المغرب يعلن حالة الطوارئ لمواجهة شح المياه.. هل تكون تحلية ماء البحر حلا؟
الرباط– منذ سنوات، يناهض الفاعل المدني المغربي جمال أقشباب زراعة البطيخ الأحمر في منطقة زاكورة بالجنوب الشرقي للبلاد.
يقول جمال -رئيس جمعية أصدقاء البيئة- للجزيرة نت إن هذه الزراعة استنزفت الموارد المائية للمنطقة وتسببت في أزمة حادة أثرت على السكان والواحات.
وبدأت زراعة البطيخ الأحمر في إقليم زاكورة سنة 2008، وتوسعت الأراضي المخصصة لها خلال السنوات الماضية لتصل إلى حوالي 20 ألف هكتار، وتستهلك سنويا أزيد من 15 مليون متر مكعب من المياه الجوفية.
وأعلنت الحكومة المغربية الشهر الماضي وقف الدعم المالي الذي تصرفه لمزارعي البطيخ الأحمر وأشجار الأفوكادو والحوامض، كونها من الزراعات التي تستهلك الكثير من المياه.
غير أن أقشباب، يرى أن هذه الخطوة متأخرة وغير كافية، داعيا إلى وقف هذه الزراعات نهائيا في المناطق ذات الموارد المائية المحدودة.
ويأتي قرار الحكومة ضمن إجراءات وتدابير أخرى أعلنتها، في إطار خطة الطوارئ المائية لمواجهة حالة الإجهاد المائي بالبلاد، والتي زادت حدتها مع موجة الجفاف القاسية.
والجمعة الماضي، قال ملك المغرب محمد السادس في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية من البرلمان المغربي إن “إشكالية تدبير الموارد المائية تطرح نفسها بإلحاح، خاصة أن المغرب يمر بمرحلة جفاف صعبة، هي الأكثر حدة، منذ أكثر من 3 عقود”.
وأضاف أن المغرب أصبح “يعيش في وضعية إجهاد مائي هيكلي. ولا يمكن حل جميع المشاكل، بمجرد بناء التجهيزات المائية المبرمجة، رغم ضرورتها وأهميتها البالغة”.
وأكد ملك المغرب أن الحالة الراهنة للموارد المائية تسائل الجميع و”تقتضي منا التحلي بالصراحة والمسؤولية في التعامل معها ومعالجة نقط الضعف، التي تعاني منها”. وشدد على ضرورة القطع مع كل أشكال التبذير، والاستغلال العشوائي وغير المسؤول للمياه.
ولفت إلى أن مشكلة الجفاف وندرة المياه، لا تقتصر على المغرب فقط، وإنما أصبحت ظاهرة كونية، تزداد حدة، بسبب التغيرات المناخية.
ما الوضعية المائية حاليا؟
أجمع عدد من الخبراء على أن البلاد وصلت مرحلة الإجهاد المائي الحاد، بمتوسط أقل من 500 متر مكعب للفرد سنويا، وهو أدنى مستوى لمؤشر الإجهاد المائي.
وحسب وزارة التجهيز والماء فإن الوضعية مقلقة، حيث بلغ حجم الواردات المائية في الفترة ما بين الأول من سبتمبر/أيلول 2021 إلى 31 أغسطس/آب 2022 ما يناهز 1.98 مليار متر مكعب، بانخفاض بـ 85% مقارنة بالمعدل السنوي.
وبلغ المخزون المائي للسدود إلى غاية 12 أكتوبر/تشرين الأول 3.9 مليارات متر مكعب، أي ما يعادل 24.3% كنسبة ملء إجمالي، مقابل 37.2% سجلت في التاريخ نفسه السنة الماضية.
وتعيش جهة طنجة تطوان الحسيمة على وقع أزمة غير مسبوقة، وبعد أن كانت هذه الجهة تسجل أعلى معدل أمطار وطنيا، وتمتلك موارد مائية وفيرة، أصبحت مدنها تعيش على وقع تراجع حاد في مخزونها المائي.
وحسب وكالة الحوض المائي اللوكوس، فإن مدن الجهة لديها مخزونات مائية تكفي لتأمين مياه الشرب بشكل اعتيادي لفترة تتراوح بين سنة و3 سنوات، بينما تكفي المخزونات في طنجة لتزويد عادي إلى غاية شهر مايو/أيار 2023.
ما تأثير ذلك على الاقتصاد؟
أثر الجفاف الذي لم تشهد البلاد مثله منذ 4 عقود، على الاقتصاد الوطني خاصة القطاع الزراعي الذي يساهم بنسبة 14% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتشكل الزراعة أكبر مشغل لليد العاملة بالمغرب، إذ تساهم بنسبة 38% من إجمالي العمالة، وتوفر 73.7% من فرص العمل في القرى، وتشكل الحبوب المحصول الرئيسي في المملكة، إذ تمثل 55% من المساحة المزروعة.
وتضرر الإنتاج هذا العام بشكل بالغ، إذ لم يتجاوز 3.4 ملايين طن، وفق بيانات رسمية، مقابل 10.3 ملايين طن العام الماضي أي بانخفاض 67%، وهو ما أدى إلى تراجع معدل النمو.
وتوقع بنك المغرب (البنك المركزي) أن يسجل النمو الاقتصادي هذه السنة تباطؤا ملموسا إلى %0.8، نتيجة تراجع القيمة المضافة الفلاحية بنسبة 14.7% .
وفقد قطاع الزراعة والغابات والصيد 210 ألف فرصة عمل خلال الربع الثاني من سنة 2022، وهو ما يمثل انخفاضا بـ 6% من إجمالي الشغل بهذا القطاع، حسب مذكرة المندوبية السامية للتخطيط.
ما تدابير مواجهة الأزمة؟
تفاعلا مع حالة الطوارئ المائية التي أعلنتها الحكومة، توالت لقاءات الفاعلين جهويا للتداول في الإجراءات والتدابير الاستعجالية للحيلولة دون تفاقم الوضع.
وشملت التدابير المعلنة:
- وضع قيود على استعمال مياه الري وتدفق المياه للمستهلكين
- منع تنظيف الشوارع والأزقة والأماكن العمومية بمياه الشرب
- منع تنظيف وغسل السيارات والآلات
- منع ملء المسابح العمومية والخاصة أكثر من مرة في السنة، إلى جانب تقليص صرف المياه.
- قطع الماء ليلا ببعض المؤسسات والإدارات
- مراقبة التسربات المائية ومعالجتها وتعبئة المياه الجوفية وغيرها من التدابير.
وأعلن وزير الفلاحة والصيد البحري العزم على استبدال الزراعات السريعة التأثر بقلة الموارد المائية، بأصناف نباتية ذات قدرة على مقاومة التغيرات المناخية ومدرة للدخل.
ونوهت الخبيرة في الموارد المائية شرفات أفيلال بالتدابير الاستعجالية التي أقرتها الحكومة والمسؤولون الجهويون في مواجهة الظروف الصعبة التي تمر منها البلاد، واعتبرت في حديث مع الجزيرة نت أن هذه التدابير أخرت وصول الأزمة إلى منازل المواطنين.
واستدركت بالقول “هذه التدابير خففت من الأزمة لكنها لا تستبعدها خاصة إذا استمر الجفاف لموسم آخر”، لذلك تؤكد ضرورة التفكير في حلول مستدامة.
من جهته، يرى الخبير في التنمية المستدامة محمد بنعبو أن الوضعية الحالية تستدعي البحث عن موارد مياه غير تقليدية لتنويع العرض المائي سواء من مياه الشرب أو مياه الري لتحقيق الأمن المائي والغذائي.
هل تحلية مياه البحر ستخفف الأزمة؟
ومن الحلول المستدامة وغير التقليدية التي يمضي عدد من جهات المملكة في تنفيذها لتجنب أي نقص محتمل في المياه، بناء محطات تحلية مياه البحر ومعالجة المياه العادمة.
ويرجع إحداث أول محطة لتحلية مياه البحر بالمغرب إلى سنة 1976، وقد أنشئت بمدينة طرفاية جنوب البلاد، وكانت الكميات المحلاة ضعيفة بالنظر للأساليب المكلفة في التقطير.
واتجه المغرب في السنوات الماضية إلى الاعتماد على الطاقات المتجددة سواء الهوائية أو الشمسية من أجل تحلية المياه بتكلفة أقل، وهو ما تجسد في بعض المحطات المنشأة حديثا.
واتجهت معظم المدن الساحلية مثل الدار البيضاء وطنجة وكلميم نحو تحلية مياه البحر، وبدأ العمل حاليا من أجل إنشاء 20 محطة تحلية، حسب ما أعلن وزير التجهيز والماء.
وفي نظر الخبير محمد بنعبو، فإن تحلية مياه البحر خيار إستراتيجي للتعامل مع مشكلة الإجهاد المائي، خاصة أن المغرب يتوفر على سواحل تمتد على طول 3500 كيلومتر.
غير أنه لا يعتبرها عصا سحرية ستخرج البلاد من أزمة ندرة المياه، بل ينبغي في نظره الاستمرار في سياسة بناء السدود التي أثبتت نجاعتها في فترة الجفاف.
وأضاف “تعيش البلاد حالة الجفاف منذ 2018، ولولا السدود التي كانت معبأة بمخزون مهم من المياه لكانت التداعيات قد وصلت إلى المواطنين منذ سنوات”.
لذلك يؤكد أن “بناء السدود لتعبئتها بالمياه في السنوات المطيرة مسألة ضرورية، وبناء محطات تحلية مياه البحر رغم تكلفتها وسيلة مهمة لتوفير خزان احتياطي من المياه”.
وترى شرفات أفيلال -وهي وزيرة الماء سابقا- أن تحلية مياه البحر خطوة لا بديل عنها و”حل ضمن حلول أخرى”.
بالمقابل، تؤكد أن الحل الأكثر استدامة والأقل كلفة للتعامل مع هذه الأزمة هو نهج حكامة جيدة في تدبير الموارد المائية، واعتماد تدبير مستدام يراعي القدرات المائية للبلاد ومناخها الجاف وشبه الجاف.
وتضيف إلى ذلك، العمل على تحقيق تنمية تأخذ بعين الاعتبار الإكراهات المائية وتبني زراعة مستدامة باختيار مزروعات تتلاءم مع الإمكانيات المائية لكل جهة وكذا الاستثمار في اقتصاد الماء وفي تدبير الطلب عليه.