الاخبار العاجلةسياسة

مصر تدرس سيناريوهات فيضان النيل.. تساؤلات عن مستقبل المفاوضات مع الملء الثالث لسد النهضة

القاهرة – في تحرك لافت لمواجهة تداعيات الملء الثالث لخزان سد النهضة الإثيوبي، عقدت وزارة الري المصرية اجتماعا الاثنين الماضي؛ لبحث سيناريوهات فيضان نهر النيل، والاستمرار في رفع درجة الاستعداد المائي. وجاء الاجتماع بعد إخطار أديس أبابا القاهرة ببدء عملية الملء، وتحرك الخارجية المصرية نحو مجلس الأمن الدولي اعتراضا على ذلك.

فما السيناريوهات المطروحة للتعامل مع تداعيات الملء هذه المرة، وهل الخيارات الدبلوماسية والفنية كافية لتجنب الآثار السلبية المحتملة؟

على خلاف عمليتي الملء السابقتين، يبدو الموقف المصري الرسمي هادئا إلى حد ما هذه المرة، ما يعزز فرضية ضيق الخيارات في التعاطي مع الأزمة، وحاجة مصر إلى سياسات أخرى عملية على المسارين الفني والدبلوماسي، وإن كان الأخير يرتبط باعتبارات إقليمية ودولية أبرزها تغير واختلال توازنات القوى كنتيجة للحرب الأوكرانية، وفق مراقبين.

وفي غضون ذلك، لا تتوقع القاهرة أضرارا كبيرة من عملية الملء الثالث، لاعتبارات مرتبطة بحجم المياه التي تسعى إثيوبيا إلى تخزينها، أو ما يثار عن رصد دراسة -أعدها فريق بحثي ضم وزير الري المصري محمد عبد العاطي- وجود هبوط في موقع السد تهدد بانهياره.

مجلس الأمن

ولا تزال مصر متمسكة بالمسار الدبلوماسي، وتحاول الحفاظ على الزخم وتسليط الضوء على ملف السد في المحافل الدولية والإقليمية، مع تأكيدها في أكثر من مناسبة التزامها بالحلول السلمية، وإن كانت التصريحات الرسمية تشدد على أن ملف المياه “خط أحمر”.

ويبدو لافتا في التحرك الثالث نحو مجلس الأمن، تأكيد القاهرة على أنها “تحتفظ بحقها الشرعي المكفول في ميثاق الأمم المتحدة، باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان وحماية أمنها القومي إزاء أي مخاطر قد تتسبب بها مستقبلا الإجراءات الأحادية الإثيوبية”.

وسبق أن اتجهت القاهرة مرتين إلى مجلس الأمن، بخلاف وساطات دولية قدمتها واشنطن والاتحاد الأوروبي ونظيره الأفريقي، جميعها لم تحدث اختراقا.

وبالتزامن مع الإجراءات الحكومية لتقليل هدر المياه كمشاريع تبطين الترع وتحلية المياه، اتفق مراقبون على أن خيارات مصر تجاه الملء الثالث تبدو محدودة، خاصة على المستوى الدبلوماسي، وسط توقعات بأن يتبنى مجلس الأمن باهتمام أكبر هذه المرة ملف السد، خلافا لطرح مقترحات بشراء المياه من إثيوبيا، والتي لاقت هجوما وتحذيرات حول تداعياتها.

تناول جزئي

تشير مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية (حكومي)، أماني الطويل، إلى أن الخيارات المصرية حتى هذه اللحظة، محصورة في الجهد الدبلوماسي، وفي إطار تصعيد الأزمة مرة أخرى على المستوى الدولي، موضحة أن خطاب مجلس الأمن يأتي في هذا السياق، إضافة إلى طرح الموضوع على القوى الدولية كما حدث خلال زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للقاهرة مؤخرا.

وفي حديث للجزيرة نت، قالت أماني الطويل إن التناول المصري للأزمة يبقى تناولا جزئيا، بحيث كل رد فعل يقاس بطبيعة المرحلة الموجودة المرتبطة بأداء الحكومة الإثيوبية.

وأضافت أن حجم الملء الثالث والذي لن يزيد على 3 مليارات متر مكعب، ومجموع الملء حتى الآن 14 مليارا ضعيف، وجرى احتواؤه في مصر، إضافة إلى تأخر الأجندة الزمنية لبناء السد إلى حد كبير عن الخطط الموضوعة، بما يعبر عن طبيعة الأزمات الداخلية التي تعاني منها إثيوبيا.

ما سبق يجعل النظام الإثيوبي، وفق الخبيرة في الشؤون الأفريقية، منهمكا في مشاكله الداخلية، بما يجعل أداءه تجاه مصر أقل عدوانية، وبالتالي فإن القاهرة تحاول احتواء الموقف حتى هذه اللحظة لضيق خياراتها.

وفيما يتعلق بالتوجه إلى مجلس الأمن للمرة الثالثة، قالت أماني إن المناخ الدولي تغير وتوازنات القوى اختلت كنتيجة للحرب الأوكرانية، وبالتالي تداول ملف السد في هذه المرة قد يكون مختلفا.

اقرأ ايضاً
ما رسائل حميدتي في جولته الأفريقية؟

وشددت على أن تأكيد مصر الدائم على تهديدات وجودية في ملف السد لأمنها المائي وارتباطه بأمنها القومي، كما جاء في بيان الخارجية المصرية الموجه للمجلس، “له مدلولاته في السياق الإقليمي والدولي”.

التحرك الدولي

في سياق غير بعيد، رأى ضياء الدين القوصي مستشار وزير الري المصري الأسبق، أن بلاده ليس أمامها سوى التوجه إلى مجلس الأمن لضيق الخيارات والحلول.

وفي تصريحات للجزيرة نت، قال القوصي إنه من المتوقع والمأمول والمتاح هذه المرة إحالة المجلس لملف السد إلى محكمة العدل الدولية أو التحكيم الدولي؛ حيث من غير المعقول أن يحيله من جديد إلى الاتحاد الأفريقي الذي فشل لسنوات في التوصل لحلول تفاوضية تحفظ الحقوق المصرية في مياه النيل، بما قد يؤسس لمرحلة جديدة في النزاعات الدولية بشأن الأنهار الدولية والعابرة للحدود.

ولم يقدم الاتحاد الأفريقي حلا حتى بعد تولي السنغال -خلفا للكونغو الديمقراطية، في فبراير/شباط الماضي- رئاسة الاتحاد، ولم يعقد أي اجتماع للدول المعنية بالأزمة.

بيع المياه

ومن السيناريوهات المطروحة لحل الأزمة، أن يتم تعويض كمية المياه التي ستفقدها مصر، عبر شرائها من إثيوبيا بثمن قليل لفترة مؤقتة تدفعه الإمارات قد تمتد من 10 إلى 20 سنة، على أن يتم بعدها الاتفاق على أسعار جديدة، حسبما أفاد العضو السابق بالوفد السوداني في مفاوضات سد النهضة أحمد المفتي.

وأشار المفتي، إلى أنه لو كانت مياه النيل مياها داخلية، لكان ذلك الاقتراح منطقيا، ولكنها مياه مشتركة؛ لذلك فإن لكل من السودان ومصر حصة منها يعترف بها القانون الدولي.

وعبر صفحته بموقع التواصل فيسبوك، حذّر الخبير السوداني من أن قبول السودان أو مصر لاقتراح البيع، سوف يعتبر تنازلا عن حقوق كل منها المائية، لأن القانون الدولي لا يمنع التنازل عن الحقوق أيًّا كانت طبيعتها.

وتعقيبا على ذلك، اعتبر وزير الري المصري الأسبق محمد نصر الدين علام، ما ذكره المفتي “إشاعة إثيوبية”، قائلا إن أي مسؤول لا يجرؤ على أن يتحدث عن إمكانية التنازل عن نقطة مياه واحدة من الحصة المائية، وذلك عبر صفحته بموقع التواصل فيسبوك.

وفيما لم يتسن الحصول على تعقيب رسمي من الأطراف المعنية بشأن ما ذكره المفتي، دعت البعثة الدائمة للإمارات لدى الأمم المتحدة -العضو العربي الوحيد بمجلس الأمن- الثلاثاء، مصر والسودان وإثيوبيا إلى التفاوض بحسن نية بشأن السد.

وهو ما انتقده بعض نشطاء مواقع التواصل، معتبرين أن دولة الإمارات كان يجب أن تنحاز للحقوق المصرية، لا أن تقف كطرف محايد في أزمة تهدد أمن مصر المائي.

التبطين ومعالجة المياه

من أبرز التأثيرات السلبية المحتملة للسد الإثيوبي على حصة مصر من مياه النيل الثابتة، ارتفاع نسبة الفقر المائي، حيث لا يتجاوز نصيب الفرد من المياه في مصر، حسب تقديرات حكومية، إلى ما يساوي 550 أو 580 مترا مكعبا سنويًّا، بينما عرّفت الأمم المتحدة الفقر المائي بأنه ألف متر مكعب للفرد سنويا.

ومع تعقد المفاوضات اتجهت مصر إلى معالجة مياه البحار وتبطين الترع، ضمن إستراتيجية لتنمية الموارد المائية، كانت قد أعلنت عنها وزارة الري أواخر 2016.

وتستهدف الإستراتيجية تحقيق الأمن المائي عبر 4 محاور رئيسية؛ هي: تنمية الموارد المائية، وترشيد الاستخدامات المائية وتعظيم العائد من المياه المستهلكة، وتحسين نوعية المياه، إضافة لتهيئة البيئة المناسبة للإدارة المتكاملة للموارد المائية.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى