلية عبر رفع المظالم وتنظيم الحوار والانفتاح على الطيف السياسي، حتى تكون الحكومة في وضع مريح يسمح لها بمواجهة التحديات الخارجية.
وقال ولد حمود إنه إذا لم يأخذ نظام ولد الغزواني بعين الاعتبار تحديات التنمية والتماسك المجتمعي، فإن الأمور قد تتجه نحو المجهول، وجميع الاحتمالات واردة وباب الانقلابات مفتوح، والأكيد أن الأمور لا يمكن أن تستمر بالطريقة نفسها التي أديرت بها البلاد خلال السنوات الخمس الماضية.