الدانمارك عازمة على الإبقاء على سياستها المتشددة المناهضة للهجرة مهما كانت نتائج الانتخابات
توقع تقرير نشره موقع الجزيرة الإنجليزية الإلكتروني أن تحافظ الدانمارك على سياساتها المقيِّدة للهجرة أيا كانت نتيجة الانتخابات العامة المزمع إجراؤها في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ويبدو أن التنافس في الانتخابات سيكون على أشده كما كان دائما، إذ أظهرت استطلاعات الرأي تقاربا في فرص الفوز بين كتلة يسار الوسط والمعارضة التي تمثل يمين الوسط.
وشهدت الأسابيع الماضية تقلبا غير مسبوق في أمزجة الناخبين، حيث بدا حزب “المعتدلين” في صعود متسارع بعد قيامه بحملة لتشكيل حكومة تتجاوز الانقسام التقليدي بين اليمين واليسار في السياسة الدانماركية.
أكثر الدول الأوروبية تشددا
وبغض النظر عن النتيجة، يبدو من المؤكد أن الدانمارك تتهيأ لمواصلة مسارها المثير للجدل كواحدة من أكثر الدول الأوروبية تشددا عندما يتعلق الأمر بالهجرة واللجوء.
ووفقا للتقرير الذي أعده الصحفيان نيكولاي هومان مورتنسن وفرحية خالد، فإن جميع أحزاب يمين الوسط في الدولة الإسكندنافية متفقة على أن السياسات المقيّدة للهجرة هي الأساس المرجعي للسياسة الوطنية الدانماركية.
في غضون ذلك، تبنى الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم أجندة اليمين المناهضة للهجرة إلى الحد الذي ألهمت فيه سياسات اللجوء الأحزاب الأوروبية اليمينية المتطرفة، مثل حزب البديل من أجل ألمانيا في ألمانيا، والديمقراطيين السويديين في السويد.
وتعارض الأحزاب الأصغر المتبقية من يسار الوسط -مثل الحزب الليبرالي وتحالف الأحمر والأخضر اليساري- رسميا سياسات الدانمارك المثيرة للجدل بشأن الهجرة، بما في ذلك إلغاء تصاريح الإقامة للاجئين السوريين والضغط لنقل طالبي اللجوء من الدانمارك إلى مراكز في دولة رواندا.
لا أمل في التراجع عن التشدد
ويقول التقرير إذا حصل تحالف يسار الوسط على الأغلبية مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي بوصفه الحزب الحاكم، فإن فرص تراجعهما عن السياسات المناهضة للهجرة ضئيلة أو معدومة، وفقا للمحلل والمعلق السياسي لارس ترير موغنسن.
ونقل عن موغنسن أيضا قوله إنه خلال ولاية هذه الحكومة، تخلت أحزاب يسار الوسط إلى حد كبير عن مطالبها بسن مزيد من قوانين للهجرة تكون أكثر مرونة، مضيفا أنه لن يكون بمقدورها الضغط لتمرير هذه الأجندة بعد الانتخابات.
وأردف إن فوز الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الانتخابات السابقة عام 2019 تحقق عموما بفضل قدرته على استقطاب ناخبين من أقصى اليمين، في حين يقوم منطق الحزب الآن على أن أي تخفيف لقوانين الهجرة يمكن أن يفقده الحكومة.
ويعتقد المحلل الدانماركي أن أحزاب يسار الوسط “سلّمت في الغالب بهذا الأمر وتحاول بدلا من ذلك التأثير على الاشتراكيين الديمقراطيين في مجالات سياسية أخرى مثل الأهداف المناخية أو النظام التعليمي”.
قلق وسط المهاجرين
من جانبه، لا يعوِّل مهاجر سوري يدعى محمود سهيل المحمد يقيم في مدينة ألبورغ الساحلية (شمال الدانمارك) كثيرا على الانتخابات المرتقبة ويتابع المناظرات المتلفزة بقلق متزايد.
وقال للجزيرة الإنجليزية “من الواضح أن معظم السياسيين يريدون فقط المزيد من الأصوات والمزيد من السلطة، ولا يمانعون ترك اللاجئين يواجهون مصيرهم”.
ويشعر المحمد (21 عاما) -وهو طالب طب- بالإحباط بسبب المواقف العدائية الدانماركية تجاه بعض مجموعات اللاجئين، وبات هذا جليا في الآونة الأخيرة عندما رحبت الدانمارك باللاجئين الأوكرانيين الفارين من العدوان الروسي.
فقد أقدمت السلطات الدانماركية حينها على تعليق قوانين الهجرة المتشددة للسماح للاجئين الأوكرانيين بالعمل والدراسة والحصول على المزايا الاجتماعية فور وصولهم، كما تم إعفاؤهم مما يسمى “قانون المجوهرات” المثير للجدل في الدانمارك، الذي يجيز للسلطات مصادرة بعض الأشياء الثمينة من طالبي اللجوء واستغلالها في تمويل إقامتهم.
ويسارع المحمد بتأكيد أنه سعيد برؤية الأوكرانيين يعاملون بشكل جيد، لكنه يتمنى أن يحظى كل الوافدين الجدد بالمعاملة نفسها.
وحصل المحمد على حق اللجوء في الدانمارك لأنه كان معرضا لخطر التجنيد في الجيش السوري.
بيد أن الحكومة الدانماركية رفضت تجديد إقامة والديه المسنين عام 2020، معتبرة أن الوضع الأمني في دمشق “تحسن بشكل كبير”.
ومُنحوا أخيرا حق اللجوء في وقت سابق هذا العام بعد احتجاج من وسائل الإعلام ومساعدة من منظمات اللاجئين.
إلغاء تصاريح إقامة السوريين
ومع ذلك، لا يزال قرار الدانمارك إلغاء تصاريح إقامة السوريين يؤثر على مئات اللاجئين المحتجزين إلى أجل غير مسمى في مراكز الترحيل في جميع أنحاء البلاد.
تجدر الإشارة إلى أن الدانمارك احتلت عام 2021 المرتبة 20 من بين 27 دولة في الاتحاد الأوروبي في استقبال طالبي اللجوء بالنسبة لحجم السكان.
وكشفت دراسة حديثة عن أن أغلب الناخبين الدانماركيين من مختلف ألوان الطيف السياسي لديهم تصورات مبالغ فيها للغاية بشأن الهجرة؛ فالعديد منهم يعتقدون أن المهاجرين يشكلون ضعف عدد سكان البلاد، وأن الجريمة بين المهاجرين الشباب انتشرت بأكثر من 6 أضعاف مما هي عليه في الواقع.
ويعلق آيدين سوي (مؤلف دانماركي، وعالم اجتماع متخصص في شباب الأقليات المهمشة والحراك الاجتماعي في بلده) على ذلك بالقول إن تلك التصورات تقف شاهدا على المناخ السياسي السائد في الدانمارك.
ويشير سوي في حديثه للجزيرة إلى ما يسميها “قوانين الغيتو” التي تهدف -كما يقول- إلى الإجلاء القسري الجماعي من المنازل وإعادة بناء المساكن الاجتماعية في بعض أحياء المهاجرين من ذوي الدخل المنخفض من خلال معايير التوظيف، والإحصاءات المتعلقة بمعدلات الجريمة، ومستويات التعليم، والدخل الإجمالي، وحصة السكان “غير الغربيين” المثيرة للجدل.
انتشار الطابع العرقي في التشريع بالدانمارك
ويمضي سوي إلى القول “إننا لسوء الطالع نرى إضفاء طابع عرقي على كل جوانب التشريع في الدانمارك، فقد أصبحت السياسة القانونية وسياسات الإسكان وحتى السياسة الاجتماعية مرادفة لسياسات الهجرة؛ وهذا أمر مقلق للغاية”.
وطبقا لتقرير الموقع الإنجليزي، فكانت للمناخ السياسي القاسي الذي انتشر بشكل خاص خلال 20 عاما الماضية عواقب وخيمة، وفقا لأستاذة علم النفس التربوي إيرام خواجة.
وذكرت خواجة أنها أجرت مقابلات مع العديد من الأطفال والشباب، مشيرة إلى أنه قبل 10 سنوات كان كثيرون منهم يثقون في أنهم ما أن يكملوا تعليمهم ويجدوا عملا، فسيقبلهم المجتمع، “لكنني الآن أشعر بقدر أكبر من اليأس، الذي أعتقد أنه بسبب الخطاب السياسي الضار في هذا العقد من الزمان”.
ويختم الموقع تقريره -نقلا عن المحمد القول- “في بعض الأحيان، كل ما تحتاجه هو القليل من التقدير، لكننا نشعر بأننا أقل قيمة، أتمنى أن يظهر السياسيون تقديرا أكبر للاجئين ومساهماتنا في المجتمع، لكن عندما تستمع إليهم على شاشة التلفاز هذه الأيام، فإنك تشك في ما إذا كان الأمر يستحق حتى مجرد المحاولة”.