ما مستقبل العراق بعد الانسحاب الأميركي؟ خبراء عسكريون يجيبون
بغداد- عادت قضية انسحاب القوات الأجنبية من العراق إلى الواجهة، بعد تصريحات أدلى بها رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني خلال مقابلة مع تلفزيون “بلومبيرغ” في بغداد، أمس الثلاثاء، أكد فيها أنه لم تعد هناك حاجة لوجود القوات الأميركية في بلاده، لأنها نجحت إلى حد كبير في هزيمة “تنظيم الدولة الإسلامية”، وأنه يعتزم الإعلان عن جدول زمني لانسحابها في وقت قريب.
وأوضحت مصادر لوكالة “رويترز” قبل أيام أن الخطة تتضمن خروج مئات من قوات التحالف الدولي الذي تقوده أميركا بحلول سبتمبر/أيلول 2025، والبقية بحلول نهاية 2026، مشيرة إلى أنه تم الاتفاق بشكل كبير على الخطة، ويتبقى الحصول على موافقة نهائية من البلدين وتحديد موعد رسمي للإعلان عنها.
وقالت المصادر ذاتها إن الإعلان الرسمي كان مقررا أن يصدر قبل أسابيع، لكنه تأجل بسبب التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ولتسوية بعض التفاصيل المتبقية، حيث يسعى البلدان أيضا إلى إقامة علاقة استشارية جديدة قد تسمح ببقاء بعض القوات الأميركية في العراق بعد الانسحاب.
ومن المرجح أن يمثل الاتفاق عند إعلانه انتصارا سياسيا لرئيس الوزراء العراقي، الذي يسعى إلى تحقيق التوازن في موقف بغداد، باعتبارها حليفة لكل من واشنطن وطهران، اللتين تقفان على طرفي نقيض بخصوص الشرق الأوسط.
ولدى الولايات المتحدة نحو 2500 جندي في العراق، إضافة إلى 900 في سوريا، في إطار التحالف الذي تشكّل عام 2014 لمحاربة تنظيم الدولة، بعد اجتياحه مساحات شاسعة في كلا البلدين لكن تم طرده من معظم تلك المناطق قبل سنوات.
سد الفراغ
متحدثا عن قدرات العراق على ملء الفراغ بعد انسحاب القوات الأجنبية، أكد اللواء الركن المتقاعد والخبير بالشؤون العسكرية عماد علو، أن القدرات العسكرية العراقية تطورت على مدار السنين السابقة، خصوصا بصنوفها البرية، وتمتلك خبرات تقنية وعسكرية قادرة على مواجهة أي تهديد.
مستدركا بالقول أما ما يتعلق بالقدرات الجوية والدفاع الجوي فإنه “لا يزال بحاجة إلى دعم دولي، لغرض تعزيز تلك القدرات، خصوصا ما يتعلق منها بأنظمة الرادار والتصدي للأهداف المعادية، ومنظومات صواريخ تغطي جميع مجالات التهديد للعراق”.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال علو إن “الحوار الإستراتيجي بين بغداد وواشنطن مستمر منذ عام 2020 بشأن إعادة رسم العلاقة الثنائية بينهما” مبينا أن إنهاء مهمة التحالف الدولي كانت ضمن تلك الحوارات، حيث تم تشكيل لجنة فنية عسكرية لبحث الملف.
وأضاف أن الحوارات أفضت إلى تشكيل 3 لجان:
- الأولى لتقييم قدرات داعش القتالية.
- والأخرى تبحث احتياجات القوات العراقية الأمنية والعسكرية.
- والثالثة تبحث الترتيبات العملياتية المطلوبة لغرض التنسيق والتعاون بين الطرفين.
لافتا إلى أن اللجان أنهت تقريرها ودراستها، وتم بحث جدولة إنهاء تواجد القوات في العراق، دون التطرق بشكل صريح لانسحاب القوات الأميركية، وقال إن “الوضع الحالي يجعلنا بحاجة إلى مزيد من التنسيق والتعاون مع الجانب الأميركي لتعزيز تلك القدرات، خصوصا في المجال الاستخباري والاستطلاع، وجميعها بحاجة إلى وقت لاستكمالها”.
قلق سني وكردي
من جانبه استبعد المحلل سياسي محمد حارث المطلبي خروج القوات الأميركية حتى وإن اتفقت مع الحكومة العراقية بهذا الشأن، على اعتبار أن وجودها يمثل “هدفا أساسيا ومفصليا لتأمين الجبهة الشرقية لإسرائيل من جهة، واستمرار محاصرة إيران عسكريا وسياسيا من جهة أخرى”.
وقال المطلبي في حديثه للجزيرة نت، إن المكونين السني والكردي لديهما قلق من خروج القوات الأجنبية من العراق، بسبب الصراع الطائفي الذي حصل بالفترات الماضية وتسبب بتغيير ديمغرافية العديد من المناطق داخل بغداد وعدد من المحافظات المختلطة، رغم تواجد القوات الأميركية على الأرض.
وأضاف أن تلك الأسباب خلقت تصورا لدى تلك المكونات بأن الانسحاب الأميركي معناه “زوال الشرطي الذي يفصل بين المكونات والذي يحافظ على الانتشار الجغرافي لكل مكون”، موضحا أن هنالك خشية من “دكتاتورية الأغلبية، وهو قلق مبرر، لكن الأمور في العراق تسير وفق أطر قانونية وتشريعية، مما تستوجب عدم تغليب هاجس القلق، أو اعتماده فيصلا لاتخاذ القرارات”.
كما شدد على أن ثمن خروج قوات التحالف سيكون “الانهيار الاقتصادي الكبير للعراق” من خلال ارتفاع سعر صرف الدولار وعدم قدرة الحكومة بالإيفاء بالتزاماتها تجاه المشاريع والكلف التشغيلية، كما توقع أن يؤدي إلى صراعات مكوناتية في مناطق شمال أو وسط العراق “بخطة مخابراتية أميركية واضحة لإجبار الحكومة على إبقاء تلك القوات” حسب قوله.
وأكد المطلبي، أنه رغم الخسائر الاقتصادية وربما الأمنية من الانسحاب الأميركي، فإن الحكومة أمام “واجب شرعي وأخلاقي تجاه الشعب العراقي وحتى الأمتين العربية والإسلامية” بضرورة عودة السيادة الكاملة وإنهاء الاحتلال، قائلا بأنه “هو الخيار الذي ندعمه ونميل إليه وصولا إلى تحقيق الاستقلال الاقتصادي”.
مستقبل الفصائل
من جهته أكد الخبير الإستراتيجي حيدر حميد على قدرة القوات العراقية على “مواجهة خطر داعش الإرهابي”، مستدركا بالقول إن “ما يتبقى هو مشكلة تقديم الدعم اللوجستي فيما يتعلق بالجهد الاستخباري والتقني والجوي في مواجهة هكذا أخطار”.
وقال حميد في حديثه للجزيرة نت، إن الحكومة مطالبة بسد الثغرات التي يفرضها إنهاء مهمة التحالف الدولي، محذرا من “خطورة بقاء العراق ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية طالما استمرت تلك المشاكل، سواءً بوجود قوات حزب العمال الكردستاني كذريعة للتدخل التركي بشؤون العراق أو غيرها”.
واعتبر أن انتهاء مهمة التحالف الدولي لا تعني نهاية العلاقة مع الولايات المتحدة، “بل سيتم تنظيم تلك العلاقة باتفاقات أمنية مستدامة لتقديم الدعم لقواتنا” حسب قوله.
وبشأن مستقبل الفصائل المسلحة، قال حميد، إن هذه تعد واحدة من المخاوف التي ستطرأ بعد انسحاب القوات الدولية، و”خلو ساحة العراق للمد الإيراني كخطوة لسد الفراغ حسب اعتقاد الكثيرين”.