عبثية قمم العرب؛ الدوحة تكشف عورة الخذلان لفلسطين والأمة!

عبثية قمم العرب؛ الدوحة تكشف عورة الخذلان لفلسطين والأمة!

عبثية قمم العرب/في زمن يتسارع فيه الزمن السياسي، وتتكدس فيه الوعود الجوفاء كالرمال في الصحراء، تبرز عبثية قمم العرب كرمز للعجز المزمن الذي يصيب الأمة العربية. قمة الدوحة الأخيرة، التي انعقدت في 15 سبتمبر 2025، لم تكن إلا حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الاجتماعات الفارغة، حيث يجتمع القادة ليتبادلوا الخطب الرنانة، ويصدرون بيانات ختامية تذهب أدراج الرياح.

هذه القمة، التي دُعيت إليها طارئاً كرد على هجوم إسرائيلي استهدف قيادات حماس في الدوحة، انتهت بدعوات عامة لإعادة النظر في العلاقات مع إسرائيل وتنديد بالعدوان، لكنها لم تقدم أي خطوات عملية لوقف الإبادة الجماعية في غزة أو دعم المقاومة الفلسطينية. بل إنها كشفت عورة الخذلان العربي، حيث يستمر العدو الصهيوني في عدوانه دون رادع، بينما يقتصر دور العرب على الشجب والإدانة.

عبثية قمم العرب؛ قمم عربية تكرس الخذلان!

تعود جذور عبثية قمم العرب إلى بدايات تأسيس الجامعة العربية نفسها. في عام 1946، عقدت أول قمة عربية في قصر أنشاص بمصر، بدعوة من الملك فاروق، وحضور سبع دول مؤسسة للجامعة.

كانت القمة مخصصة لدعم فلسطين، حيث أكدت عروبة الأرض وخطر الصهيونية، ودعت إلى وقف الهجرة اليهودية ودعم المقاومة الفلسطينية. لكن ما الذي حدث؟ لم يتم تنفيذ أي قرار عملي، وشهدت فلسطين نكبة 1948 دون تدخل عربي فعال، مما يعكس منذ البداية طبيعة هذه القمم كمجرد منابر للكلام.

مع مرور السنين، تكررت هذه العبثية في قمم أخرى. في قمة القاهرة عام 1964، التي حضرها جميع الدول العربية الثلاثة عشر آنذاك، أُنشئت منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، وأُعلن عن خطط لمواجهة التهديد الإسرائيلي. كانت هذه القمة تاريخية على الورق، لكنها لم تمنع هزيمة 1967، حيث احتلت إسرائيل سيناء والجولان والضفة الغربية دون مقاومة جماعية عربية حقيقية.

بل إن القمم اللاحقة، مثل قمة الخرطوم عام 1967، اشتهرت بـ”اللاءات الثلاثة” (لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض)، لكنها سرعان ما تحولت إلى مجرد شعارات، مع توقيع اتفاقيات سلام فردية مثل كامب ديفيد عام 1979.

في العقود اللاحقة، استمرت عبثية قمم العرب في التصعيد. قمة الرياض عام 2007 أعادت تأكيد مبادرة السلام العربية، التي عرضت السلام مقابل الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود 1967 وإقامة دولة فلسطينية.

لكن ما النتيجة؟ تجاهل إسرائيلي كامل، واستمرار الاستيطان، مع عدم وجود آليات تنفيذ عربية. حتى في قمة جدة عام 2023، التي ناقشت الحرب على غزة، انتهت ببيانات تنديد دون خطوات اقتصادية أو عسكرية ملموسة.

وها هي قمة الدوحة 2025 تكرر السيناريو نفسه: اجتماع طارئ يدين العدوان الإسرائيلي على قطر وغزة، ويطالب بوقف إطلاق النار، لكن دون فرض عقوبات أو قطع علاقات دبلوماسية حقيقية. هذه القمم لم تزد فلسطين إلا ضعفاً، ولم تمنع إسرائيل من ارتكاب مجزرة تلو الأخرى، مما يجعلها مصدر خزي وعار للأمة العربية بأكملها.

 كيف تحولت القمم إلى أداة للتطبيع؟

إن عبثية قمم العرب ليست مجرد فشل في التنفيذ، بل هي جزء من نظام يعزز الخذلان. في كل قمة، يتم التأكيد على “مركزية القضية الفلسطينية”، لكن الواقع يظهر عكس ذلك.

ففي الوقت الذي يستمر فيه العدو الصهيوني في عدوانه على غزة، محولاً إياها إلى أرض محروقة، تقتصر ردود الفعل العربية على المساعدات الإنسانية الرمزية أو الدبلوماسية الخجولة. أين الجيوش العربية التي كانت تُعد للدفاع عن فلسطين؟ أين الضغط الاقتصادي على إسرائيل من خلال مقاطعة شاملة أو إغلاق المجالات الجوية؟

بل إن بعض الدول العربية، تحت غطاء هذه القمم، سارعت نحو التطبيع مع إسرائيل، كما في اتفاقيات إبراهيم عام 2020، التي وقعتها دول مثل الإمارات والبحرين، متجاهلة قرارات القمم السابقة. هذا الخذلان ليس مصادفة، بل نتيجة لانقسامات داخلية وتبعية للقوى الغربية، مما يجعل القمم مجرد غطاء للحفاظ على الوضع الراهن.

في قمة الدوحة، على سبيل المثال، تحدث الأمير القطري عن “مواجهة الإسرائيلية”، لكن البيان الختامي اكتفى بدعوات عامة دون التزامات ملزمة، مما يعكس كيف أصبحت هذه الاجتماعات عبثية في جوهرها، تزيد من عزلة فلسطين بدلاً من دعمها.

غير العرب يتولون القضية!

في مقابل هذا الخذلان العربي، يبرز دعم غير العرب للقضية الفلسطينية كدليل على عبثية قمم العرب. إيران، التي غالباً ما تُصنف كخصم للعرب في نظر البعض، أثبتت أنها الأكثر جرأة في مواجهة العدو الصهيوني.

في أبريل 2024، شنت إيران هجوماً بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة على إسرائيل، كرد على اغتيال قادة إيرانيين في دمشق، مما أطلقت عليه عملية “الوعد الصادق”. وتكرر الهجوم في أكتوبر 2024 بأكثر من 250 صاروخاً، مما ألحق أضراراً بقواعد إسرائيلية وأجبر إسرائيل على الدفاع. هذا الدعم العسكري المباشر ليس مجرد كلام، بل فعل يدعم المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن، ويثبت أن غير العرب يمكن أن يكونوا أكثر التزاماً بالقضية من العرب أنفسهم.

أما في أوروبا، فإن دولاً مثل إسبانيا أبدت دعماً سياسياً قوياً. في مايو 2024، اعترفت إسبانيا رسمياً بدولة فلسطين، جنباً إلى جنب مع أيرلندا والنرويج، معتبرة ذلك خطوة نحو حل سياسي عادل. ولم تكتفِ بذلك، بل عقدت في نوفمبر 2024 أول قمة حكومية مع فلسطين في مدريد، لتفعيل الاعتراف وتعزيز التعاون، مع دعوات مستمرة لوقف إطلاق النار وإنهاء الاحتلال.

هذا الاعتراف رفع عدد الدول المعترفة بفلسطين إلى مستويات جديدة، مما يعكس كيف أن دولاً أوروبية، غير معنية تاريخياً بالقضية، أصبحت أكثر فعالية من الجامعة العربية.

كذلك، اسكتلندا، كجزء من المملكة المتحدة، أبدت مواقف متقدمة. في عام 2024، طالب زعيم الحزب القومي الاسكتلندي جون سويني حكومة لندن بالاعتراف الفوري بدولة فلسطين، مع دعم وقف إطلاق النار ووقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل.

وفي يوليو 2025، حثت الحكومة الاسكتلندية رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على التعاون لإجلاء الأطفال المصابين من غزة، مما يظهر دعماً إنسانياً وسياسياً يفوق ما تقدمه بعض الدول العربية. هذه الأمثلة تكشف كيف أن غير العرب، الذين كانوا يُنظر إليهم كغير معنيين، أصبحوا حماة القضية بينما يغرق العرب في عبثيتهم.

نهاية العبث أم استمرار الخزي؟

إن عبثية قمم العرب ليست مجرد ظاهرة سياسية، بل كارثة أخلاقية تعمق جرح فلسطين وتزيد من عار الأمة. قمة الدوحة، كغيرها، كشفت أن هذه الاجتماعات أصبحت أداة للتمويه على الخذلان، بينما يتولى غير العرب مثل إيران واسبانيا واسكتلندا دور الداعم الحقيقي. إذا أرادت الأمة العربية استعادة كرامتها، يجب أن تتجاوز هذه القمم العبثية نحو اتحاد حقيقي يعتمد على الفعل لا الكلام، وإلا ستبقى فلسطين تنزف وحدها، والعرب يشاهدون في صمت مذل.

المصدر: رأي الخليج