الجولة الثانية.. هذه وعود الأحزاب الفرنسية حول الهجرة والمسلمين
باريس– بعد أشهر قليلة من التصويت على قانون الهجرة المثير للجدل، كان من المتوقع أن تحتل قضية المهاجرين جزءا مهما من برامج الكتل السياسية الثلاث في الانتخابات التشريعية المبكرة في فرنسا.
وعند التمعن في تفاصيل مقترحاتها، لا يجد الخبراء تغييرات كبيرة في مواقفها السابقة أو التدابير الجديدة التي ترغب في العمل عليها بعد الإعلان المرتقب عن نتائج الجولة الثانية للانتخابات يوم الأحد السابع من يوليو/تموز الجاري.
ورغم تضاؤل فرص فوز اليمين المتطرف بالأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية، لا يزال مسلمو فرنسا يشعرون بالقلق خوفا من أن يكونوا أول ضحاياه.
وفيما يلي لمحة عامة عن المقترحات الرئيسية لليمين المتطرف والتحالف اليساري والمعسكر الرئاسي في هذه الانتخابات حول ملفي الهجرة والمسلمين.
اليمين المتطرف
لم يُخف جوردان بارديلا تركيزه على اتخاذ إجراءات طارئة بشأن الأمن والهجرة حال وصوله إلى منصب رئيس الوزراء خلال الأسابيع الأولى من أجل “إنقاذ الشعب الفرنسي من غمرة الهجرة” والعمل على قانون يهدف إلى “محاربة الأيديولوجيات الإسلامية وجميع شبكاتها على الأراضي الوطنية”، على حد قوله.
وفي هذا السياق، يقترح زعيم التجمع الوطني اليميني المتطرف مشروع قانون يلغي جميع الإعفاءات التي تحول دون طرد الأجانب “الجانحين” (يقصد المتطرفين) و”الإسلاميين”، وإعادة العمل بتجريم الإقامة غير القانونية الذي أزاله الرئيس السابق فرانسوا هولاند من قبل.
وينص برنامج الحزب على “الأولوية الوطنية” في الوصول إلى السكن الاجتماعي والتوظيف حيث أكد بارديلا، خلال مؤتمر صحفي، أن “المناصب الأكثر إستراتيجية في الدولة ستكون مخصصة للمواطنين الفرنسيين”، مشيرا إلى أن هذا القرار سيتعلق بالمواطنين مزدوجي الجنسية أيضا.
كما يريد اليمين المتطرف أن يستفيد الفرنسيون حصرا من المساعدة الاجتماعية وجعل الوصول إلى المزايا الاجتماعية غير القائمة على الاشتراكات، مثل الدخل التضامني النشط (RSA)، مشروطا بـ5 سنوات من العمل في فرنسا.
كما يدعو حزب مارين لوبان إلى إنشاء “حدود مزدوجة” من خلال فتح مفاوضات مع الشركاء الأوروبيين تهدف إلى الاحتفاظ بحرية حركة “شنغن” للمواطنين الأوروبيين فقط وتشديد العقوبات على أصحاب العمل الذين يعملون بشكل غير قانوني.
التحالف اليساري
يعتبر إلغاء قانون الهجرة الذي تم إقراره بداية العام من أولويات “الجبهة الوطنية الشعبية الجديدة” من أجل ضمان “استقبال كريم” للأجانب عبر الوصول الشامل إلى الرعاية الطبية الحكومية (AME)، فضلا عن إنشاء أماكن إيواء طارئة تعمل على تقديم ترحيب غير مشروط وإيواء المشردين في أماكن الإقامة الفارغة في حالات الطوارئ.
ولتسهيل العمل بهذا البرنامج، وعد التحالف اليساري، المؤلف من حزب “فرنسا الأبية” و”الحزب الاشتراكي” و”حزب البيئة” والشيوعيين، بإلغاء قوانين اللجوء والهجرة لعامي 2018 و2023 في أسرع وقت ممكن، فضلا عن السماح لطالبي اللجوء بالعمل، ووضع حالة النزوح المناخي حيز التنفيذ، وتسهيل الحصول على الجنسية الفرنسية.
كما يعتزم اليسار مراجعة “الميثاق الأوروبي بشأن الهجرة واللجوء” الذي اعتمده مجلس الاتحاد الأوروبي في 14 مايو/أيار الماضي، وإنشاء طرق هجرة قانونية وآمنة إلى فرنسا، ومنح جميع الأطفال المولودين في فرنسا حقوقهم كاملة.
أما فيما يتعلق بمسألة العلمانية، فيركز التحالف في برنامجه الانتخابي على مكافحة كافة أشكال الطائفية والأصولية والهجمات على حظر ارتداء الرموز الدينية في المدارس والاستخدام السياسي للأديان، فضلا عن الدعوة إلى ملاحقة ومعاقبة مرتكبي التعليقات أو الأفعال العنصرية والمعادية للإسلام و”المعادية للسامية”.
الائتلاف الرئاسي
وكعادته، ربط الائتلاف الرئاسي ملف الهجرة مع القضايا المتعلقة بانعدام الأمن. ففي مؤتمر صحفي يوم 12 يونيو/حزيران، تطرق الرئيس إيمانويل ماكرون إلى ما وصفه بـ”القلق الوجودي” و”الشعور بالحرمان”، مؤكدا على ضرورة مواصلة العمل من أجل أكبر قدر من الأمن والمزيد من الحزم وتنفيذ القوانين التي تم إقرارها للحد من الهجرة غير النظامية.
ولا يزال المعسكر الرئاسي، الذي يضم حزب النهضة والحركة الديمقراطية وحزب آفاق واتحاد الديمقراطيين المستقلين، يتشبث ببعض الإجراءات التي كشف عنها سابقا، بما في ذلك منح تصاريح الإقامة بشروط معينة مثل إتقان اللغة الفرنسية واحترام القيم الجمهورية وتنظيم المهاجرين غير النظاميين الذين يعملون في المهن التي تعاني من النقص.
علاوة على ذلك، يشدد رئيس الجمهورية على تعزيز الرقابة على “القاصرين غير المصحوبين” لأنهم يشكلون “مشكلة أمنية”، فضلا عن طرد “أي أجنبي متطرف يمثل تهديدا للنظام العام من التراب الوطني”. ويذكر أنه تم طرد 12 ألف شخص منذ عام 2012، وفق تصريحات سابقة لرئيس الوزراء غابرييل أتال.
وبفضل الإصلاح الأوروبي لقانون الهجرة الأخير، يأمل ماكرون في فتح مراكز احتجاز على الحدود الخارجية لأوروبا من أجل فحص وضع المهاجرين قبل وصولهم إلى الأراضي الفرنسية، مؤكدا الاستمرار في “الترحيب بالباحثين والأطباء والطلاب ذوي الكفاءات العالية والعمال المؤهلين الذين يحتاجهم نسيجنا الاقتصادي”.
وبعد الحل المفاجئ لمجلس الأمة، قال الرئيس الفرنسي إنه يريد فتح “نقاش كبير حول العلمانية”، مشيرا في الوقت ذاته أن “الجمهورية يجب أن تحترم جميع الأديان”.
وأعرب عن “الشعور بأن العلمانية لا يتم تطبيقها بشكل جيد في بعض الأحيان، وأننا لسنا في مأمن وعلينا ـكما فعل الرئيس الراحل جاك شيراك قبل 20 عاماـ فتح نقاش سلمي كبير حول العلمانية”.