أيهما تختار طهران.. إحياء الاتفاق النووي مع أميركا أم التحالف الإستراتيجي مع روسيا؟
طهران- في الذكرى الأولى لتولي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مقاليد الحكم، تبدي حكومته عزمها عقد تحالفات إستراتيجية مع القوى الشرقية، إلا أنها تصطدم بمعارضة الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة التي حذرتها من خطر ما سمته “التبعية لموسكو”.
وأعلنت الحكومة الإيرانية الحالية، منذ تشكلها، أنها لن ترهن اقتصاد البلاد بنتيجة المفاوضات الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي، وأنها ماضية في تعزيز علاقاتها مع دول الجوار، كما وقعت على اتفاقية تعاون تجاري وإستراتيجي مع الصين مدتها 25 عاما.
وتزامنا مع زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى العاصمة طهران، حيث تضع طهران وموسكو النقاط على حروف اتفاقية تعاون إستراتيجي شاملة لمدة 20 أو 25 سنة، وجهت واشنطن تحذيرا لطهران معتبرة أنها تخاطر بأن تصبح في نوع من “التبعية النسبية لدولة مثل روسيا”.
تضارب مصالح
ونشرت الولايات المتحدة مؤخرا معلومات استخبارية عن زيارة مسؤولين روس لإيران مرتين على الأقل هذا الصيف، وذلك في إطار تفقد طائرات مسيّرة قتالية تعتزم طهران تزويد الجيش الروسي بها، وهو ما نفته طهران إلا أنها أكدت في الوقت نفسه أن التعاون بينهما في مجال التقنيات الحديثة يعود إلى ما قبل الحرب الأوكرانية.
ويرى مراقبون في إيران أن التنافس الروسي الأميركي يلقي بظلاله على سياسة بلادهم الخارجية، حيث أصبح تحالف طهران مع موسكو يزعج واشنطن، كما أن مطالبة روسيا مارس/آذار الماضي بضمان تجارتها مع إيران جاءت في سياق التنافس مع التكتل الغربي، وقد عرّضت الاتفاق النووي شبه المكتمل للانهيار.
وعلى ضوء تضارب المصالح الروسية الأميركية في التعامل مع طهران، وعما إذا كانت الأخيرة ستضحي بالاتفاق النووي لصالح توجهها شرقا، ناقشت الجزيرة نت محلليْن سياسييْن اتفقا على أن طهران أضحت تثق بالجانب الروسي أكثر من منافسه الغربي، إلا أنهما اختلفا بشأن سياستها النووية.
فمن جانبه، يصف السفير الإيراني الأسبق لدى الأردن ولبنان، أحمد دستمالجيان، سياسة بلاده بأنها مستقلة لا تميل إلى الشرق ولا الغرب، وفق دستورها وشعار ثورتها القائل “لا شرقية ولا غربية جمهورية إسلامية”، مستدركا أن السياسات الغربية هي التي دفعت بطهران نحو بعض الدول الشرقية، ومنها الصين وروسيا.
التوجه شرقا
ويقول الدبلوماسي الإيراني السابق، في حديثه للجزيرة نت، إن بلاده تتمتع بموقع جيوإستراتيجي مميز جعل القوى العالمية تتنافس على التقرب منها على مر العصور، معتبرا أن التنافس الروسي الأميركي على استقطاب طهران نابع من التطورات الدولية الأخيرة والنظام العالمي الآخذ في التغيير.
وأشار إلى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم بين إيران والمجموعة السداسية، معتبرا أن القوى الغربية لم تستوعب مكانة طهران في المنطقة وأنها خسرت نسبيا فرصة التعامل معها جراء اتخاذ سياسات عدائية ضدها.
وحسب الدبلوماسي الإيراني، فإن طهران ترجح في الوقت الراهن كفة الاقتراب من الروس في ميزان علاقاتها مع القوى الغربية والشرقية، مؤكدا أن سياسة بلاده النووية لا تتأثر بعلاقاتها الخارجية، وأن المفاوضات النووية ستستمر لضمان المصالح الوطنية.
طريق مسدود
في السياق، يرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الشهيد بهشتي، علي بيكدلي، أن رجال الدين في بلاده يميلون نحو الشرق منذ ما قبل انتصار الثورة الإيرانية، وأن مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني كان قد خص الروس من دون غيرهم، وبعث وفدا إلى رئيس الاتحاد السوفياتي، ميخائيل غورباتشوف، مما يدل على أن السياسة الإيرانية تفضل التعامل مع الشرق، لا سيما الروس، على حساب الدول الغربية.
واعتبر بيكدلي، في حديثه للجزيرة نت، أن موسكو أخذت الاتفاق النووي رهينة في سياق تنافسها مع الولايات المتحدة، موضحا أن مواقف بلاده أصبحت لا تشجع على إحياء الاتفاق النووي، لا سيما عقب زيارة الرئيس بوتين الأخيرة ولقائه المرشد الأعلى علي خامنئي في طهران.
وأشار إلى المواقف الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بشأن وجود مسودة اتفاق نووي مكتملة بنسبة 96%، قائلا إن الشروط التي تضعها إيران لإحياء الاتفاق النووي، ومنها شطب الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأميركية، ستعرقل أي مفاوضات لحل القضايا الشائكة.
وعن دوافع القرار الإيراني في اختيار التحالف مع روسيا على حساب إحياء الاتفاق النووي مع القوى الغربية، قال بيكدلي إن استمرار عملية تخصيب اليورانيوم في إيران، وحاجة الغرب إلى الطاقة، والتنسيق بين الإيرانيين والروس، جعل طهران تظن أن الرياح تجري لصالحها.
ورأى الأكاديمي الإيراني أن المفاوضات النووية قد بلغت طريقا مسدودا، وأن كلا من الجانبين الإيراني والأميركي يتهربان من تحمل مسؤولية انهيار العملية التفاوضية، محذرا من تفويت فرصة إحياء الاتفاق النووي والإضرار بمصالح الشعب الإيراني.