إسرائيليون يتحدثون عن الأثر الفعلي لصواريخ حزب الله ومخاوفهم من “حرب ثالثة”
القدس المحتلة- ما بين حيفا وعكا وعلى امتداد منطقة الجليل الأسفل شمالا وحتى مشارف سهل بيسان جنوبا، بدت ملامح الدمار والأضرار في عدة مواقع عسكرية ومناطق مأهولة، جراء الصواريخ والمسيّرات المتفجرة التي أطلقها حزب الله، الأحد، ردا على العدوان الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية في بيروت وتفجيرات أجهزة البيجر واللاسلكي.
وفي ساعات مبكرة من فجر وصباح الأحد، دوّت سلسلة من صافرات الإنذار في أكثر من 70 بلدة إسرائيلية بالشمال، وكذلك مناطق إصبع الجليل والجولان المحتل، بعد وابل من الصواريخ والمسيّرات القادمة من لبنان.
وفشلت المنظومة الدفاعية الإسرائيلية في اعتراض الكثير منها، حيث سقطت بمناطق مأهولة وحققت إصابات مباشرة في بعض المنازل، والقواعد العسكرية ومحيط مجمع الصناعات العسكرية “رفائيل” شمالي حيفا.
في الكثير من البلدات الإسرائيلية التي طالها القصف الصاروخي، تناثرت شظايا في كل زاوية منها وحطمت النوافذ وأجزاء من المنازل، بينما انتشرت على أطراف الطرق مركبات محروقة ومدمرة.
وطالت ألسنة النيران مساحات واسعة من الأراضي المتاخمة للمناطق المأهولة في مشاهد تعزز ما تعرضت لها مناطق الشمال منذ بدء المواجهة في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولا سيما على طول الحدود مع لبنان ومستوطنة كريات شمونة ومحيطها وفي الجليل الأعلى والغربي.
وبكثير من الخوف، تحدث إسرائيليون ومسؤولون بالسلطات المحلية في البلدات المستهدَفة بالقصف، وأجمعوا على أنه منذ حرب لبنان الثانية بعام 2006، لم يعهدوا مثل هذه الرشقات الصاروخية، والأضرار التي تسببت بها، وتداعياتها على الحالة الجمعية والنفسية لهم.
حرب شاملة
وبرأي تسيكي أفيشر، رئيس بلدية “كريات موتسكين”، شمالي حيفا، فإن ما حصل من قصف غير مسبوق مؤشّر على أن حربا شاملة ضد حزب الله هي “مسألة وقت”. وتساءل “هل تم تحديد موعد بدء الحرب الشاملة ضد حزب الله؟”، وقدّر أن “أكتوبر سيكون شهر التوتر والأعصاب”.
وفيما يتعلق بمستقبل المنطقة الشمالية، نقلت صحيفة “معاريف” عن أفيشر قوله “أعتقد أننا ندخل مرحلة وشهرا جديدا بحالة من التصعيد وبكثافة عالية، فحرب الاستنزاف في الجنوب لا يمكن أن تستمر، فالجيش الإسرائيلي ينقل قواته من غزة إلى الشمال، وهذا لن يترك حزب الله هادئا، وهو ما عشناه فجر الأحد”.
مشاهد قاتمة
وسقط صاروخان ثقيلان وبعيدا المدى على شوارع مستوطنة “مورشيت” في مجلس “مسغاف” الإقليمي بالجليل الأسفل، وتسببا في دمار كبير، وتفجير مركبات على مسافة بعيدة، وفي إصابة العديد من المنازل بشظايا.
وتعرض منزل الإسرائيلي موتي فريش من مستوطنة “مورشيت” لأضرار جسيمة جراء سقوط صاروخ في موقف السيارات، بحسب ما نقل عنه الموقع الإلكتروني لصحيفة “يديعوت أحرونوت”. وقال فريش “لم تكن هناك أي إنذارات هنا منذ بداية الحرب”.
وأضاف “عند فجر الأحد كانت هناك إنذارات في كافة المناطق، قررت البقاء في الملجأ، وفي ساعات الصباح الباكر سمعت دوي انفجار كبير، ولم أفهم ما كان يحدث. أسكن بالمستوطنة منذ 27 عاما ولم أتخيل أنها ستكون يوما ما في دائرة الاستهداف ونيران الصواريخ”.
أما موشيه أمزالغ، من “كريات بيالك”، فتحدث عن إصابة حفيدته بجروح جراء سقوط صاروخ على منزل العائلة. وقال “دخلنا وأغلقنا الباب وحدث انفجار فوري وتحطمت النافذة، ودخل اللهب للمنزل. ببساطة معجزة حدثت ولم نحترق جميعا”.
وعن وضعه النفسي، قال “ليس لدينا مكان نعود إليه، ليس لدينا ما نعود إليه، لا توجد سيارات ولا منزل ولا شيء..”.
سكان الحي الهادئ في هذه المستوطنة، والذين أصيب العديد من منازلهم بصاروخ ثقيل أطلقه حزب الله، ترسخت في مخيلتهم مناظر قاتمة. وبينما نظرت ماغي كوهين، وهي من سكان الحي وتحطمت نوافذ منزلها، إلى ساحة جارتها والسيارة التي اشتعلت فيها النيران، قالت لصحيفة “هآرتس” “يذكرني هذا بمشاهد كريات شمونة على شاشة التلفزيون المتواصلة منذ أكثر من 11 شهرا.. الآن نرى الحقيقة على الواقع في منازلنا”.
“سلامة الجليل”
يقول المحلل السياسي الإسرائيلي أمير بن دافيد، إن هذه المشاهد أعادت إلى الذاكرة الجماعية الإسرائيلية آثار الحروب السابقة مع لبنان منذ عام 1982.
ولفت في تحليل له بالموقع الإلكتروني “زمان يسرائيل”، إلى أن الحرب الحالية مع لبنان، التي تدور فعليا منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وانتقلت إلى مرحلة جديدة وخطيرة في الأيام الأخيرة، ستُذكر في كتب التاريخ على أنها “حرب لبنان الثالثة” على غرار الحرب الثانية عام 2006.
وخلافا لحرب لبنان الأولى عام 1982، يقول بن دافيد “ينبغي أن تسمى هذه حرب سلامة الجليل (على غرار اسم حرب إسرائيل الأولى على لبنان)، فهذه المرة خلافا لما حدث سابقا، هي حرب بلا خيار فرضت على إسرائيل، وليس لدى الحكومة أي مطلب، باستثناء العودة الآمنة لسكان الجليل إلى منازلهم”.
وفي المستقبل، يقول المحلل السياسي “سيكون هناك الكثير من الجدل حول ما إذا كان وزير الدفاع يوآف غالانت وكبار مسؤولي الجيش الإسرائيلي الذين دعموه على حق عندما طالبوا بشن عملية عسكرية ضد حزب الله في وقت مبكر من 11 أكتوبر، بدلا من القرار المثير للجدل بإجلاء سكان الجليل الأعلى من منازلهم”.
قرارات حزب الله
وفي قراءة تسبق أي جدل مستقبلي بإسرائيل حيال ما حصل بالجليل الأعلى، يستعرض محلل الشؤون العسكرية في الموقع الإلكتروني “والاه” أمير بوحبوط، جميع السيناريوهات في حال قرر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، فتح نيران الصواريخ والمسيّرات المفخخة بالكامل.
ويعتقد المحلل العسكري بأن بالهجمات الصاروخية غير المسبوقة، فجر وصباح الأحد، التي نفذها حزب الله التهديدات وزاد مدى إطلاقاته حتى حيفا، نجحت في إدخال مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى المناطق المحمية، كما أن الفصائل المسلحة بالعراق واليمن لديها رغبة كبيرة في الانتقام، على حد تقديره.
لكن من جهة أخرى رجّح بوحبوط وجود مصلحة عليا لحزب الله في إبقاء ما وصفه بـ”محور الشر”، في إشارة إلى محور المقاومة بقيادة إيران، صامدا وجاهزا للحظة التي تتدهور فيها منطقة الشرق الأوسط إلى الحرب الكبرى. كما يعتقد أنه بقي لحزب الله في ترسانة الردود، الكثير إذا قرر توسيع المواجهة مع إسرائيل.