المصريون المغتربون بالخارج ملاذ لذويهم مع تفاقم أزمة الدواء
القاهرة- حين اعتذر لي الصيدلي لعدم توفر العقار الذي طلبته، لم يخطر ببالي أن رحلة البحث عن دواء ستمتد من صيدليات القاهرة إلى خارج حدود الوطن، أو أنها ستصبح جزءا من شهادة في إطار رصد أزمة تشهدها البلاد منذ عدة أشهر.
على وقع تجارب سابقة، لم يشملني القلق ذلك اليوم رغم فشلي في العثور على الدواء بـ8 صيدليات، فأزمة اختفاء أصناف من الدواء عادة ما تنفرج من تلقاء نفسها بأن يُطرح في الأسواق بعد فترة وجيزة أو توفره صيدلية نائية يقصدها قليل من الزبائن.
لكن الأمور هذه المرة مختلفة فالدواء مختفٍ تماما والأزمة تتفاقم، ووالدتي التي تعاني من مرض السكري -وسبب لها قبل سنوات الفشل الكلوي- تحتاج جرعات يومية من الإنسولين.
رغم انو الواحد كان بغزة بعاني من قصة الادوية ونقصها… الا انو بمصر معاناة اكثر خاصة بادوية المناعة انا بقعد اسبوع كامل ادور هان وهناك عشان القي دواء لامي واذا لقيته بدفع ضعفين السعر.. اصلا ااي ببيعك عارفك محتاج فيستغلك وللاسف هيروح جهنم عشان زيادة بالفلوس وحسبي الله ونعم الوكيل
— Abdelrahaman Alshibi (@drshebo) September 26, 2024
أزمة مستمرة
وبتتبع التصريحات الرسمية عبر وسائل الإعلام المحلية واستغاثات المواطنين من خلال منصات التواصل الاجتماعي، أدركتُ أن أزمة الدواء ليست كسابقاتها خاصة المتعلقة بالأمراض المزمنة، وأنني بتّ في صراع مع الوقت.
على إثر الأزمة المستمرة منذ قرابة 7 أشهر، قدرت شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية، حجم العجز في الأصناف الدوائية بألف نوع دوائي من أصل 17 ألفا موجودة بأسواق مصر. بينما تقلص الرقم إلى 110 أصناف خلال الأيام الأخيرة، وفق تصريحات مسؤولين رسميين، لكن توالي الاستغاثات عبر المنصات الاجتماعية يشير إلى استمرار تفاقم الأزمة.
يصبح الوقت مقياس الحياة بالنسبة لمريض لا يجد جرعة دواء، ذلك بالضبط ما واجهته أمي وهي تضطر لتناول جرعات الإنسولين من عبوة منتهية الصلاحية، كونها لا تجد البديل أمامها.
توقفت الوالدة عن ذلك مدة 24 ساعة ثم اضطرت لاستخدام نوع مختلف من الإنسولين لا يناسب حالتها، ما استدعى في النهاية إلى حجزها بالمستشفى مع تدهور حالتها الصحية مما أدى لخلل في جدول مواعيد جلسات الغسيل الكلوي المقدرة بـ3 مرات أسبوعيا.
في الأثناء، باتت شقيقتي المقيمة بإحدى الدول الخليجية وسيلة النجاة لوالدتنا، فتُعجل من موعد زيارتها السنوية لمصر، مصطحبة معها كميات من الإنسولين تكفي للاستخدام على مدار أشهر ممتدة، وذهبت بعض العبوات لشركاء المرض والمعاناة من الجيران والأقرباء.
أسباب
يدفع المسؤولون الحكوميون وجهات اختصاص صناعة الدواء بأسباب متنوعة لأزمة اختفاء عدد كبير من الأصناف الدوائية بالسوق المصري، وعدم استقرار سعر صرف العملة أحد أهم الأسباب التي تُطرح لتبرير الأزمة، إذ تواجه الشركات المنتجة مشكلة تدبير العملة الصعبة لاستيراد المواد الخام اللازمة للتصنيع.
في مارس/آذار الماضي، تم تحرير سعر صرف الجنيه ليرتفع سعر الدولار أمام العملة المحلية من 31 جنيها متجاوزا 48 جنيها.
على إثر ذلك، أعلنت شعبة الأدوية، في يونيو/حزيران الماضي، عن تحريك أسعار عدد من الأدوية بنسب ارتفاع تتراوح بين 10 إلى 40%، وسط توقعات بزيادة أخرى في الأسعار خلال الأشهر المقبلة.
إلى ذلك، تظهر مسببات أخرى للأزمة تتعلق بالإجراءات الرقابية حيث يتكرر إعدام أصناف دوائية غير مطابقة للمواصفات، كما تواجه السلطات الأمنية تهريب الأدوية خارج البلاد، فضلا عن لجوء بعض التجار لتخزين العقاقير لخلق سوق موازية ومن ثم طلب متزايد وبيع بسعر أعلى.
كما أشارت الحكومة بأصابع الاتهام للطبيب، فطالب رئيس الوزراء الأطباء بضرورة كتابة الاسم العلمي للدواء بدلا من التجاري لتجاوز الأزمة.
وبات كثير من المصريين المغتربين بالخارج ملاذا لإنقاذ حياة ذويهم داخل البلاد.
الطالب الجامعي عبد الله الذي عاد إلى مصر قبل 3 أعوام لدراسة الهندسة تاركا أسرته بإحدى دول الخليج، اعتاد أن تكون الأدوية ضمن ما يصطحبه لأسرته خلال الإجازات القصيرة.
ويقول للجزيرة نت إن سعر الدواء في مصر رخيص ومتاح، وأصناف كثيرة تُصرف من الصيدليات دون الحاجة لوصفة علاجية عكس الحال في الخارج.
لكن الحال اختلف في آخر زياراته، ولم تكن بحوزته الأدوية المعتادة بل قائمة بأسماء عقاقير طلبها خاله وجده المقيمان بمصر.
كما استجاب لمناشدة -عبر فيسبوك– لمريض يحتاج دواء غير متوفر، وأحضر معه غالبية الأدوية المطلوبة عند عودته بالتزامن مع بداية العام الدراسي الجديد.
خلل
يقول الطبيب الصيدلي محمد جودة إنه يتواصل بشكل يومي مع الموردين للاستعلام عن نواقص لأصناف دوائية، موضحا أن الأزمة صارت أقل وطأة مقارنة بأشهر الصيف.
وأضاف للجزيرة نت أن الطبيب المعالج والمريض أصبحا أكثر مرونة في التعامل مع الأزمة، وتابع “بات الطبيب يكتب أكثر من بديل دوائي بالروشتة العلاجية كما أصبح المريض يقبل بالبديل الذي أرشحه له دون تردد”.
ويتأسف جودة لكونه لا يستطيع تقديم المساعدة لمريض يحتاج دواء غير متوفر، مؤكدا أنه ينصحه بكتابة مناشدة على منصات التواصل أو التواصل مع مغترب بالخارج لتوفير العلاج “وأحيانا أكون حلقة الوصل بين صيادلة مغتربين ومرضى”.
أثارت تصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بخصوص أرباح تصدير الدواء المصري حفيظة رواد منصات التواصل الاجتماعي، ففي الوقت الذي يستجلب المصريون الدواء من بلدان أخرى عبر المغتربين تصدره الشركات وتستفيد الحكومة بالأرباح.
وقبل أسبوعين، أكد مدبولي ارتفاع قيمة تصدير الأدوية إلى نحو مليار دولار في السنة المالية الماضية، مشيرا إلى خطة تستهدف زيادة المبلغ إلى 1.5 مليار دولار خلال العام الجاري.
وفي وقت سابق، أوضح المركز المصري للحق في الدواء وجود خلل بين معدلات تصدير الأدوية إلى الأسواق الخارجية والتي شهدت نموا كبيرا للغاية، مقابل تراجع كبير جدا في الضخ داخل البلاد، محملا الهيئة المصرية للدواء (تتبع مجلس الوزراء) مسؤولية ذلك.
يُشار إلى أنه وفي ظل معاناة ملايين المصريين بسبب أزمة الدواء، لا يوجد تقدير رسمي أو مؤشرات حقوقية حول أعداد المتضررين من الأزمة وطبيعة الضرر سواء تدهور الحالة الصحية أو ما هو أسوأ.