ما أهداف إسرائيل من تدمير الأحياء والمباني بجنوب لبنان؟
بيروت- في ظل الحرب المفتوحة بين حزب الله وإسرائيل، تبرز على أرض الميدان إستراتيجيات معقدة تتجاوز العمليات العسكرية التقليدية. من بينها سياسة التدمير التي يتبعها جيش الاحتلال في المناطق الحدودية، مما يثير تساؤلات حول أهدافها الحقيقية ونتائجها المحتملة.
عمليات التدمير هذه استهدفت مباني في جنوب لبنان مثل بلدات يارين، ومروحين، والضهيرة. كما تم تفخيخ أخرى وتسويتها بالأرض في العديسة، ومحيبيب، وميس الجبل.
ويُظهر هذا النمط تشابها مع الإستراتيجية التي اعتمدها الاحتلال الإسرائيلي في غزة منذ بداية حربه على القطاع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مما يؤكد وجود أسلوب “متعمد” يسعى إلى تدمير البنية التحتية المدنية.
سياسة التدمير
في تصريحات للجزيرة نت، يرى خبراء أن هذه الإستراتيجية تستهدف إضعاف حزب الله عبر تدمير المرافق الحيوية والبنية التحتية لإعاقة دعمه اللوجستي والعملياتي. كما تهدف إلى ترويع المدنيين ودفعهم نحو النزوح، مما يخلق حالة من الفوضى والذعر في المناطق المتضررة، عادّين ذلك نهجا متعمدا.
يقول الخبير العسكري العميد حسن جوني -للجزيرة نت- إن الإستراتيجية العامة لإسرائيل ترتكز على التدمير، وخصوصا في المناطق الحدودية التي تُعرف بـ” قرى الحافة”.
وبرأيه، فإن هدفها الأساسي هو إنشاء منطقة تُسمى “بافرزون”، خالية تماما من أي بناء أو عمران، بما في ذلك الحقول والغابات. ويوضح أن الإسرائيليين يعتقدون أن إنشاء مثل هذه المنطقة، بطول 3 كيلومترات على الشريط الحدودي، سيوفر حماية لمستوطناتهم الشمالية من أي هجمات محتملة بالمستقبل، على غرار ما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويؤكد العميد جوني أن هذا الإجراء لن يوفر لهم الحماية الفعلية، لأنه سيُعاد إعمار هذه المناطق ولا يمكن للجانب اللبناني قبول إلغاء قرى الحدود والتخوم الأمامية في أي سياق من التفاوض.
كما يهدف هذا التدمير -وفقا له- إلى إحداث شرخ في صفوف بيئة حزب الله، حيث يشعر سكان المناطق الحدودية أن الحزب هو من أعادهم إلى قراهم بكرامة بعد التحرير الذي حدث سنة 2000 والثبات الذي تحقق في عام 2006، وشيدوا منازلهم على الجدار أو الشريط الحدودي، مما يعكس ثقتهم الكبيرة بالمقاومة.
ويشير جوني إلى أن الإسرائيليين يسعون أيضا إلى خلق شرخ بين السكان والحزب، حيث يدّعون “شاهدوا، الحزب الذي أعادكم هو السبب في تدمير منازلكم مرة أخرى”. ويؤكد أن الاحتلال لن يحقق أهدافه لأن العلاقة بين هذه الحاضنة والحزب أقوى من هذه المحاولات.
حرب نفسية
من جهته، يضع الباحث في العلاقات الدولية والمحلل السياسي علي مطر العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد القرى الحدودية في إطار سياسات عدوانية، بدءا بزعم جيش الاحتلال استهداف البنية التحتية لحزب الله.
ويقول للجزيرة نت إن إسرائيل تعتقد أن تدمير هذه البنية يمكن أن يسهم في فرض سيطرتها على المواقع الإستراتيجية، وتساءل عن مشروعية اعتبار جميع المنازل في تلك القرى أهدافا عسكرية، وما إذا كانت “مجرد بنية تحتية” للحزب. ويضيف أن انسحاب جيش الاحتلال من بعض القرى بعد تدميرها بفعل ضربات المقاومة يثير التساؤل عن جدوى هذه العمليات.
وبرأي مطر، فإن السياسة الإسرائيلية لا تتوقف عند استهداف البنى التحتية، بل تمتد إلى تدمير مقومات الحياة بهدف منع السكان من العودة إلى قراهم، ساعية بذلك إلى عزل الأهالي ومنعهم من إعادة بناء حياتهم. مؤكدا أن هذه السياسات ستفشل وسيعود السكان إلى ديارهم على الرغم منها.
ووفقا له، تتبع إسرائيل في لبنان السياسة نفسها المعتمدة في غزة، حيث تستهدف تدمير مقومات الحياة لدفع السكان إلى النزوح وإضعاف موقفهم تجاه المقاومة، ويعد هذه الإجراءات جزءا من حرب نفسية تلجأ لها إسرائيل بعد فشلها في تحقيق أهدافها العسكرية الرئيسية، مثل القضاء على حزب الله أو تدمير قدراته الصاروخية.
ويضيف الباحث مطر أن جيش الاحتلال لم ينجح في إقامة حزام أمني على الحدود يعيد المستوطنين إلى تلك المناطق، مما دفعه إلى تكثيف حملات التدمير ضد القرى الحدودية، ويعتقد أن تصعيد التدمير يعكس محاولاته تعويض خسائره على يد المقاومة عبر استهداف المدنيين ومنازلهم.
ويؤكد أن مواجهة هذه السياسات العدوانية وإفشال أهدافها أمر ممكن، وأن “المقاومة قادرة على إلحاق الخسائر بالعدو، كما يظهر جليا في الساحتين اللبنانية والفلسطينية”.
محاولات فاشلة
بدوره، يعتقد الباحث في الإعلام والاتصال السياسي علي أحمد أن بنك الأهداف الإسرائيلي نفد ولم يعد لديهم أهداف إستراتيجية تُحدث تأثيرا كبيرا أو مفاجئا في مسار الحرب.
ويقول للجزيرة نت إن “الوضع الحالي يذكرنا بالأحداث التي وقعت عام 2006، حيث تعتمد إسرائيل على التكتيكات والآليات التقليدية نفسها، مثل التدمير ومحاولات الدخول البري لتحقيق إنجاز عسكري، إلا أن هذه المحاولات البرية لم تنجح حتى الآن، فيما يبقى التدمير وحده غير كاف لحسم المعركة”.
وباعتقاد الباحث أحمد، كانت إسرائيل تعتقد في بداية العملية أن الضربة المفاجئة والقاسية ستكون كفيلة بكسر ظهر المقاومة وإضعاف قدراتها بشكل كبير.
ويوضح أن هذه الضربة شملت تفجير أجهزة “البيجر” واغتيال قيادات بارزة من وحدة الرضوان، واستهداف الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وتنفيذ نحو 1600 غارة لترويع السكان ودفعهم إلى النزوح من منازلهم. ويعتبر أن هذا الأسلوب كان متعمدا لإخلاء المناطق السكنية.
وبرأيه، تبدو إسرائيل الآن وكأنها تحاول الانتقام من بيئة المقاومة بأكملها، وتريد أن تجعلها “تدفع ثمن خياراتها السياسية والعسكرية، ورغم تدمير بيوتهم وتشريدهم، لا يزال السكان صامدين، معتقدين أن النصر سيكون حليفهم، ويواصلون دعمهم للمقاومة وخياراتها”.
ويضيف الباحث أحمد أن “إسرائيل تمارس حربا نفسية على السكان تهدف إلى كسر معنوياتهم بالتهديد المستمر بأن التدمير سيستمر بلا هوادة، والترويج لحملة دعائية توحي بقدرتها على مواصلة العمليات العسكرية لفترات طويلة. ويؤكد أن هذه الدعاية، التي تشمل حديثا عن إنشاء منطقة عازلة، “ما هي إلا محاولات لإيهام الجمهور، إذ إن الواقع الميداني يختلف تماما عما تصوره هذه الادعاءات”.