هل يؤدي تشكيل حكومة “تقدّم” إلى تشظي التحالف المعارض بالسودان؟
الخرطوم- بعد 5 أيام من ختام اجتماعات الهيئة القيادية لتنسيقية تحالف القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” بزعامة رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، تصاعدت الخلافات بين فصائل في التحالف بشأن تشكيل حكومة منفى وسلطة في مواقع سيطرة قوات الدعم السريع، كما يدرس التحالف “تغيير جلده” حسب مراقبين.
وعقدت الهيئة القيادية لتحالف “تقدم” اجتماعاتها خلال الفترة من الثالث إلى السادس من ديسمبر/كانون الأول الجاري في مدينة عنتبي الأوغندية، وأحالت قضايا تشكيل جبهة مدنية عريضة، ونزع الشرعية عن الحكومة، إلى آلية سياسية لم تشكل بعد لدراسة تفاصيلها وتوسيع التشاور بين مكونات التحالف بعد تعذر التوافق حولها.
وتكشف مصادر سياسية سودانية في أوغندا كانت قريبة من اجتماعات التحالف المعارض -للجزيرة نت- أن فصائل الجبهة الثورية طرحت تشكيل حكومة موازية للحكومة السودانية التي تباشر مهامها من بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة.
وتضم فصائل الجبهة الثورية حركة تحرير السودان بقيادة الهادي إدريس الذي يشغل نائب رئيس تحالف “تقدم”، و”تجمع حركة تحرير السودان” برئاسة الطاهر حجر، و”حركة العدل والمساواة” جناح سليمان صندل، وحزب مؤتمر البجا المعارض بزعامة أسامة سعيد.
وتوضح المصادر، التي طلبت عدم الإفصاح عن هويتها، أن قادة فصائل الجبهة الثورية بالإضافة إلى عضو مجلس السيادة السابق محمد الحسن التعايشي، دفعوا في اتجاه طرح تشكيل حكومة في أجندة الاجتماعات، ثم حاولوا إقناع قيادات التحالف ورؤساء تنظيماته بتمرير المقترح، لكن غالبية كاسحة من الحضور رفضت الفكرة.
وحسب المصادر ذاتها، فإن قيادات الجبهة الثورية لم يفلحوا في الرد على تساؤلات حول تشكيل الحكومة أبرزها: هل ستكون في المنفى أو مواقع سيطرة الدعم السريع؟ ومن هم أطرافها؟ وهل ستنال اعترافا دوليا؟، وهذا أدى إلى إرجاء اتخاذ قرار واضح بشأنها تجنبا للتشظي، وتم إعلان توصية بإحالة المقترح إلى الآلية السياسية لمزيد من المشاورات.
الفراق بإحسان
كما ناقشت قيادات من الجبهة الثورية المقترح في لقاءات جانبية على هامش الاجتماعات مع مؤثرين في التحالف لدعم المقترح، غير أنهم وجدوا ردا صريحا بأن مساندتهم لتوجه قوات الدعم السريع تشكيل سلطة في منطقة سيطرتها يعني خروجهم من التحالف، والأفضل أن يكون الفراق بإحسان وفقا للمصادر السياسية.
من جانبه، شدد فتحي محمد عبده، المتحدث باسم حركة “تجمع قوى تحرير السودان”، برئاسة الطاهر حجر، على ضرورة تشكيل حكومة ثورية شرعية، وسحب الشرعية الدستورية “الوهمية” من سلطة بورتسودان، للحفاظ على وحدة السودان، وضمان الحقوق الدستورية للمواطنين وحماية المدنيين.
ودعا عبده في تصريح صحفي، الشعب لدعم اقتراح استعادة الحكومة الدستورية ذات الشرعية الثورية، وسحب الشرعية من سلطة بورتسودان.
كما دافع المتحدث باسم الجبهة الثورية ورئيس تنظيم مؤتمر البجا المعارض، أسامة سعيد، عن تشكيل حكومة موازية للحكومة القائمة في بورتسودان من أجل فرض السلام وتقديم الخدمات للمواطنين في مناطق سيطرة الدعم السريع “المحرومين من الصحة والتعليم والعملة الورقية الجديدة بعد استبدالها”.
وفي حديث للجزيرة مباشر، كشف سعيد أن اجتماع عنتبي شهد تباينات وخلافات حول تشكيل حكومة، وأنهم حاليا يعدون وثيقة سياسية عن السلام ورؤية لتشكيل حكومة موازية، وفي حال وافقت عليها قوات الدعم السريع فإن الحكومة ستكون في مواقع سيطرتها وستكون “حكومة سلام مؤقتة”.
وفي موقف مماثل، طالبت حركة العدل والمساواة، التي يقودها سليمان صندل، بتشكيل حكومة ثورية شرعية تعكس تطلعات الشعب السوداني وتحقق العدالة والمساواة في البلاد.
موظفون لدى “حميدتي”
وفي المقابل، رأى المتحدث باسم تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم”، بكري الجاك، أنه يتفهم دوافع من يطالبون بتشكيل حكومة موازية للشرعية المدعاة في بورتسودان، ولكنهم سيكونون موظفين لدى قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” لو شكلوا حكومتهم في مناطق سيطرته.
وأوضح الجاك للجزيرة مباشر أن موضوع الحكومة الموازية ليست أولوية لدى تنسيقية “تقدم”، وأن التحالف يسعى إلى مائدة مستديرة للتوافق على وقف الحرب، وبناء جبهة مدنية عريضة لنزع الشرعية عن الحرب، واتهم “سلطة الأمر الواقع في بورتسودان” بالتهرب من السلام.
وفي الشأن ذاته، أعلن حزب الأمة القومي في بيان له رفضه القاطع لأي محاولات لتشكيل حكومة من أي طرف وفي أي مكان. وأوضح الواثق البرير، الأمين العام للحزب في بيان، أن تشكيل الحكومة قد يؤدي إلى سيناريوهات تقسيمية ويزيد من حدة الاستقطاب.
جبهة جديدة
وعلى هامش اجتماعات عنتبي جرت مشاورات بين قوى مدنية وسياسية لتوسيع تحالف “تقدم” وإصلاحه وضم قوى جديدة للتحالف، وقال قيادي في “تقدم” شارك في المشاورات -للجزيرة نت- إن مقترحات برزت من أطراف ترغب في الانضمام لهم بتغيير اسم الكيان بعد توسعته.
وذكر القيادي (فضل عدم الكشف عن هويته) أنهم منفتحون على أي مقترحات جديدة لأن الأهم بالنسبة لهم تحقيق مقاصد التحالف وليس اسمه، لأن التحالف تم إنشاؤه لتحقيق هدف واحد وقف الحرب، ولم يستبعد اختيار اسم جديد للجبهة المدنية العريضة التي تجري الاتصالات والمشاورات لتشكيلها.
من جهتها قالت حركة تحرير السودان، قيادة عبد الواحد محمد نور، إنها واصلت مشاوراتها مع قوى سياسية ومدنية ونسوية وشبابية، بهدف تكوين جبهة مدنية واسعة تعمل على إنهاء الحرب وإيجاد حلول جذرية للأزمة السودانية.
وأوضح الناطق باسم الحركة محمد عبد الرحمن الناير، أن اللقاءات التي عقدت بمدينة عنتيبي الأوغندية، شملت قيادات قوى سياسية ومدنية أبرزها عبد الله حمدوك، وزعيم حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر، ووجد مقترح تشكيل جبهة وطنية عريضة تجاوبا كبيرا.
وتوقع المحلل والباحث السياسي، فيصل عبد الكريم، أن تشهد المرحلة المقبلة فرزا في فصائل وتنظيمات تحالف “تقدم” بعدما عكس اجتماع عنتبي تباينا واضحا في مواقفها، وباتت بعض الفصائل وخصوصا الحركات العسكرية في دارفور أقرب إلى تبني توجهات قوات الدعم السريع.
ويعتقد الباحث، في تصريح للجزيرة نت، أن تاريخ السودان السياسي منذ استقلال البلاد لم يشهد تشكيل حكومة منفى، وأن الحركات المتمردة التي تسيطر على مساحات واسعة في جنوب البلاد أو غربها تشكل إدارات مدنية في مواقع سيطرتها وليس حكومة.
ويرجح أن تكون القوى الخارجية التي تساند قوات الدعم السريع تدفعها لشكيل سلطة موازية في مواقع سيطرتها على غرار ليبيا واليمن، بعد جولة لمبعوثين من تلك القوى شملت دولا مجاورة للسودان لإقناع قادتها بالاعتراف بسلطة “حميدتي” المحتملة.