هكذا تلاحق إسرائيل المعلمين والطلبة من فلسطينيي 48
القدس المحتلة- استغلت الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 والحرب على غزة، من أجل تشريع رزمة من القوانين العنصرية التي تستهدف فلسطينيي 48، وذلك تحت ذريعة مكافحة “الإرهاب”.
وتستهدف هذه القوانين المعلمين وطلبة المدارس والجامعات وأبناء الشبيبة بالبلدات العربية داخل الخط الأخضر، في مسعى لتعزيز ثقافة الخوف والترويع وتكميم الأفواه، ومكافحة أي حراك مناهض للسياسات الإسرائيلية، وقمع حرية التعبير، ومنع أي مظاهر للتضامن مع الشعب الفلسطيني، بحسب منظمات عربية معنية.
وصادق الكنيست (البرلمان) بالقراءات الثلاث على مشروع قانون يسمح لوزير التربية والتعليم الإسرائيلي بإصدار تعليمات تمنع تحويل ميزانيات إلى مدارس، بزعم أنه “تجري فيها أو يُسمح فيها بمظاهر تتماثل مع عمل إرهابي”، بحسب ما ورد في نص القانون، الذي قدمه عضوا الكنيست عَميت ليفي عن حزب الليكود، وتسفي فوغيل عن حزب “عظمة يهودية”.
يأتي ذلك، بينما صادقت اللجنة الوزارية للتشريع، مساء الأحد، على مشروع قانون، قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود نيسيم فاتوري، والذي يحظر رفع أعلام “دول معادية”، بما في ذلك العلم الفلسطيني، في المؤسسات الممولة أو المدعومة من قِبل الدولة.
ممارسات ممنهجة
ويمنح مشروع القانون السلطات الإسرائيلية صلاحيات واسعة لتفريق أي تجمع تُرفع فيه أعلام “دولة معادية”، وكذلك فرض عقوبة بالسجن الفعلي لمدة تصل إلى عام واحد، وفرض غرامة تصل إلى 10 آلاف شيكل (2700 دولار أميركي).
ويهدف مشروع القانون إلى منع الطلبة العرب من رفع الأعلام الفلسطينية خلال الاحتجاجات في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، الممولة من قِبل مؤسسات الدولة والوزارات الحكومية الإسرائيلية، في المناسبات الوطنية الفلسطينية والعربية.
وإضافة إلى ذلك، ناقشت لجنة التربية والتعليم بالكنيست، مشروع قانون جديد قدمه عدد من أعضاء الكنيست من اليمين بالتعاون مع حركة (إم ترتسو) الاستيطانية، يستهدف الحركات الطلابية ويعمل على استبعاد الطلاب والطالبات عن مقاعد الدراسة بالجامعات والكليات حال التضامن مع الشعب الفلسطيني، وذلك بزعم دعم “الإرهاب” والتماهي معه.
وأصدرت الهيئة الطلابية المشتركة للطلبة العرب بالجامعات والكليات الإسرائيلية بيانا، تلقت الجزيرة نت نسخة منه، أكدت من خلاله أن هذه التشريعات تندرج في سياق الممارسات الممنهجة للمؤسسة الإسرائيلية وأذرعها الأمنية، لملاحقة الطلبة العرب في الجامعات الإسرائيلية، والتضييق على النشاط الطلابي السياسي والاجتماعي، وتقييد حرية التعبير الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني.
ملاحقة مقننة
وتدرس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، بالتعاون مع جمعيات حقوقية، السبل لمواجهة القانون الذي يؤسس “للملاحقة المقوننة” لجمهور المعلمين والمدارس والمؤسسات التربوية والتعليمية بالمجتمع العربي، وتدرس إمكانية الالتماس للمحكمة العليا الإسرائيلية ضد القانون الذي يتنافى وقوانين حرية التعبير، وحرية العمل، والحق في التعلم.
وتقول المديرة العامة للجنة متابعة قضايا التعليم العربي سماح الخطيب إن مشروع القانون الذي يستهدف المدارس العربية وجمهور المعلمين العرب من فلسطينيي 48 يمنح “وزير التربية والتعليم فرض عقوبات مالية، وتجميد ميزانيات للمدارس والمؤسسات التعليمية والتربوية التي “ثبت” أن طاقمها يتماهى أو يدعم “الإرهاب”.
ولفتت الخطيب، في تصريحات للجزيرة نت، إلى أن الأمر لا يقف عند ذلك الحد، “بل يمنح القانون أيضا مدير عام وزارة التربية والتعليم صلاحيات بإقالة معلم أو معلمة بإجراءات سريعة وبدون إخطار مسبق، بزعم أنه تماهى وتماثل مع منظمة إرهابية أو نشر إعجابا أو تشجيعا لعمل إرهابي”.
وأوضحت أن المؤسسة الإسرائيلية تسعى من خلال ذلك إلى تعزيز ثقافة الخوف والترهيب، وقمع الفكر الحر والتربية النقدية وتكميم الأفواه، وهو ما يتناقض أصلا مع الأهداف الإستراتيجية التي حددتها وزارة التربية والتعليم بمنح المهارات، وتطوير الفكر النقدي للطلاب والطالبات.
وحذرت الخطيب من تداعيات رزمة القوانين العنصرية والفاشية التي تستهدف المعلمين والطلاب، وكذلك الطلبة العرب في المؤسسات الأكاديمية والجامعية الإسرائيلية، والتي تندرج كخطوة إضافية ضمن سياسة كم الأفواه والملاحقة العامة في كافة الميادين، وإحكام السيطرة على جهاز التربية والتعليم بشكل عام، وفي المجتمع العربي بشكل خاص.
ولمواجهة هذه التحديات ولتدارك التداعيات السلبية لهذه القوانين، تقول المديرة العامة للجنة متابعة قضايا التعليم العربي “إننا ندرس الخطوات القانونية للالتماس للمحكمة العليا، إلى جانب تضافر جهود كافة جمعيات المجتمع المدني لتوعية المعلمين والعمل على تنظيمهم، والعمل من منظور مسؤول وحكيم للحفاظ على سيرورة التربية والتعليم”.
فخ التهويل
من جانبه، قال المختص بحقوق الإنسان المحامي مصطفى سهيل إن “قانون ملاحقة المعلمين يندرج في سياق التشريعات العنصرية التي تستهدف بالأساس الداخل الفلسطيني، حيث تصاعد وتيرة سن مثل هذه القوانين بالكنيست منذ السابع من أكتوبر من العام الماضي”.
وأوضح سهيل، للجزيرة نت، أن هذه التشريعات تندرج في سياق الإجراءات والممارسات التي تعتمدها المؤسسة الإسرائيلية ضد الداخل الفلسطيني، الذي وقع في فخ التهويل والتخويف الذي انتهجته حكومة نتنياهو، التي أرادت تكميم الأفواه وإخراس فلسطينيي 48، ومنع رفع أصواتهم المناهضة للحرب على غزة.
ويعتقد أن هذه التشريعات العنصرية والممارسات الإسرائيلية تهدف إلى ملاحقة كل من يناهض جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة ضد الفلسطينيين المدنيين، والترويج إلى أن كل من يناهض الحرب يدعم ما يُسمى “الإرهاب”، من وجهة النظر الإسرائيلية.
وعلى الرغم من هذه الإجراءات والتشريعات العنصرية وسياسة تكميم الأفواه، يقول سهيل، فإنه “بدأت تتضح الصورة لفلسطينيي 48 وأيضا للعالم، أن ما تقوم به إسرائيل في غزة إبادة جماعية، وذلك من خلال سياسة ممنهجة بالتهجير القسري والقصف والتجويع ومنع المساعدات الإنسانية، وهي جرائم حرب بحسب القانون الدولي”.
وأمام هذه الحقائق، يضيف سهيل “يجب علينا بالداخل أن نرفع صوتنا عاليا ضد الجرائم الإسرائيلية، ومطالبة المجتمع الدولي بوقف الحرب، وبالتالي فإن القوانين العنصرية وضمنها القانون الذي يستهدف المعلمين تهدف إلى التخويف والترويع، وحجب الحقيقة عن الطلبة وعزلهم عما يحدث في غزة، وذلك سعيا لتشويه الرواية الفلسطينية، وقمع أي احتجاج مناصر لغزة”.
ويعتقد أن المؤسسة الإسرائيلية تسعى من خلال مثل هذه التشريعات إلى محاربة أي حراك أو أي سيرورة مناهضة للحرب ومتضامنة مع غزة، وكذلك تشويه الهوية الوطنية، التي يمكن أن تشكّل الوعي للنشء الفلسطيني، وتبدد حالة الخوف وتستبدلها بحراك تراكمي يكسر حاجز الصمت، وهو ما تخشاه إسرائيل.