انسحاب تحالف دول الساحل من إيكواس.. الجذور والتحديات والمآلات
في خطوة متوقعة أعلن “تحالف دول الساحل” الذي يضم كلا من مالي وبوركينا فاسو والنيجر الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي تضم 15 عضوا من بلدان غرب أفريقيا.
وفي البيان المشترك الذي صدر عن الدول الثلاث، فإن الانسحاب جاء نتيجة لخضوع المنظمة لتأثير بعض القوى الأجنبية التي تعمل ضد أهداف المجموعة ومبادئها العظيمة التي تأسست من أجلها.
جذور الأزمة
ويرجع توتر العلاقة بين “تحالف دول الساحل” ومنظمة إيكواس إلى أزمات الانقلاب التي عرفتها مالي عام 2020، وبوركينا فاسو عام 2022 والنيجر عام 2023.
وبعد أن حدّد المجلس العسكري في باماكو فترة انتقالية مدتها 5 سنوات، قررت إيكواس بعد قمة العاصمة الغانية أكرا في يناير/كانون الثاني عام 2022، إغلاق الحدود مع مالي وتجميد أصولها المالية في البنوك التابعة لها، واستدعاء سفراء الدول الأعضاء من باماكو.
وبعد انقلاب النيجر عام 2023 قالت إيكواس إنها ستتدخل عسكريا من أجل استعادة السلطة، وفرضت حصارا اقتصاديا موسّعا على نيامي، لكن مالي وبوركينا فاسو أعلنتا أن أي تدخل عسكري في النيجر يعتبر عدوانا عليهما وسيدفعهما لخوض الحرب ضد القوة المشتركة لإيكواس.
ولاحقا شكّلت هذه الدول تحالفا جديدا أطلق عليه (تحالف دول الساحل) ومن أهدافه الأساسية التضامن العسكري والوقوف في وجه تهديدات المنظمة الغرب أفريقية.
حلقة في سلسلة
وفي حديث للجزيرة نت قال الكاتب والمحلل السياسي الحسن ولد حمود إن انسحاب الدول الثلاث من المنظمة يشكل حلقة من سلسلة الأحداث التي بدأت تتطور منذ عام 2021، وأبرزها تحالف الانقلابيين في منطقة الساحل الذي جاء نتيجة للعقوبات الاقتصادية التي تم تخفيفها على مالي وبوركينا فاسو، وكان مبرمجا تخفيفها على النيجر في الفترة المقبلة.
وأضاف ولد حمود أن هذه الخطوة جاءت في السياق السياسي الإقليمي الذي يتميز بالقرب من روسيا والصين والابتعاد عن فرنسا وأوروبا ككل.
وسبق لهذه الدول أن انسحبت من مجموعة دول الساحل الخمس التي تأسست عام 2014 برعاية فرنسية وأوروبية بهدف محاربة الإرهاب في الساحل.
ويرى ولد حمود أن الانسحاب من المجموعة له أهداف سياسية خارجية تتمثل في تعزيز الوجود الروسي في المنطقة، وأهداف داخلية أهمها رفع الرصيد الشعبي من خلال اللعب على وتر الخطاب السياسي الشعبي المناهض للنفوذ الغربي.
أما الباحث المختص في الشأن الأفريقي حمدي جوارا فيرى أن انسحاب الدول الثلاث من إيكواس بعد 49 عاما من العمل المشترك جاء نتيجة لخروج المنظمة عن مسارها التضامني والتعاوني إلى أداة تستغلها بعض الدول للتضييق على دول أخرى.
وقال جوارا في حديث للجزيرة نت إن الدول الأعضاء المنسحبة لاحظت عدم فاعلية المنظمة في الحرب على الإرهاب منذ 10 سنوات إذ لم تستطع صناعة أي فارق، بينما تشعر هذه الدول أنها فعلت الكثير في ظرف عامين فقط.
تحديات
وتواجه دول الساحل الثلاث تحديات الإرهاب والجماعات الانفصالية والجريمة المنظمة، وحسب توقّعات الأمم المتحدة فإن انعدام الأمن في منطقة الساحل بلغ ذروته، ويحول دون وصول المساعدات الإنسانية إلى النازحين.
ومنذ عام 2017 تضاعفت الحركات المسلحة في منطقة الساحل والصحراء إلى 7 أضعاف، وأصبحت المنطقة بؤرة لعدم الاستقرار والتوتّر، وساحة للصراع بين الحركات الإرهابية التي تجد في الصحراء الشاسعة مكانا منسابا للتمدد.
ويقول الكاتب الحسين ولد حمود إن هذا القرار ستكون له تداعيات كبيرة، لأن تفكيك التعاون الاقتصادي والأمني الذي كان قائما -رغم هشاشته- سيفاقم من مشاكل الإرهاب والجريمة المنظمة، ويزيد من تدهور الأحوال الاقتصادية والاجتماعية.
وكان برنامج الأغذية العالمي قد حذر في أبريل/نيسان عام 2023 من انعدام الأمن الغذائي في مالي والنيجر، وقال إن 45 ألف شخص سيصلون إلى مستويات الجوع الخطيرة.
وتزيد خطورة الوضع الاقتصادي على هذه الدول كونها غير ساحلية وتعتمد على موانئ الدول الأعضاء في منظمة إيكواس، كما سيشل من حركة التجارة والإعفاءات الضريبية مع الدول الأعضاء في المنظمة.
كما أن الخروج من المجموعة سيشكل عائقا أمام حركة المواطنين وتنقلهم إلى دول أخرى بغرب أفريقيا بسبب الخروج من نظام المرور دون التأشيرات.
مآلات
وسبق لدول تحالف الساحل أن انسحبت من “مجموعة دول الساحل الخمس”، إذ انسحبت مالي في مايو/أيار 2022، وأعلنت النيجر وبوركينا فاسو انسحابهما عبر بيان مشترك في ديسمبر/كانون الأول 2023.
وبعد أزمة النيجر وتصريح إيكواس بخيار التدخل العسكري، لوّح قائد الانقلاب في بوركينا فاسو بإمكانية الانسحاب من المنظمة، حيث اعتبرها تخدم أجندات بعض الدول الخارجية في إشارة إلى فرنسا.
وتعتبر الدول الثلاث من الدول الرئيسية التي شكّلت المنظمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا عام 1975، ومن شأن الخروج منها أن يفتح الباب أمام بعض الدول الأخرى التي ترى أن المنظمة مختطفة من قبل نيجيريا التي تمثل 60% من ناتجها المحلي، و50% من أراضيها.
وتبلغ المساحة الإجمالية للكتلة الاقتصادية 5 ملايين كيلومتر مربع أي 17% من مساحة قارة أفريقيا، ويبلغ سكان الدول الأعضاء في المجموعة 350 مليون نسمة حسب إحصاءات 2021.
ويرى مراقبون أن إيكواس رغم ما تملكه من صلاحيات قانونية عن طريق المواثيق بشأن الوقوف في وجه الانقلابات فإنها فشلت -بسبب الخلاف بين أعضائها- في اتخاذ رأي موحد إزاء انقلابي النيجر وبوركينا فاسو، وليس أمامها إلا التخفيف من نبرة التهديد وإلغاء العقوبات الاقتصادية التي تنعكس على الشعوب فقط.
تلطف في الخطاب
ويقول الباحث حمدي جوارا إن المنظمة من خلال بيانها الأول في الرد على انسحاب الدول الثلاث الأعضاء بدأت في تلطيف خطابها، ولم يعد أمامها إلا الابتعاد عن التهديد والمواجهة والحرب.
وفور انسحاب الدول الواقعة في قلب منطقة الساحل، أصدرت إيكواس بيانا قالت فيه إن النيجر ومالي وبوركينا فاسو من أهم الأعضاء، ولا بد من العمل من أجل إيجاد حل للأزمة.
ووصفت المنظمة، في بيانها، ما حدث بـ”المأزق السياسي” الذي يستدعي المواكبة والعمل السريع من أجل تجاوزه.
وينص ميثاق التأسيس على أن أي دولة ترغب في الانسحاب عليها أن تبلغ مكتب المجموعة بذلك خطيا خلال عام، وتبقى ملتزمة للأوامر طيلة السنة، لكن الدول المنسحبة أصدرت قرار المغادرة بأثر فوري.
يذكر أن مجموعة إيكواس تأسّست بهدف الاندماج الاقتصادي كمدخل للتكامل الأمني والسياسي. وخلال مسارها الذي يمتد لـ49 عاما قامت بتدخلات عسكرية في توغو عام 2005، وغينيا بيساو عام 2012، وغامبيا عام 2017.