الاخبار العاجلةسياسة

بعد ليلة ساخنة من الاحتجاجات.. الجزيرة نت ترصد الأوضاع في “دوار هيشر” بضواحي العاصمة التونسية

تونس- يخيّم هدوء رخو ممزوج بحالة من الترقب الحذر على منطقة دوار هيشر الفقيرة والمحاذية لعدد من الأحياء الشعبية المهمشة قرب العاصمة تونس؛ بعد ليلة ساخنة من الاحتجاجات أضرم فيها أهالي المنطقة إطارات السيارات احتجاجا على الأوضاع المعيشية الصعبة، بينما زار وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي المنطقة لاحتواء الأزمة.

لا تبعد منطقة دوار هيشر المزدحمة بالمساكن الشعبية الضيقة والمتراصة سوى بضع دقائق عن قلب العاصمة تونس، بيد أنها تعدّ من أفقر الأحياء الشعبية وأكثرها اكتظاظا، وترتفع فيها معدلات البطالة والفقر ولا تشغل المنطقة الصناعية اليتيمة بها سوى عدد قليل من اليد العاملة أغلبهم نساء.

تنتشر هناك في الشوارع الضيقة مقاه شعبية بائسة تغصّ بالعاطلين عن العمل، ووسط الطريق يجول باعة الخضار والغلال بعرباتهم البسيطة بحثا عن أرزاقهم، ويعجّ الطريق بسيارات النقل الجماعي الصفراء الباهتة والشاحنات المهترئة الممتلئة بأكوام كبيرة من فضلات قوارير البلاستيك.

هيثم الغضبان يعمل في طلاء السيارات/دوار هيشر/قرب العاصمة/سبتمبر/أيلول 2022 (خاصة)
سهيل الغضبان: حياة الناس بائسة في دوار هيشر بسبب ارتفاع الأسعار (الجزيرة)

حياة صعبة

ليس بعيدا عن مقر بلدية دوار هيشر حيث انطلقت الاحتجاجات الأحد ليلا للمطالبة بتحسين الأوضاع المتردية وإيجاد حل لمعضلة البطالة الجاثمة على حياة الناس، يقف البائع الهادي اللواتي، في عقده التاسع، منهكا أمام عربته حيث يمر الوقت ثقيلا من دون حركة نشيطة من الزبائن.

هذا الرجل أنهكه الزمن؛ فهو لا يملك بطاقة علاج ولا راتبا تقاعديا بحكم عمله بائعا جائلا منذ عقود طويلة من دون أن ينخرط بمفرده بالضمان الاجتماعي. ومع ازدياد الأوضاع قتامة وغلاء المعيشة، يجد نفسه مرهقا وحائرا رغم أن له 9 أولاد منهم 3 بنات غير متزوجات في كفالته.

يقول بلطف -للجزيرة نت- إن حياة الناس في دوار هيشر بائسة بسبب ارتفاع الأسعار وغياب أي مراقبة من الدولة، وهذا ما دفع الأهالي -وفق رأيه- نساء وشيوخا وشبابا إلى التظاهر ليل الأحد. وبيّن أن تدهور المقدرة الشرائية للناس انعكس بالسوء على حاله، فهو يبيع التفاح بدولار فقط للكيلو غرام، لكن الكساد يسود.

يقضم الرجل من تفاحة محدقا في المترجّلين بينما تنبعث في المكان موسيقى الراب المتمردة من أحد المحالّ التجارية. يقول العم الهادي إن الأوضاع تنذر بقدوم الأسوأ نتيجة استفحال البطالة والفقر والشعور باليأس، ولكنه يؤكد أنه سيواصل الاسترزاق بعرق جبينه كادحا ضد شقاء الأوضاع.

 

 

غضب عارم

بدوره، يعيش سهيل الغضبان (51 عاما) وضعية هشة في منطقة دوار هيشر، حيث يعمل منذ 3 عقود في طلاء السيارات. ورغم اكتسابه المهارة والتجربة، لا يملك إلى اليوم ورشة بحكم عدم قدرته على مجابهة النفقات بخاصة الإيجار، لكنه في المقابل يعمل بشكل مستقل مع بعض الزبائن الذين يعرفونه.

وبالعودة إلى الاحتجاجات المتفجرة في منطقته، يقول الغضبان -للجزيرة نت- إنها احتجاجات مشروعة للتعبير عن حالة الغضب العارمة في صفوف الناس الذي ضاقوا ذرعا من غلاء المعيشة، وانعدام الإصلاح، وتفاقم الفقر والبطالة، وانتشار ظاهرة الهجرة غير النظامية في صفوف الشباب الفاقد للأمل.

يؤكد هذا الرجل أنه أصبح يفكر في البحث عن عمل في الحراسة براتب ثابت فذلك أفضل من البقاء بمهنته، مبيّنا أنه لم يعد قادرا على الصبر للحصول على تمويل لإطلاق ورشته الخاصة بسبب ثقل البيروقراطية وطول الإجراءات وكثرة الوثائق من دون جدوى، ويرى أن النظام الحالي عاجز عن إصلاح هذا الوضع.

انفجار احتجاجي

من جانب آخر، يقول رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الرحمن الهذيلي -للجزيرة نت- إن الاحتجاجات الراهنة كان انفجارها متوقعا، بخاصة في المناطق التي ترزح أكثر تحت الفقر والبطالة، منتقدا أداء الرئيس قيس سعيّد والحكومة بسب ما عدّه تهميشا للملف الاقتصادي والاجتماعي.

ويضيف أن السلطة ينطبق عليها مقولة “شاهد ما شفش حاجة” بسبب غياب أي برامج أو حلول تجاه ما تتخبط فيه البلاد من أزمات، مرجحا أن تشهد البلاد في الشهر المقبل بداية تصاعد للتحركات الاحتجاجية العشوائية، بالتوازي مع تفاقم الهجرة غير النظامية كشكل من الأشكال الرافضة للوضع.

وبقطع النظر عما حدث في منطقة دوار هيشر بالعاصمة، شهدت كذلك منطقة مرناق غير البعيدة احتجاجات من قبل متظاهرين قطعوا الطريق ودخلوا في اشتباكات مع الشرطة. وتأتي هذه التحركات احتجاجا من قبل شبان المنطقة على البطالة، بعد انتحار بائع متجول شاب قيل إنه تعرض للتضييق من الشرطة.

 

 

ويرى القيادي بحركة النهضة سامي طريقي أن السياسة المتبعة من قبل الرئيس قيس سعيّد وحكومته خارجة عن المقتضيات الضرورية التي تمكن من الخروج من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، معتبرا أن السلطة فشلت فشلا ذريعا في التحكم في مسالك التوزيع والغلاء وتوفير السلع الأساسية كحد أدنى.

ويقول للجزيرة نت إن تونس تعيش على أرض الواقع انهيارا شاملا بحكم تفاقم الفقر والبطالة وتراجع الترقيم السياسي وتدهور قيمة الدينار وارتفاع التضخم، مبينا أن هذا الوضع خلق حالة من الحيرة لدى التونسيين إلى درجة المأزق النفسي الذي ستنتج عنه احتجاجات لا أحد يتوقع عواقبها الوخيمة.

 

 

احتواء الغضب

في المقابل، تعهد وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي، أمس الاثنين، خلال زيارة أداها إلى منطقة دوار هيشر إثر احتجاجات العمال، بتحسين أوضاع الفئات الهشة والتفاعل مع مطالبها بأسرع وقت، داعيا السلطات المحلية إلى الاستماع إلى مشاكل العمال وتقديم مزيد تحسين وتقريب الخدمات الموجهة إليهم.

وطالما أكد وزير الشؤون الاجتماعية أن الحكومة الحالية ورثت تركة ثقيلة وخرابا ممن حكموا طوال السنوات العشر الماضية، مشددا على أن الحكومة تسعى لإصلاح الأوضاع ومحاربة الاحتكار والفساد.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى