الاخبار العاجلةسياسة

أطباء يروون للجزيرة نت تفاصيل مؤلمة عن جرحى تفجير البيجر في لبنان

بيروت– وجدت المستشفيات والطواقم الطبية في لبنان نفسها أمام كارثة غير متوقعة تتجاوز نطاق الحرب التقليدية، إثر التفجير الذي استهدف أجهزة استقبال الاتصالات “البيجر” يوم الثلاثاء الماضي، وأعقبه تفجير آخر يوم الأربعاء استهدف أجهزة الاتصالات اللاسلكية، حيث أدت هذه الهجمات إلى سقوط 37 شهيدًا وإصابة 2931 شخصًا، بحسب أحدث إحصاءات وزارة الصحة.

منذ لحظة التفجير الأول، وخلال ساعات قليلة، تحوّلت المستشفيات إلى خلايا طوارئ نشطة. امتلأت أقسام الطوارئ وغرف العمليات والعناية الفائقة، بل وحتى الممرات، بالمصابين. ساهمت التدريبات الميدانية التي نظمتها المستشفيات بالتعاون مع وزارة الصحة في تسهيل الاستجابة السريعة لهذا الكم الهائل من الإصابات.

أطباء خاضوا هذه التجربة العصيبة كشفوا للجزيرة نت عن الصعوبات التي واجهوها في استيعاب العدد الكبير من المصابين الذين تدفقوا دفعة واحدة على أقسام الطوارئ. ورغم الضغط الهائل، لم يتوقفوا عن العمل ليلًا ونهارًا لتقديم الإسعافات الضرورية وإجراء العمليات الجراحية الطارئة.

غالبية الإصابات كانت متركزة في القسم العلوي من الجسد، خصوصا الوجه واليدين، بينما كانت الإصابات في الرأس أو البطن أقل نسبيا. عدد كبير من المصابين فقدوا أبصارهم أو تعرضوا لبتر أصابعهم أو إحدى أيديهم، وهو ما يعكس حجم الكارثة التي تسببت بها هذه التفجيرات.

تعاملت المستشفيات والطواقم الطبية مع كارثة غير مسبوقة نتيجة تفجيرات الاتصال الجزيرة
مستشفى حمود الجامعي في صيدا لا يزال يجري عمليات جراحية لمصابي التفجيرات (الجزيرة)

الكارثة كبيرة

في مستشفى حمود الجامعي في صيدا، لا يزال رئيس قسم الجراحة العامة وجراحة الطوارئ، الدكتور ناصر حمود، يجري عمليات جراحية لمصابي التفجيرات حتى اليوم. وقد وصف في حديثه للجزيرة نت الواقع بالعصيب قائلاً “رغم كل التحضيرات والتدريبات للتعامل مع الكوارث، فإن ما شهدناه يوم التفجيرات كان مختلفا عما تدربنا عليه. التدريب شيء، والواقع شيء آخر”.

وأضاف الدكتور حمود أن المستشفى شهد ازدحاما هائلا عندما حدثت الكارثة الكبيرة، وتم العمل بشكل جماعي بين كافة الأقسام لاستقبال المرضى وفرزهم بين الحالات الخطيرة والمتوسطة. وأشار إلى أن المستشفى واجه مشكلة في الازدحام بسبب كثرة الإصابات، مما أدى إلى دخول بعض الجرحى عبر أبواب فرعية واستلقائهم على الأرض في مشهد مؤلم.

وقال إنه تم استقبال حوالي 102 إصابة، وتم نقل 9 منها لأسباب لوجستية، بينما تم نقل 4 جرحى إلى مستشفى العيون في جبل لبنان. وأضاف أن الإصابات كانت متنوعة، حيث كانت هناك إصابات في الوجه والعيون واليدين، بالإضافة إلى إصابات في البطن. وذكر أن المستشفى لا يزال يستقبل حوالي 80 مريضًا.

وأضاف أن الجهود تتركز الآن على تنظيف الجروح، مع مراجعة الحالات وإعادة الفحص وإجراء العمليات لمن يستدعي وضعه ذلك. وأشار إلى أن هناك حوالي 10 حالات خطيرة، اثنتان منها لا تزالان في وضع حرج للغاية بسبب إصابات في الرأس، بما في ذلك الشظايا التي وصلت إلى الدماغ. وذكر أن هذه الكارثة ستؤدي إلى العديد من الإعاقات، سواء في اليدين أو النظر، مع فقدان أعداد كبيرة من الأشخاص لأعينهم.

وعلى احتمال أن تشن إسرائيل حربا واسعة على لبنان، أكد الدكتور حمود قائلا “نحن دائما مستعدون للتعامل مع الكوارث والحروب، ولكن بعد كل كارثة نحتاج لوقت لاستعادة استعدادنا بالكامل. في الوقت الحالي، ليست لدينا جاهزية كاملة، ونتمنى ألا يحدث أي طارئ. إذا مُنحنا فترة تتراوح بين 10 أيام إلى أسبوعين، سنتمكن من استعادة الجاهزية الكاملة، بما في ذلك الكوادر الطبية والطواقم التمريضية والمعدات والأدوية”.

مشهد مؤلم

بالمقابل، روى الدكتور لبيب أبو ظهر، الرئيس التنفيذي لمركز لبيب الطبي في صيدا، للجزيرة نت، تفاصيل الأحداث التي تلت التفجير. وقال إن الانفجار وقع فجأة، وبدأت وزارة الصحة على الفور بإبلاغ المركز بوجود حالة طوارئ متوقعة بسبب العدد الكبير من الجرحى.

أوضح الدكتور لبيب أن تدفق المرضى بدأ بشكل كثيف بعد وقت قصير من الحادث، مما تطلب إصدار أوامر عاجلة بإعلان حالة الطوارئ والحضور الفوري لجميع رؤساء الأقسام. كما تم طلب حضور جميع أفراد الطواقم الطبية والدعم الفني لتلبية احتياجات المرضى بسرعة وإنقاذهم. ووصف الدكتور لبيب المشهد بأنه كان مؤلمًا للغاية، وأكد ما ذهب إليه الأطباء الآخرون من تركّز الإصابات في الأيدي والعيون.

وأضاف أن الطاقم الطبي والتمريضي وفريق الدعم قدموا أداءً ممتازًا في التعامل مع الوضع بسرعة وفعالية. بعد المعالجة الأولية، تم تحويل المرضى وفقًا لحالاتهم، حيث تم إرسال بعضهم إلى المنزل بينما نُقل البعض إلى طوابق أخرى لمتابعة حالتهم، كما تم فتح قسم طوارئ إضافي، ثم قسم ثالث لاستيعاب العدد الكبير من المرضى.

وأشار الدكتور لبيب إلى أن معظم المرضى الذين بقوا في المستشفى خضعوا لعمليات جراحية، حيث كان هناك 33 مصابًا بحاجة إلى عمليات. بعض المرضى احتاجوا إلى عمليات إضافية بسبب تعدد الإصابات أو الحاجة لإجراء عمليات على مراحل متعددة. وبيّن أن الحالات الحرجة تراوحت بين 3 إلى 4 حالات، بينما كانت معظم الإصابات تتعلق بالعيون والأيدي. وأكد أن رؤية الشباب وهم يفقدون عيونهم أو أيديهم كانت مؤلمة للغاية.

وأشار الدكتور لبيب إلى أن حادثة تفجير أجهزة البيجر قد استنزفت أدوات طبية من مستودعهم الذي كان مخصصًا لتغطية الحاجة لمدة تتراوح بين 3 إلى 6 أشهر، مؤكدا أنه باحتمال حدوث حرب واسعة، تبرز التساؤلات حول حجم استيعاب المستشفيات، وقدرة الطواقم الطبية والتمريضية، بالإضافة إلى توافر المعدات والمستلزمات الطبية.

مبادرات طبية إنسانية

وقالت رئيسة الاتحاد العربي للمهن البصرية في دول آسيا وشمال أفريقيا الدكتورة نسرين الأشقر، للجزيرة نت، إن الإصابات العينية الناتجة عن انفجارات أجهزة الاتصال في لبنان تجاوزت قدرة المستشفيات والطواقم الطبية على الاستيعاب. وأضافت “انطلاقا من هذه المحنة، قرر الاتحاد تقديم دعمه للشعب اللبناني”.

وأوضحت الأشقر أن المبادرة التي أطلقها الاتحاد تضم كبار اختصاصيي البصريات، بالإضافة إلى النقابات والجمعيات والمنظمات العاملة في هذا المجال. وتهدف المبادرة إلى توفير كوادر طبية متخصصة، من استشاريي جراحات دقيقة، ومتخصصي العيون الصناعية، والبصر المتدني.

وأضافت “نعمل على توفير الأدوية والقطرات الطبية، والنظارات ومستلزمات البصر المتدني، إلى جانب تقديم خدمات التوعية الصحية والرعاية ما بعد العلاج”.

وأشارت إلى أن المبادرة نجحت في تأمين غطاء العين سيرز (Sears) مجانًا لجميع المصابين، الذين يعتبر عددهم كبيرًا، موضحة أن هذه الأجهزة باهظة الثمن وغير متوفرة في لبنان، لكن الاتحاد تمكن من تأمينها عبر تبرعات. وتصل الأجهزة بقياسات دقيقة لكل مريض في غضون ساعتين من وصف الطبيب، نظرًا لأهمية زرعها بسرعة، وتُسلَّم في حالة مبردة وفق المعايير المطلوبة لأي مستشفى بشكل فوري.

ولم تقتصر المبادرات على الاتحادات والجمعيات فحسب، بل شملت أيضا المبادرات الفردية. فقد أطلق الممرض المجاز في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، سعيد معروف، مع أصدقائه مبادرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتقديم خدمات صحية تطوعية، وتشمل هذه الخدمات العناية بالجروح والحروق، وتركيب الأمصال، وإعطاء الحقن لمصابي الانفجارات في لبنان.

وقال معروف للجزيرة نت “انطلاقًا من كوننا يدًا واحدة وشعبًا واحدًا نعيش في هذا البلد، كان من الضروري أن نقدم المساعدة قدر الإمكان. يجب على كل شخص قادر على المساعدة أن يقدم ما يستطيع وفقًا لاختصاصه”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى