تتصارع عليها الدول بشراسة فما أقوى منظومات الدفاع الصاروخي عالميا؟
في مساء الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كانت صافرات الإنذار تدوي في كل رقعة داخل إسرائيل والأراضي المحتلة، بينما كانت إيران تطلق ردها الصاروخي على الاعتداءات الإسرائيلية على الأرض الإيرانية.
وصلت معظم الصواريخ في العملية التي سُميت باسم “الوعد الصادق 2” إلى أهدافها، رغم محاولات التصدي المستميتة من أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية والمدعومة من قوى غربية وإقليمية على رأسها الولايات المتحدة.
اقرأ أيضا
list of 2 items
النار من كل مكان فهل باتت مبادئ بن غوريون فاشلة في حماية إسرائيل؟
أرض الوداع والعلامات السبع لزوال إسرائيل
end of list
صوّر المستوطنون سقوط الصواريخ، وأفزعتهم أصواتها، وصوّرها الفلسطينيون في الضفة وقطاع غزة والداخل المحتل وابتهجوا مع أصوات الانفجارات، وشاهدها الأردنيون بوضوح أيضا.
استخدمت إيران صواريخ باليستية وفرط صوتية استطاعت الوصول إلى أهدافها خلال ربع ساعة أو أقل، وهو ما عزز من قدرة الصواريخ على تجاوز الدفاعات الإسرائيلية التي رآها المستوطنون والفلسطينيون تطلق صواريخها الاعتراضية كذلك. حينها صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن “إيران ارتكبت خطأ فادحا”، لكن الرد الإسرائيلي لم يكن واسعا كما هددت تل أبيب، فالحسابات الآن مختلفة.
أدركت إسرائيل أنها لا تستطيع التعامل مع موجات من الهجمات الصاروخية من هذا النوع من دون زيادة الدعم الأميركي. لذلك، ففي 13 أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن نيتها نشر منظومة الدفاع الجوي “ثاد” المخصصة لاعتراض الصواريخ الباليستية بعيدة المدى في إسرائيل، برفقة عسكريين أميركيين سيشرفون على تشغيلها.
وبرر البنتاغون نشر المنظومة الأميركية في إسرائيل بأنها تأتي “للمساعدة في تعزيز الدفاعات الجوية الإسرائيلية في أعقاب الهجمات الإيرانية غير المسبوقة ضد إسرائيل في 13 أبريل/نيسان الماضي، ومرة أخرى في بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول”. وبعدها بأسبوع واحد، أعلن وزير الدفاع لويد أوستن أن الجيش الأميركي قد سارع بإرسال منظومته المتطورة المضادة للصواريخ إلى إسرائيل وهي الآن في موقعها.
لم تستطع إسرائيل مواجهة الصواريخ الإيرانية وحدها، رغم ما يملكه جيش الاحتلال من منظومة دفاع جوي معقدة، إذ تتكون منظومة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية من عدّة طبقات، كل منها مكلّف باعتراض تهديدات محددة على نطاقات وارتفاعات مختلفة، فمثلا هناك القبة الحديدية، وهي مصممة بشكل أساسي للتهديدات قصيرة المدى، مثل الصواريخ وقذائف المدفعية وقذائف الهاون، وعادة ما تعترض أهدافها على مدى يتراوح بين 4 و70 كيلومترا.
يأتي بعد ذلك نظام مقلاع داود، المصمم لاعتراض الصواريخ متوسطة المدى والصواريخ ذات العيار الكبير، مع مدى اعتراض يتراوح بين 40 و300 كيلومتر. وأخيرا هناك منظومة “سهم” أو “أرو”، ومنها نظام “أرو 2” المصمم لاعتراض الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى خارج الغلاف الجوي، ونُسخته الأحدث “أرو 3” التي تصيب الأهداف على ارتفاعات أعلى ومدى أطول، وهو ما يجعلها مناسبة لاعتراض الصواريخ العابرة للقارات.
كشفت هجمات الأول من أكتوبر/تشرين الأول الثغرات الضخمة في منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي، وقصورها عن تأمين سماء إسرائيل من هجمات أعدائها الكثر.
فكما لم تنجح في إحباط الهجوم الإيراني، لم تنجح منظومة الدفاع الإسرائيلية المتعددة الطبقات في كشف أو منع الطائرات المسيرة ذات البصمة الرادارية المنخفضة من الطيران تحت أنوفها والوصول لأهداف دقيقة، مثل استهداف غرفة الطعام في مقر لواء غولاني، أو استهداف نافذة منزل نتنياهو، كما أثبتت الصواريخ الباليستية الإيرانية المتوسطة المدى ذات الرؤوس الخفيفة مقدرة جيدة على إرباك وتشتيت الدفاعات الجوية الإسرائيلية والإفلات منها.
دفع هذا الولايات المتحدة لاتخاذ خطوات سريعة وغير مسبوقة لإسعاف سماء إسرائيل المخترقة، مرسلة للمرة الأولى منظومة “ثاد”، أحدث منظومات الدفاع الجوي الأميركية ضد الصواريخ الباليستية وأكثرها كفاءة، رفقة 100 من الجنود لتشغيلها. لكن ما الذي يميز تلك المنظومة الجديدة ليكون توفيرها لإسرائيل هو الرد الأميركي على الهجوم الإيراني؟
منظومة ثاد
كلمة “THAAD” بالإنجليزية اختصار لعبارة “الدفاع الصاروخي للمناطق المرتفعة الطرفية (Terminal High Altitude Area Defense)”، وهي منظومة تركز على اعتراض الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى أثناء مرحلتها النهائية (مرحلة إعادة الدخول إلى الغلاف الجوي)، على مدى يصل إلى 200 كيلومتر، وعلى ارتفاع يبلغ 150 كيلومترا، وهي المنظومة الوحيدة في الولايات المتحدة الأميركية المصممة لاعتراض الأهداف داخل وخارج الغلاف الجوي.
تؤمّن منظومة “ثاد” منطقة أكبر مقارنة بمنظومة “باتريوت” للدفاع الجوي والصاروخي، وتعمل بصورة تكاملية معها، ومع منظومة “أيجيس” للدفاع الصاروخي البحري، وتوفر “ثاد” طبقة دفاعية إضافية على ارتفاعات أعلى جويا.
تملك منظومة “ثاد” القدرة على اعتراض الصواريخ الباليستية بكثافة على مدى وارتفاع يفوقان منظومة مقلاع داود، ويتداخل عملها مع نطاق عمل منظومة “أرو”؛ ما يعني أن هدف الولايات المتحدة من تنصيب المنظومة هو توسيع نطاق الحماية إلى مساحة أكبر، عبر توفير طبقات متعددة من الحماية لإسرائيل، في محاولة لسد الثغرات التي ظهرت بين منظومات الدفاع الإسرائيلية بعد الهجمة الإيرانية.
قد تُعد منظومة “ثاد” الأحدث والأكثر كفاءة بين منظومات الدفاع الصاروخي الأميركية، لكنها ليست المنظومة الوحيدة الأقوى والأكثر شهرة بين تلك المنظومات عالميا. قبل التطرق إليها، سنوضح بعض التفاصيل الأساسية حول منظومات الدفاع الصاروخي، ومكوناتها، وآلية عملها في حماية الأرض من التهديدات الجوية.
ما هي منظومة الدفاع الجوي؟
فور انتهاء الحرب العالمية الثانية، اشتعل سباق التسلّح الصاروخي بين قطبي العالم آنذاك، أميركا والاتحاد السوفياتي. فبينما كان الدمار يلف شوارع ألمانيا المهزومة، استحوذت الدولتان على تكنولوجيا سلاح جديد ومتطور، وهي تكنولوجيا صاروخ “ﭬـي-2”. كانت تلك الصواريخ تمطر سماء بريطانيا في عام 1944، واشتهرت بين أهل لندن باسم “أنابيب الغاز الطائرة”. وكان صاروخ ﭬـي-2 جزءا من برنامج ألمانيا لإنتاج “السلاح الخارق (Wunderwaffe)”.
هكذا، وفي سباق تسلح لم يكن بحاجة إلى إعلان، نجح الروس في الحصول على بقايا مصانع الصواريخ النازية بعد هزيمة ألمانيا، ونجح الأميركيون بدورهم في استقطاب معظم العلماء الألمان ممن عملوا على برنامج الصواريخ النازي.
لكن ما إن بدأ كل طرف في تسليح سمائه حتى انطلق سباق أحدث، وهو البحث عن حماية الأرض من صواريخ الطرف الآخر، وهنا ظهرت الحاجة لمنظومات دفاع مضادة لتلك الصواريخ.
عادة ما تُصمم منظومات الدفاع الصاروخي تحديدا للتصدي لتهديدات جوية سريعة جدا وشديدة الخصوصية، مثل منظومات الدفاع ضد الصواريخ الباليستية. ونظرا إلى أن منظومات الدفاع الجوي الأخرى، وخاصة المنظومات المضادة للطائرات، محدودة النطاق، فغالبا ستفشل في التصدي لتهديدات سريعة للغاية مثل الصواريخ الفرط صوتية أو الباليستية.
تطور الصواريخ الباليستية تحديدا أظهر مدى الحاجة لأنظمة دفاع صاروخي متطورة في مواجهة خطرها. لذا، فإن أقوى أنظمة الدفاع الصاروخي جاءت للرد على خطر الصواريخ الباليستية المتطورة والقوية للغاية.
تُعرف الصواريخ الباليستية بأنها تلك الصواريخ التي تتخذ “مسارا باليستيا” لإيصال رأس أو رؤوس حربية إلى هدف محدد مسبقا، والمسار الباليستي هو مسار منحنٍ يشبه قوسا ضخما يُحدد منذ لحظة انطلاق الصاروخ. يبدأ الأمر بتشغيل الصاروخ بواسطة محرك يدفعه إلى الغلاف الجوي العلوي أو حتى إلى الفضاء الخارجي، ثم ينحرف الصاروخ في مسار مكافئ خارج الغلاف الجوي، ومن ثم يعود إلى الغلاف الجوي للأرض ويهبط نحو الهدف مسترشدا بالجاذبية.
لكن بشكل عام، يبقى الهدف الأساسي لتلك المنظومات هو توفير الحماية القصوى من أي تهديد من الأسلحة الجوية، سواء كانت الصواريخ الباليستية، أو صواريخ كروز، أو الطائرات المقاتلة، أو الطائرات المسيّرة.
ورغم الحماية التي توفرها منظومات الدفاع الصاروخي المتطورة، مثل منظومة “ثاد”، فإنها ليست مثالية، وربما تكمن نقطة ضعفها الأبرز في ارتفاع تكاليف تطويرها وصيانتها وتشغيلها، إذ تتطلب منظومة “ثاد” موارد طاقة ضخمة لتشغيل راداراتها المتقدمة؛ ما يجعل استمرار تنصيبها من الأمور المعقدة من الناحية العملية واللوجستية.
للمقارنة، تتطلب محطة توليد الطاقة الكهربائية لرادار منظومة “باتريوت” مولدين بقدرة 150 كيلووات، أما رادار منظومة “ثاد” فيتطلب نحو 10 أضعاف هذا المقدار، إذ يحتاج رادار “إيه إن/تي بي واي-2 (AN/TPY-2)” إلى وحدتيَ طاقة أساسية بقدرة 1.1 ميغاواط، تستهلكان الوقود بشراهة شديدة لدرجة يُفضل معها ربطهما بشبكة الطاقة الكهربائية في البلاد.
كما تواجه تلك المنظومات تهديدات أكبر من خلال تكتيكات الحرب الإلكترونية، مثل التشويش والهجمات السيبرانية، التي قد تؤثر على أدائها في تنفيذ مهمتها الأساسية، وهي اعتراض أي تهديد جوي.
مم تتكون المنظومة؟
تُعرف الوحدة المسؤولة عن منظومة الدفاع الصاروخي باسم “بطارية الدفاع الصاروخي”، وهي تتكون من عدة عناصر أساسية تعمل معا، ويؤدي كل منها دورا بالغ الأهمية في اكتشاف التهديدات الجوية وتتبعها واعتراضها بنجاح.
أول مكوّن في المنظومة هو أنظمة الرادار، وهي عين منظومة الدفاع الصاروخي التي تكشف السماء فوقها بحثا عن أي تهديدات قادمة. تتطور تقنيات الرادار والمراقبة في منظومات الدفاع الصاروخي باستمرار، لأن الاكتشاف المبكر للتهديدات الجوية والقدرة على تتبعها المستمر هو أحد العناصر الجوهرية لاعتراض تلك التهديدات.
تعمل أنظمة الرادار بجانب مستشعرات الأقمار الاصطناعية، ليشكّل الاثنان معا نظام مراقبة صارما يسمح باكتشاف الصواريخ المعادية، أي اكتشاف الصاروخ بعد إطلاقه، وكذلك القدرة على تمييز التهديد الحقيقي في مقابل الفخاخ أو غيرها من التدابير الأخرى المضادة، كما يسمح بتتبع الصاروخ والحفاظ عليه في مرمى البصر، حتى تصيبه الصواريخ الاعتراضية وتتخلص من هذا التهديد القادم.
المكوّن الآخر الحيوي لهذه المنظومة هو مركز القيادة والتحكم، الذي يمكننا اعتباره العقل المدبر داخل المنظومة. مهمته أن يجمع البيانات الواردة من أنظمة الرادار ويحدد التهديدات التي تتطلب المواجهة الفورية، ويصدر أوامر إطلاق الصواريخ الاعتراضية.
تلك الصواريخ هي السلاح الأساسي لمواجهة التهديدات الجوية، وهي الصواريخ التي تنطلق بمجرد اكتشاف تهديد قادم، مثلا تستخدم صواريخ ثاد الاعتراضية نهج “الاصطدام للتدمير”؛ ما يعني أنها تدمر الصواريخ عبر الاصطدام بها مباشرة باستخدام الطاقة الحركية الصرفة، ولا تحمل رأسا حربيا متفجرا، ولذا فإن هذه المنظومة تعتمد بشكل أساسي على دقة الإصابة، ولهذا تحتاج إلى رادار متطور يمكنه اكتشاف وتتبع الصواريخ الباليستية الصغيرة والسريعة من مسافات طويلة؛ ما يوفر تحذيرا مبكرا.
نظرا للسرعة الفائقة التي يتحرك بها الصاروخ المعادي والصواريخ الاعتراضية، يُشار إلى هذه العملية مجازا بتعبير “رصاصة تدمر رصاصة أخرى”.
كما تحتاج تلك الصواريخ الاعتراضية إلى منصات إطلاق، وهي الشاحنات الضخمة التي يكثر أن نراها في الصور وتحمل على ظهورها حاويات الصواريخ الاعتراضية.
لكن الولايات المتحدة ليست الوحيدة في تطوير منظومات دفاع صاروخي متقدمة، فبجانب منظومة “ثاد” للدفاع الصاروخي، توجد عدّة منظومات قوية طورتها جيوش وحكومات متعددة.
منظومة إس-400
عام 1993، بدأت روسيا تطوير منظومة الدفاع الصاروخي “إس-400″، وهي النسخة الأحدث من المنظومة السابقة لها “إس-300”. وبدأ اختبارها في أواخر التسعينيات، ودخلت الخدمة في عام 2007.
تعد “إس-400” إحدى أقوى منظومات الدفاع الجوية في الترسانة الروسية، وتقارَن بمنظومة “ثاد” الأميركية، وصُممت للتصدي للطائرات المقاتلة، والطائرات المسيّرة، والصواريخ بمختلف أنواعها. تتميز بمدى يصل إلى 400 كيلومتر؛ ما يمنحها القدرة على مواجهة التهديدات من مسافات بعيدة.
تعتمد هذه المنظومة على 4 أنواع من الصواريخ التي تعزز من قدرتها على التعامل مع مختلف التهديدات الجوية عبر مسافات متعددة؛ ما يجعلها منظومة دفاع متعددة الطبقات قادرة على اعتراض الأهداف القريبة والبعيدة على حد سواء.
يرى بعض الخبراء العسكريين أن منظومتي الدفاع الصاروخي “إس-400″ و”إس-300” تمثلان تهديدا فتاكا لمعظم أنواع المقاتلات والقاذفات الشبحية المتطورة. وحدها الطائرات الأميركية “إف-22 رابتور” و”إف-35″ والقاذفة الشبحية “بي-2 سبيريت” يمكنها التحليق داخل الأراضي التي تحميها تلك المنظومات الدفاعية. ولكن حتى تلك الطائرات ستواجه تحديا حقيقيا إن توفرت بطاريات كافية من تلك المنظومتين الروسيتين وكانت تعمل كجزء من شبكة دفاع جوي متكاملة.
منظومة باتريوت
نعود إلى الولايات المتحدة، حيث تُعد منظومة “باتريوت” الصاروخية واحدة من أشهر منظومات الدفاع الجوي في العالم، والتي طُورت بالأصل بهدف إسقاط الطائرات، ثم جرى تعديلها لاحقا لتشمل التصدي للصواريخ الباليستية التكتيكية.
تُستخدم المنظومة لمواجهة التهديدات الجوية قصيرة إلى متوسطة المدى، وتُعد عنصرا أساسيا في منظومة الدفاع الجوي لعدة دول من حلفاء الولايات المتحدة، وتشتهر بأنها جزء أساسي من شبكة الدفاع الجوي لحلف الناتو، وتوفر الحماية للمنشآت العسكرية والمدنية على حد سواء.
اشتهرت أيضا منظومة “باتريوت” بدورها في حرب الخليج عام 1991، إذ برزت فعاليتها في اعتراض صواريخ “سكود” الباليستية التكتيكية. ومنذ ذلك الحين خضعت المنظومة لتحديثات عديدة لمواكبة التهديدات الجوية الأخطر، وشملت تحديثات في اكتشاف الأهداف بالرادار، ويَستخدم الإصدار الأحدث، المعروف باسم “باك-3 (PAC-3)”، نهج “الاصطدام للتدمير”، كما هو الحال في منظومة “ثاد”.
صُممت المنظومة لتعمل في بيئات مختلفة، مع مشاركة البيانات بين مختلف الوحدات العسكرية عبر شبكة خاصة، تتميز بأنها مشفرة ومقاومة للتشويش؛ ما يسمح لمنظومة باتريوت بالعمل مع منظومات الدفاع الصاروخي الأخرى، مثل منظومة “أيجيس” البحرية ومنظومة “ثاد”.
منظومة هونغ تشي-9
أما الصين فقد نجحت في التسعينات في الحصول على بطارية “باتريوت” الأميركية؛ ما أتاح لها أن تمزج بينها وبين تكنولوجيا منظومة “إس-300” التي حصلت عليها من روسيا، لتخرج بمنظومة “هونغ تشي-9” الأفضل لديها حتى اليوم، والتي دخلت الخدمة عام 1997.
بإمكان المنظومة الصينية اعتراض أنواع مختلفة من الطائرات المقاتلة والمروحيات والطائرات المسيّرة والصواريخ متوسطة وبعيدة المدى والقنابل الموجهة، لكن بعض الخبراء يعتبرون المنظومة أقل كفاءة من نظيرتها الروسية، حتى مع احتوائها على جزء من منظومة “باتريوت”، وهو ما ينعكس في استمرار اعتماد الصين على ما لديها من قطع “إس-300” الروسية، التي تملك منها ثلاث قطع أرضية وواحدة بحرية لحماية الشواطئ الصينية.
تنتشر المنظومة لحماية المدن الكبرى والمواقع الإستراتيجية في الصين. كما جرى تطويرها إلى عدة إصدارات مختلفة بتقنيات محسّنة ومدى يتراوح بين 100 و300 كيلومتر. وتستخدم الصواريخ الاعتراضية الحديثة من طراز “إتش كيو-9 بي” التوجيه بالقصور الذاتي أثناء الطيران والتوجيه النشط بالرادار خلال المرحلة النهائية؛ ما يعزز من احتمالية إصابة عدة أهداف.
منظومة أستر 30 سامب/تي
تتعاون فرنسا وإيطاليا في تطوير منظومة “أستر 30 سامب/تي”، وتُعد من منظومات الدفاع الصاروخي المتطورة لمواجهة الطائرات المقاتلة والطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية. تتمتع بمدى يصل إلى 120 كيلومترا؛ ما يجعلها مناسبة لحماية المنشآت الحيوية والمواقع الإستراتيجية. وتتميز منظومة “أستر 30” برادار مستقل يمكنه تحديد وتتبع الأهداف ذاتيا، دون الحاجة إلى أنظمة مساندة؛ ما يمنحه استقلالية ومرونة عالية في البيئات الدفاعية المعقدة.
إحدى السمات المميزة لصاروخ “أستر 30” هي قدرته على “الإطلاق العمودي”، وهو ما يعني أن بإمكانه الانطلاق إلى الأعلى مباشرة؛ ما يسمح له بالدوران والطيران في أي اتجاه. ونظرا لانطلاقه عموديا، يمكن استخدام المنظومة حتى في المساحات الضيقة مثل المدن.
تؤدي منظومة “أستر 30” دورا محوريا في إستراتيجية الدفاع الجوي لحلف الناتو، إذ تسهم في تأمين الأجواء الأوروبية من التهديدات المختلفة.
ختاما، ورغم هذا التطور الهائل في أنظمة الدفاع الجوي الصاروخي، لا تزال الصواريخ المصنعة محليا، سواء على يد دول محدودة الموارد، أو حتى بأيدي مهندسي حركات المقاومة، قادرة على إيلام أعدائها. ولعل هذا هو ما يعطي الأفضلية لسلاح الصواريخ بشكل عام، إذ إنه يبقى في موقع الفاعل، في حين تظل أنظمة الدفاع الجوي في حيز رد الفعل. ولعل ذلك ما يعزز من أمل القوى الأضعف في تحقيق نجاحات تكتيكية وإستراتيجية مهمة في هذا النوع من الصراعات والحروب.