سيناريوهان متناقضان ينتظران إيران في عهد ترامب الجديد
واشنطن– طوال حملته الانتخابية، كثيرا ما أشاد الرئيس المنتحب دونالد ترامب بسجل إدارته الأولى في قضايا الشرق الأوسط بين عامي 2017-2021، بما في ذلك النهج المتشدد تجاه إيران، والانسحاب من الاتفاق النووي.
وخلال حملته الانتخابية الثالثة، لم يقدم ترامب إطارا واضحا لسياسات إدارته الخارجية خلال ولايته الثانية والتي تبدأ يوم 20 يناير/كانون الثاني المقبل. وكرر ترامب أن العنف المتزايد في المنطقة “لم يكن ليحدث أبدا لو كان هو في البيت الأبيض”، وادعى أن تشدده السابق مع إيران، والتضييق عليها لم يكن يمكّنها من تمويل حركة حماس وحزب الله.
وأوضحت الباحثة المتخصصة في السياسة الخارجية الأميركية تجاه إيران، أسال راد، للجزيرة نت، أنه من المرجح أن يجعل سلوك ترامب، الذي لا يمكن التنبؤ به، العديد من العواصم العالمية غير مرتاحة بشأن فوزه.
وبما أن إيران على وجه الخصوص كانت الهدف الرئيسي للسياسة الخارجية لإدارته السابقة، بانسحاب الأخيرة من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة فرض العقوبات بموجب سياسة الضغط القصوى، فهناك الكثير من الغموض والترقب بخصوص مستقبل علاقات الدولتين، بحسب الباحثة.
رسالة تشدد
جاءت تسمية براين هوك، من أول قرارات حملة ترامب الانتخابية عقب فوزه. وشغل هوك منصب المبعوث الخاص لإيران في إدارة ترامب الأولى، ويُعرف عنه تشدده الكبير ضد إيران منذ بدء مسيرته السياسية في عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش.
وهندس هوك “سياسة الضغط القصوى” تجاه إيران خلال فترة حكم ترامب الأولى، ومنها تنفيذ مقترحاته ونصائحه بضرورة الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة باراك أوباما الديمقراطية مع إيران عام 2015 بمشاركة الدول الخمس الكبرى، الصين، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا.
كما كان هوك مسؤولا رئيسيا في الفريق الأميركي المنوط به تخطيط وتنفيذ “الاتفاقيات الأبراهامية” التي طبعت علاقات إسرائيل بدول عربية، مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان. ويعد هوك من أكثر مسؤولي إدارة ترامب الأولى نصرة للمواقف الإسرائيلية.
ويتوقع على نطاق واسع أن يُعهد إلى هوك بأحد المناصب الرئيسية في وزارة الخارجية أو مجلس الأمن القومي، وهو ما يبعث برسالة ترامبية مبكرة بتشدد متوقع ضد إيران.
ويعتقد ترامب أن الولايات المتحدة يجب أن تمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، وينتقد ما يعتبره تصرفات طهران المزعزعة للاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وبعد الضربة الانتقامية الإسرائيلية الأخيرة ضد إيران في 26 أكتوبر/تشرين الأول، أعرب ترامب عن دعمه لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد التهديدات التي تشكلها إيران.
وانتقد ترامب ما اعتبره سماح جو بايدن وكامالا هاريس لإيران بالوصول إلى المزيد من الأموال بسبب تساهلهم في تطبيق العقوبات على مبيعات النفط الإيراني.
في الوقت ذاته، صرح ترامب أنه يمكن أن يبرم صفقة جديدة مع إيران، وحتى إدخالها في اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل دون تقديم تفاصيل حول كيفية قيامه بذلك. وعندما سئل عما إذا كان سيعيد التفاوض على اتفاق مع إيران إذا أعيد انتخابه، قال ترامب “بالتأكيد، سأفعل ذلك” وأضاف “علينا أن نعقد صفقة لأن العواقب مستحيلة”.
وفي 19 سبتمبر/أيلول، وفي حديث له أمام مؤتمر المجلس الإسرائيلي الأميركي، قال ترامب إنه “ربما يتوقع كذلك أن تنضم إيران إلى الاتفاقيات الأبراهامية”.
على إيران أن تقلق
واعتبر ديفيد دي روش، أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون، والمسؤول السابق بحلف الناتو ووزارة الدفاع الأميركية، “أن على إيران أن تكون قلقة للغاية من وصول ترامب مجددا للحكم”. واتفق خبير الشؤون الدولية ولفغانغ بوستزتاي، مع هذا الطرح.
وذكر بوستزتاي في حديث للجزيرة نت، أنه “في إستراتيجية الأمن القومي الأميركي لعام 2017 عند بداية حكم ترامب، تم تسمية إيران كواحدة من أهم التهديدات للشرق الأوسط والمصلحة الوطنية الأميركية. وقالت إن الولايات المتحدة ستعمل مع الشركاء لحرمان النظام الإيراني من جميع الطرق المؤدية إلى سلاح نووي وتحييد النفوذ الإيراني الخبيث”.
وأضاف الخبير أن علينا “تذكر تصريحات ترامب الأخيرة حول الهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل، حيث أوصى الإسرائيليين بضرب البرنامج النووي الإيراني أولا، ولا أعتقد أن نهجه قد تغير. وإذا حدث هجوم صاروخي إيراني آخر، أعتقد أنه سيشجع الإسرائيليين على الانتقام على نطاق واسع، حتى قبل تنصيبه الرسمي”.
من جانبه، أشار السفير ديفيد ماك، المساعد السابق لوزير الخارجية، والخبير حاليا بالمجلس الأطلسي، إلى إمكانية أن يجدد ترامب، بل ويزيد من الضغوط الأميركية على إيران والقوى المدعومة منها في الدول العربية.
وفي حديث للجزيرة نت، أشار السفير ماك إلى أنه “من غير المرجح أن يفضّل ترامب العودة إلى الاتفاق النووي إلى جانب تخفيف العقوبات الأميركية على إيران. وأشكّ في أن ترامب يريد أن تخوض الولايات المتحدة حربا مع إيران، لكنه قد يخطئ في الحسابات ويخطئ في واحد من قراراته المهمة بهذا الخصوص”.
صفقة جديدة
في حين أشارت الخبيرة أسال راد للجزيرة نت أنه “من الجانب الإيراني، فقد أشار الرئيس الجديد مسعود بزشكيان إلى أنه يريد التعامل مع الولايات المتحدة من أجل معالجة القضية النووية وتأمين تخفيف العقوبات. ومع ذلك، فإن التفاوض مع الرئيس ترامب معقد بسبب حقيقة أن إدارته اغتالت الجنرال قاسم سليماني في عام 2020. وفي الوقت نفسه، أظهرت الحكومة الإيرانية براغماتية في مناسبات عديدة، وربما لا تزال ترغب في حل المأزق الحالي وتريد تخفيف التوترات في المنطقة”.
ولم يستبعد الخبير دي روش التوصل لاتفاق جديد بين ترامب وإيران. وقال للجزيرة نت إنه “رغم أن ترامب رئيس يهتم بالسياسة الداخلية بصفة أساسية، ولا يكترث كثيرا للقضايا الخارجية، فإنه يهتم كثيرا بكيفية النظر إليه وما سيكون عليه إرثه”.
ويشعر ترامب، كما يقول دي روش، أن سياسة الضغط القصوى لم تُعطَ الوقت الكافي كي يظهر تأثيرها، ومن هنا سيفرض عقوبات جديدة منذ البداية ويوسعها، وسيستفيد بشكل كامل من ضعف الموقف العسكري الإيراني حاليا.
وأوضح الخبير أن “كل ذلك سيكون هدفه إضعاف إيران بما يكفي لقبول صفقة جديدة تشمل الصواريخ وحلفاءها في المنطقة، بالإضافة إلى البرنامج النووي، ويوقعها معهم ترامب شخصيا”.