هكذا تطورت المقاومة بالضفة الغربية شعبيا وعسكريا بعد 7 أكتوبر
نابلس– في 31 أغسطس/آب الماضي، نفذ المقاومان محمد مرقة وزهدي أبو عفيفة عمليتي تفجير لمركبتين مفخختين قرب تجمع مستوطنات غوش عتصيون شمال الخليل بالضفة الغربية، وأتبعا ذلك بعمليات إطلاق نار تجاه جنود الاحتلال ومستوطنيه، وأوقعاهم بين قتيل وجريح.
تلا ذلك الحدث بيوم واحد فقط عملية ترقوميا الفدائية بمدينة الخليل أيضا، حيث أجهز مقاوم فلسطيني، أو ما بات يسمى إسرائيليا بـ”الذئب المنفرد”، على 3 من عناصر الشرطة الإسرائيلية. وقبل ذلك بأسابيع قليلة قتل جنديان، أحدهما بمخيم جنين والآخر بمخيم نور شمس في طولكرم بعد أن استهدفا بعبوات ناسفة.
اقرأ أيضا
list of 2 items
عالم اجتماع برتبة عسكري.. كيف تشرّع القتل بصياغة أكاديمية؟
أردنيون يهبّون لنجدة الطلبة الغزيين في المملكة
end of list
وبخلاف تلك العمليات، وقع في الضفة الغربية نحو 80 عملا فدائيا قتل فيها 47 إسرائيليا وجرح أكثر من 470، حسب مركز معلومات فلسطين (معطى)، نفَّذه المقاومون الفلسطينيون منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي وحتى سبتمبر/أيلول المنصرم، وتنوعت بين إطلاق النار المباشر وكمائن العبوات الناسفة المحلية الصنع بشقيها (الأكواع اليدوية والبرميلية الكبيرة المعدة للتفجير عن بعد)، ومرورا بالسيارات المفخخة والعمليات الاستشهادية التي قضت مضاجع الاحتلال.
وعكَس كل ذلك تطورا بات ملحوظا في عمل المقاومة وخاصة بعد الحرب على غزة، سواء في الإعداد والتنفيذ أو في الأدوات، وهو ما يؤكده المقاوم في كتائب المقاومة بنابلس “أ . ح” بقوله إن “عمل المقاومة لم يعد محصورا على وسائل بسيطة، وانتقل من البندقية المصنعة محليا (الكارلو) إلى M16 ووصل لتصنيع العبوات الناسفة ذات التكلفة المرتفعة، وبعض الصواريخ البدائية”.
ويعتبر “أ ح”، في حديثه للجزيرة نت، أن المواجهة المباشرة والتصدي لاقتحامات الاحتلال تطور آخر للمقاومة، وكذلك العمليات الفدائية في الطرقات العامة واقتناص الجنود والمستوطنين.
وبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، ركزت المقاومة بالضفة الغربية أكثر على “العبوات الناسفة الثقيلة” وطوَّرتها لتصبح أكثر فعالية وتأثيرا في الاحتلال الذي ضيَّق عليها ولاحق المنفذين والمصنعين والمواد المصنعة منها وخاصة الأسمدة الزراعية.
ويضيف “رغم ذلك، استحدثت مواد جديدة لصناعة العبوات المتفجرة وزرعها بمواقع إستراتيجية، وحققنا إنجازا بذلك، ولكن يضيرنا أن السلطة الفلسطينية تلاحقنا كما الاحتلال أيضا”.
وعلى الصعيد البشري، يوضح المقاوم “أ ح” أن دائرة الاستقطاب للشباب المقاوم تتسع يوما عن آخر رغم قلة السلاح، كما أن العمل المسلح أصبح من المهمات السرية”.
وإلى جانب “المقاومة المسلحة” حافظت رديفتها من المقاومة الشعبية على وتيرتها بالانتفاض أيضا، وأبقت على الشعلة متقدة رغم انتهاكات الاحتلال وملاحقته لأنصارها واعتقالهم واغتيالهم، كما جرى مع المتضامنة الأجنبية عائشة نور إزغي مطلع سبتمبر/أيلول الماضي.
تطور له وزنه
يقول ساري عرابي، الكاتب والباحث في شؤون حركات المقاومة، للجزيرة نت، إن العمل المقاوم شهد تطورا ملحوظا وبأنماط متعددة، منها العمليات الفردية المسلحة والتشكيلات الموجودة بمناطق شمال الضفة الغربية على شكل كتائب ومجموعات.
ومن أبرز أشكال تطور المقاومة، يعدد عرابي:
- عودة الفصائل الفلسطينية لتنفيذ عمليات نوعية وتبني ذلك، كما حدث بعمليات الخليل الأخيرة والعملية الاستشهادية بتل أبيب مطلع سبتمبر/أيلول الماضي.
- العبوات المتفجرة الثقيلة والخفيفة التي تعترض جيش الاحتلال خلال اقتحاماته للمناطق الفلسطينية.
- تصاعد استهداف المستوطنين وجيش الاحتلال بعمليات إطلاق نار منظمة وفردية في الشوارع العامة.
وهذا التطور بعمل المقاومة يرجعه عرابي إلى إصرار الفصائل على بناء تشكيلات ومجموعات من هذا النوع، مستفيدة من سلسلة الهبات والعمليات الفردية التي برزت في 2014 و2015.
ويضاف إلى ذلك أيضا حالة “الضعف النسبي” للسلطة الفلسطينية بمناطق بشمال الضفة الغربية، وغياب أي أفق بالمشروع السياسي والاقتصادي للسلطة.
كما دفعت حرب الإبادة بغزة وسياسات الاحتلال العدوانية وعنف مستوطنيه بالضفة الشبان لاغتنام فرصة الانخراط بالعمل المقاوم.
موانع الانتفاضة الشاملة
لكن ورغم هذا التطور بالعمل المقاوم لم تصل الأمور حد الانتفاضة الشاملة، وأسباب ذلك كما يراها عرابي:
- الانتفاضة الشعبية الواسعة لم تكن النمط الوحيد في سجل المواجهة والمقاومة للشعب الفلسطيني، كما هو الحال بين عامي 1967 و1987، بل كانت متقطعة ومحدودة.
- الانقسام الذي غيَّب الإجماع الفلسطيني على خيارات المواجهة المفتوحة والانتفاضة الشعبية الواسعة.
- عدم تعاطف السلطة الفلسطينية أو غضها الطرف عن فكرة الانتفاضة الشاملة كشرط لقيامها.
- غياب الإسناد والتأطير للجماهير الفلسطينية المنتفضة بسبب ضعف الفصائل وعدم تحمل العبء، نتيجة عمليات التفكيك والاستنزاف التي تعرضت لها على مر السنوات.
- عدم انخراط حركة فتح كتنظيم يقود السلطة الفلسطينية بمواجهة شعبية شاملة، “فالسلطة تريدها مقاومة شعبية محدودة وجزئية وذات طابع معين، ولا تريد انتفاضة شاملة ومؤثرة على الاحتلال”.
ولذلك “خرجت مظاهرات كبيرة بالضفة بعد الحرب على غزة ولكن لم تشجع السلطة عليها وتم قمعها، وبالمقابل لم يكن هناك قدرة لدى الفصائل لتأطيرها والمضي بها قدما” يضيف عرابي.
وحتى المقاومة الشعبية، يرى الباحث في شؤون حركات المقاومة أنها وبالرغم من محدودية إمكانياتها وأدواتها النضالية فإنها حافظت على ظهورها بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي بأنماط مختلفة، منها الفعاليات الشعبية والتصدي للاحتلال ومستوطنيه وتوثيق جرائمهم.
كما تجلَّت المقاومة الشعبية في المقاطعة للبضائع والمنتجات الاحتلالية، ودعم صمود المواطنين والوجود معهم على الأرض، والسير نحو مقاضاة إسرائيل ومحاكمتها عالميا.
تكامل أدوار المقاومة
يقول منذر عميرة، منسق لجان المقاومة الشعبية بالضفة الغربية، للجزيرة نت، إن المقاومة الشعبية وقعت عليها مسؤولية كبيرة منذ الأيام الأولى للحرب، وأضاف أنهم رفعوا شعار أن عليهم وكما وقفوا بجانب المواطنين في وقت السلم، فالأولى أن يكونوا معهم بالحرب، لكنهم فوجئوا برد عنيف وغير مسبوق للاحتلال وصل حد ملاحقتهم واعتقالهم واغتيالهم أيضا”.
ويتقاسم عميرة الرأي مع عرابي في أن أسبابا كثيرة منعت قيام الانتفاضة الشاملة بالرغم من “تكاملية” الدور بين المقاومة المسلحة والشعبية، وأن أهمها الانقسام الفلسطيني والإحباط من العملية السياسية، والركون لوجود السلطة والتنظيمات السياسية، وبالتالي عدم الوصول للأهداف السياسية.
كما أن هناك انقساما حول نوع المقاومة وأدواتها، بين من يرى “المسلحة” هي الأصح و”الشعبية” خطأ، لكن في الواقع، يستدرك عميرة، فإن “المقاومتين تكملان بعضهما، وكلها أدوات متاحة ومشروعة”.
والفلسطينيون غير متفقين أيضا، بحسب عميرة، على أهداف الانتفاضة، بين من يريد دولة واحدة ومن يريدها لدولتين، إضافة لغياب قيادة واحدة تعبر عن كل الشعب الفلسطيني، واتكال بعضهم على الآخر وبحثهم عمن يقاتل عنهم، مما أفقد الفلسطينيين البوصلة والوعي بحقوقهم المشروعة.