من الفراغ إلى المنع.. ما الذي تغير على الحدود السورية اللبنانية؟
دمشق- أغلقت حكومة دمشق الحدود السورية في وجه حاملي الجنسية اللبنانية، إثر اشتباكات بين إدارة العمليات العسكرية والجيش اللبناني في منطقة “معربون-بعلبك” على الحدود السورية اللبنانية، في حين أعطت استثناءات لمن لديه إقامة سورية، وسمحت لحاملي الجنسية اللبنانية العبور باتجاه لبنان من جهة سوريا.
وقال مصدر مطلع للجزيرة نت إن قرار منع دخول حاملي الجنسية اللبنانية إلى سوريا لم يصدر بشكل رسمي من قبل حكومة دمشق، ولكنه مطبق على أرض الواقع، ويشمل القرار أيضا الصحفيين والإعلاميين المقربين من حزب الله، بينما يمكن لغيرهم التنسيق مع وزارة الإعلام السورية.
وأوضح المصدر ذاته أن الداخلين من جهة لبنان إلى سوريا من حملة الجنسيات غير اللبنانية مسموح لهم بالدخول، حيث تشهد المعابر بين البلدين حركة عبور مستمرة، سواء من السورين العائدين والزائرين والصحفيين ورجال أعمال وغيرهم.
وأشار إلى أن سبب المنع هو ما جرى من اعتداء على السوريين في لبنان ومنعهم من الدخول إلى الأراضي اللبنانية إلا بعد إجبارهم على إصدار بطاقة إقامة بوجود كفيل، وتصريف مبلغ ألفي دولار أميركي، بالإضافة إلى الاعتداء المستمر على السوريين والتضييق الأمني عليهم.
فراغ ميداني
وخلال العدوان الأخير على لبنان، دمرت القوات الإسرائيلية معظم المعابر الرسمية وغير الرسمية -التي كانت تستخدم كنقاط للتهريب- بين لبنان وسوريا، لمنع التواصل بين النظام السوري السابق وحزب الله، وهو ما تسبب بخروج معظم هذه النقاط الحدودية عن الخدمة، بعد تدمير بنيتها التحتية وإفراغها من عناصر التفتيش والإشراف والحماية والحرس الحدودي الذي يُعرف باسم “الهجانة”.
هذا الفراغ جعل الحدود مفتوحة أمام العابرين من سوريا إلى لبنان أو العكس، وأتاح ذلك لعناصر وقادة حزب الله اللبناني العبور أيضا بين الجانبين، وخاصة من جاء من لبنان لسوريا خلال فترة الحرب، أو من العناصر والقادة الذين كانوا موجودين أصلا في سوريا لمساندة نظام بشار الأسد، ومعظمهم كان موجودا على خطوط التماس مع المعارضة في إدلب سابقا.
ويقول الراصد الميداني أحمد المصطفى للجزيرة نت، وهو مختص في تتبع التحركات العسكرية ونشط خلال سنوات الحرب بتتبع حركات النظام السابق العسكرية وحركة الطائرات، إن المعابر بين سوريا ولبنان تعرضت لقصف إسرائيلي ألحق بها خسائر مادية كبيرة، وبعد سقوط النظام السوري انتشرت إدارة العمليات العسكرية، حيث تسعى جاهدة لضبط وإجهاض أي محاولات تهريب من سوريا باتجاه لبنان.
وبحسب المصطفى، شملت محاولات التهريب السابقة كلا من:
- الأسلحة الجديدة والنوعية والقذائف الصاروخية والأسلحة المتوسطة والفردية، والتي تم تهريبها بأعداد كبيرة لصالح حزب الله.
- الوثائق الهامة والضرورية، وخاصة بما يخص قادة وعناصر حزب الله وضباط النظام السوري السابق الذين فروا باتجاه لبنان.
- المواد الغذائية التي لم تخضع للرقابة الجمركية.
- ضباط وعناصر سبق أن ارتكبوا جرائم حرب، سواء من النظام السوري السابق أو من قوات حزب الله.
- عناصر وقادة من حزب الله كانوا متخفين في البلدات السورية القريبة من الحدود اللبنانية، مثل مناطق القصير ورنكوس، حيث كانوا يسيطرون على أملاك المدنيين، ودارت اشتباكات بينهم وبين المواطنين، كان آخرها في سرغايا بعد رفض العناصر إخلاء المنازل التي كانوا يسيطرون عليها خلال تهجير أهالي هذه المنطقة.
ولفت الراصد إلى أن المعابر الرسمية بين البلدين بحاجة إلى إعادة تأهيل وتنظيم وإنشاء مناطق مراقبة، بالإضافة إلى ضرورة ضبط معابر التهريب والأنفاق المنتشرة، والتي كانت تستخدمها قوات الفرقة الرابعة وحزب الله لتهريب السلاح، خاصة خلال فترة الحرب مع الجانب الإسرائيلي.
معاملة بالمثل
وعن الوضع الميداني عند الحدود يقول يوسف الشاكر للجزيرة نت، وهو مواطن لبناني لم يستطيع العبور إلى سوريا، إن “هناك أشخاصا لبنانين يمكنهم الذهاب إلى سوريا، وهم من تربطهم علاقات زواج أو يملكون إقامات سورية، أو لديهم مصالح وأعمال تجارية في سوريا، بالإضافة لمن له علاقات مع شخصيات من إدارة العمليات العسكرية وكذلك الشخصيات السياسية”.
وأضاف أن قوات الأمن العام اللبناني أوقفت منح موافقات العبور أو ختم جوازات السفر للذهاب باتجاه سوريا إلا لعدد محدد، معللا ذلك بأن المعبر السوري سوف يأمرهم بالعودة ولن يسمح لهم بالعبور إلى الأراضي السورية.
كما أكد مصدر الجزيرة نت أن قرار فرض القيود على الحدود وضبطها ومنع العبور هو من باب “المعاملة بالمثل”، مضيفا أن “سوريا اليوم بحكومتها الجديدة لم تعد سوريا القديمة، وحق الشعب السوري الذي نال حريته محفوظ، وسيتم الدفاع عن حقوقه وكرامته”.
وأضاف أن الإجراءات التي تتخذها الحكومة في لبنان بحق السوريين العابرين إلى أراضيها “غير مقبولة” بسبب إجبارهم على تقديم كفيل للسماح لهم بالعبور، وللحصول على إقامة فندقية، بالإضافة لتصريف مبلغ مالي كبير.
وكان القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع قد أكد في وقت سابق من خلال اتصال هاتفي مع رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن الأجهزة المعنية قامت بكل ما يلزم لإعادة الهدوء على الحدود، ومنع تجديد ما حصل، وذلك بعد الاشتباكات التي حصلت بين الطرفين.
كما دعا الشرع خلال اتصاله رئيس الحكومة اللبنانية لزيارة سوريا، لبحث الملفات المشتركة وتمتين العلاقات الثنائية، مع التطرق إلى ما تعرض له الجيش اللبناني على الحدود مع سوريا.