اقتصاد

ارتفاع الأسعار وشحّ الغذاء.. أزمات معيشية تهدد حياة التونسيين

يمضي سكان محافظة قفصة (وسط غرب تونس) القريبة من الحدود التونسية الجزائرية، ساعات عديدة في التنقل بين المجمعات التجارية والأسواق، للحصول على القليل من السكر أو الزيت، فيما تصطف طوابير طويلة من السيارات في محطات الوقود ومحيطها والأماكن القريبة منها.

في مدن هذه المحافظة الحدودية، لا يختلف الوضع أيضا عن بقية المحافظات التونسية الأخرى، حيث يختفي الحليب والزيت النباتي والسكر بشكل دوري من رفوف المتاجر والمحلات الكبرى، حتى أن المساحات التجارية باتت ساحة للمصارعة والتشابك بالأيادي بين المواطنين.

مثل هذا المشهد بات اعتياديا في تونس، ولا تستثنى منه محافظة عن غيرها، منذ إعلان وتأكيد السلطات الرفع التدريجي للدعم عن بعض المواد، وسط شكاوى وتذمر التونسيين من الغلاء الفاحش للأسعار. في المقابل تواصل الحكومة صمتها، رغم دعوات الخبراء لها بمصارحة الشعب بالأوضاع.

ارتفاع الأسعار

وسط المحلات التجارية في محافظة قفصة، تزداد شكاوى المواطنين الذين توافدوا بأعداد كبيرة وهم يتذمرون من نقص العديد من المنتجات، مثل الزيت المدعوم والسكر والحليب، وارتفاع أسعار الكثير من المنتجات كاللحوم والبيض، فضلا عن الخضر والغلال، مما يدفعهم للاستغناء عن بعضها أحيانا.

يقول المواطن معز قمادي -للجزيرة نت- أثناء وجوده في السوق المركزي بالمدينة لشراء بعض السلع: “اليوم الأسعار أصبحت مرتفعة جدا، فضلا عن ذلك بعض المحلات تلزم المواطن بشراء علبة حليب واحدة أو شراء كيلوغرام واحد من السكر؛ لمواجهة الأزمة. لقد أصبح العيش لا يطاق”.

ويؤكد المتعاقد مع شركة الفوسفات محمد الهاني أن قلة الإنتاج والمردودية أدت إلى ارتفاع الأسعار، فمثلا الكيلوغرام الواحد من الفلفل يبلغ 1.8 دينار (0.55 دولار)، موضحا أن أسعار أغلب الخضروات والغلال غير مستقرة، حيث تضاعفت الأسعار مرتين في العديد منها، فيما صارت الاحتياجات الاستهلاكية الأساسية للمواطن تتجاوز حدود 80 دينارا (24.5 دولارا).

وتزايدت أسعار اللحوم الحمراء، حيث سجل سعر اللحم الكندوز 30 دينارا (9.1 دولارات)، وكيلو اللحم المفروم 28 دينارا (6.1 دولارات)، وكيلو اللحم الضأن بين 32 دينارا (9.82 دولارات) و34 دينارا (10.4 دولارات)، بينما شهدت أسعار الدواجن ارتفاعًا خلال الأيام الجارية، حيث وصل كيلو الفراخ البيضاء 12 دينارا (3.68 دولارات).

التضخم المالي

على بعد خطوات قليلة وعلى طول السوق اليومية في مدينة الواحات، تنتشر السلع الجزائرية المهربة من المسالك الحدودية، حيث يشترى المواطنون بمجرد الوقوف لدقائق حاجيتهم من المواد الغذائية، كالبسكويت والزيت النباتي، ويقتنون ما يحلو لهم بالرغم من أن أسعار الخضروات والغلال ظلت مرتفعة.

ويتزود أهالي هذه المناطق بالسلع الغذائية والوقود الجزائري، كحل مؤقت لتجاوز الأزمة التي تعيشها البلاد، حيث أصبحت مسالك التهريب لقمة عيش السكان، رغم الإجراءات المشددة التي تفرضها القوات الأمنية لتشديد الخناق على المهربين.

ويعتبر الخبير الاقتصادي الصادق جبنون -في حديثه للجزيرة نت- أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس اليوم هي الأسوأ منذ استقلال البلاد في خمسينيات القرن الماضي، وتداعيات جائحة كورونا، ومن المتوقع ارتفاع التضخم المالي في البلاد، وهو ما قد يزيد من معاناة المواطن التونسي وتردّي مقدرته الشرائية.

ويشير جبنون إلى أن الحرب الدائرة اليوم في أوكرانيا أدخلت العالم في دوامة التضخم، موضحا أن معدل التضخم المالي للاتحاد الأوروبي الذي يبلغ 10% كان له الأثر السلبي على تونس التي ترتبط به عضويا في تجارته ومعاملاتها مع هذه المجموعة الاقتصادية المهمة.

وبحسب معهد الإحصاء الحكومي، فقد بلغ ارتفاع نسبة التضخم 9.1%، بينما تجاوزت معدلات البطالة 16%، فيما يؤكد استطلاع للرأي أن أكثر من 60% من التونسيين يرون أن الأوضاع المالية لأسرهم باتت أسوأ مما كانت عليه من قبل.

22 12
التضخم في تونس بلغ نسبة 9.1% (الجزيرة)

تراجع الدينار

لم تكن الأزمة الاقتصادية مجرّد سحابة عابرة تعيشها البلاد، فتداعيات الحرب الأوكرانية الروسية وأثرها السلبي، وتزايد العجز التجاري وتآكل الميزان التجاري، مع غياب ثقة المانحين الدوليين؛ هو ما تسبب في تراجع قيمة الدينار التونسي، بحسب وصف أستاذ الاقتصاد بالجامعة رضا الشكندالي.

ويسجل الدينار التونسي تراجعا متواصلا منذ أشهر مقابل الدولار. ووفق بيانات البنك المركزي التونسي، تراجع الدينار إلى مستوى قياسي جديد مقابل الدولار الأميركي، حيث بلغ سعر الدينار التونسي 3.309 مقابل الدولار الواحد.

ويرى الشكندالي -في حديثه للجزيرة نت- أن الحكومة الحالية تكرر نفس المقاربات القديمة في التعامل مع الملفات الاقتصادية، معتبرا أن الاتفاق الجديد بين الحكومة وصندوق النقد الدولي لن ينهي الأزمات الاقتصادية في البلاد، لكنه سيخفف فقط الخناق على موازنة الدولة مع تآكل مخزوناتها من العملة الصعبة.

ويتوقع مراقبون أن يتوسع فتيل التحركات الاحتجاجية إلى أغلب المناطق المهمشة، خاصة بعد الاحتجاجات التي تشهدها الأحياء الشعبية في تونس العاصمة، مثل حي دوار هيشير وحي التضامن (أكبر الأحياء الشعبية في أفريقيا غرب العاصمة تونس)، وإقرار إضراب عام في مدينة جرجيس، مما ينذر بقرب سقوط حكومة نجلاء بودن.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى