قصة مخيم فلسطيني يغلي بالاشتباكات.. ما سيناريوهات الأحداث الأمنية في “عين الحلوة”؟
بيروت- تواصلت اليوم الاثنين الاشتباكات المسلحة في مخيم “عين الحلوة” للاجئين الفلسطينيين بالقرب من صيدا جنوب لبنان بين عناصر من حركة “فتح” وأخرى خارجة أو منشقة عن مجموعات تصف نفسها بالإسلامية.
وأرخى الحدث الأمني المفاجئ ثقله على أكبر مخيمات لبنان، والذي يعاني أساسا من الفقر المدقع، حيث يشهد حركة نزوح واسعة داخله وإلى خارجه شملت المئات من سكانه الذين يهربون مع أطفالهم وبعض أمتعتهم خوفا من القذائف والرصاص العشوائي، كما لجأ بعضهم إلى المساجد، فيما فتحت الأونروا أبواب المدارس لمئات الأسر الهاربة.
وتتركز الاشتباكات في منطقتي “الطوارئ” التي تضم عناصر من الأمن القومي الفلسطيني وجماعات إسلامية وفي “حطين” أيضا.
وتحاول فرق الإسعاف دخول مناطق الاشتباك لإخلاء الجرحى، وسُجل الأحد مقتل 8 فلسطينيين، بينهم قائد الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا العميد أبو أشرف العرموشي المرتبط بحركة فتح مع 4 من مرافقيه، مما شكل منعطفا في الاشتباكات.
ورغم صدور موقف واضح لوقف إطلاق النار تبنته مختلف الفصائل الفلسطينية في اجتماعها بمكتب النائب أسامة سعد في صيدا فإن الاشتباكات استمرت بشكل متقطع في المخيم.
وأعلن سعد تثبيت وقف إطلاق النار وسحب المسلحين، معتبرا أن ما يحدث تهديد لأمن الفلسطينيين وصيدا والأمن القومي اللبناني، كما أعلن أن هيئة العمل الفلسطيني المشترك (تضم مختلف الفصائل) ستجتمع غدا الثلاثاء لتشكيل لجنة تحقيق مشتركة بمقتل العرموشي.
ما قصة التدهور الأمني؟
بلغت الاشتباكات ذروتها ظهر أمس الأحد مع إعلان مقتل العرموشي ومرافقيه فيما كان في طريقه لإنجاز تسوية تسليم قاتل أحد الشبان الإسلاميين ليل السبت 29 يوليو/تموز الجاري، حيث كانت الشرارة الأولى للمواجهة.
وبحسب معطيات ميدانية، أطلقت النار أول أمس السبت باتجاه شباب محسوبين على قوى إسلامية، فقُتل شخص يدعى عبد فرهود وجُرح 3 آخرون في عملية وصفت بأنها “ثأرية”.
وفي اتصال مع الجزيرة نت، قال قائد الأمن الوطني الفلسطيني بلبنان اللواء صبحي أبو عرب -من داخل مخيم “عين الحلوة”- إن الوضع شديد الحساسية والاشتباكات متأزمة، وهو ما عكسته أصوات عنيفة للقذائف والرصاص.
واعتبر أبو عرب أن ما يحدث رغم خطورته “مفهوم، لأن اغتيال العرموشي بكمين غادر مسألة كبيرة جدا، خصوصا أنه كان يعمل على وساطة لتهدئة الأوضاع ووقف أي عملية ثأرية على خلفية ما حصل يوم السبت الماضي”.
وقال أبو عرب إن حركة فتح منفتحة على أي تسوية لتهدئة الوضع، شرط إجراء تحقيق شفاف ومحاسبة من يثبت تورطهم بمقتل العرموشي ورفاقه، وتحدث عن مساع واتصالات حثيثة تجريها معهم قوى فلسطينية ولبنانية، وعلى رأسها حزب الله وحركة أمل.
استهداف للوجود الفلسطيني
من جانبه، يقول ممثل حركة حماس في لبنان الدكتور أحمد عبد الهادي إن مقتل العرموشي شكل إطاحة لمساعي تسليم قاتل فرهود المنتمي إلى الحالة الإسلامية بالمخيم.
وأوضح عبد الهادي للجزيرة نت أن العرموشي تكفل بتسليم المطلوب الذي ينتمي إلى حركة فتح للجيش اللبناني، و”كدنا نصل لاحتواء التوتر الأمني فجرى اغتياله”.
ويرفض عبد الهادي وصف “عين الحلوة” بالبؤرة الأمنية أو أنه خارج السيطرة “لأن ما يشهده بمثابة استهداف خارجي للوجود الفلسطيني، ولا سيما بلبنان”. ويقول “نواصل التنسيق والتواصل مع الدولة اللبنانية -وتحديدا مخابرات الجيش- لبلوغ تثبيت وقف إطلاق النار”.
ويُذكّر عبد الهادي بأن الدولة اللبنانية لها السيادة على أراضيها “لكن ظروف الوجود الفلسطيني منذ النكبة، فرض واقعا للمخيمات، حيث تديرها داخليا الفصائل الفلسطينية، ولا يدخلها الجيش اللبناني، وذلك بالتنسيق الكامل معه بالمسائل الأمنية ولدى تسليم المطلوبين”.
ويفرض الجيش اللبناني حاليا تدابير مشددة على طرقات صيدا خشية أن تطالها رشقات الاشتباكات، وندد سابقا بتعرض أحد مراكزه القريبة من المخيم لقذيفة هاون وإصابة عناصره بجروح طفيفة.
ولم تُعلن بعد الحصيلة الرسمية للخسائر، وتتضمن ما لا يقل عن 6 قتلى و30 جريحا، إضافة إلى الخسائر المادية.
“توقيت مشبوه”
وكان لافتا موقف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي اعتبر أن توقيت الاشتباك مشبوه وفيه استخدام للساحة اللبنانية لحسابات خارجية، و”في ظل مساعي مصر لوقف الخلافات الفلسطينية- الفلسطينية”.
وهنا، يوافق الكاتب والمحلل السياسي حسين أيوب على مسألة الشبهة بالتوقيت، مضيفا إليها عناصر التفجير الدائمة بالمخيم “حيث لا مرجعية سياسية وأمنية واضحة فيه، ناهيك عن الواقع الاجتماعي الكارثي”، مع ارتباط الحدث بسياق التطورات الإقليمية للقضية الفلسطينية وانعكاسها على المخيمات.
فيديو لنزوح الأهالي من #مخيم_عين_الحلوة من مدخل الحسبة مع اشتداد الاشتباكات في المخيم قبل ظهر اليوم pic.twitter.com/xDM2Ej5lJd
— بوابة اللاجئين الفلسطينيين (@refugeesps) July 31, 2023
قصة عين الحلوة
تأسس مخيم عين الحلوة بعد النكبة سنة 1948، وهو أكبر مخيم بلبنان من بين 12 مخيما للاجئين الفلسطينيين، وأكثر من شهد توترات أمنية بتاريخ البلاد.
ويعيش سكانه ظروفا مأساوية تضاعفت منذ عقدين بفعل الإجراءات الاستثنائية التي يفرضها الجيش اللبناني بمحيطه، كما أن مخارجه محددة بـ4 فقط تخضع للمراقبة على مدار الساعة، ناهيك عن معاناته من أزمة الكثافة السكنية والبناء العشوائي وهو المحدد بكيلومتر مربع واحد، يسكنها أكثر من 63 ألف لاجئ، كما أنه يؤوي عددا كبيرا من المطلوبين والفارين من العدالة.
ويضم المخيم عددا من الفصائل الفلسطينية، أبرزها حركة فتح وعصبة الأنصار وجبهة التحرير الفلسطينية والقوى الإسلامية الأخرى.
وفي هذا الشأن، تحدث حسين أيوب عن “تراجع حضور فصائل منظمة التحرير وعمودها الفقري حركة فتح بعين الحلوة لمصلحة القوى الإسلامية ومجموعات غير منظمة، وتحوله منذ سنوات إلى محميات وجزر أمنية، كل مجموعة لها بلوك خاص فيها”.
ويرى أيوب أن “مخيم عين الحلوة يختصر كل تناقضات المشهد الفلسطيني التي لا تتوفر بساحة أخرى لا داخل فلسطين ولا بالشتات، لأنه الوحيد الذي يضم كل الحساسيات الفلسطينية من كبيرها لصغيرها، ناهيك لتداخله عضويا مع مدينة صيدا، كما أنه جزء من بوابة الجنوب اللبناني، أي الشريان الذي يتنفس من خلاله حزب الله بطريقه نحو العاصمة”.
ويتحدث أيوب عن أثر تصاعد نفوذ القيادي الفلسطيني البارز محمد دحلان في عين الحلوة، وارتباطه الإقليمي، إضافة إلى تأثر المخيم بالفراغ السني المتمادي في لبنان.
أسفرت عن مقتل 6 فلسطينيين بينهم قيادي في فتح وإصابة جندي لبناني..
اشتباكات مسلحة في مخيم عين الحلوة في لبنان استُخدمت فيها قذائف صاروخية.
ما الذي يجري في مخيم اللاجئين الفلسطينيين الواقع جنوب لبنان؟ pic.twitter.com/Rhv4Fa5kAx— AJ+ عربي (@ajplusarabi) July 31, 2023
سيناريوهات التوتر
ويجد أيوب أن دور لبنان السياسي محدود من ناحية ضبط الوضع في المخيم، وأن الجيش اللبناني يلعب دور جسر التواصل بين المتقاتلين، أو لمنع تمدد التوتر والاشتباكات نحو مدينة صيدا أو مخيمات وتجمعات فلسطينية أخرى.
وبعد مساعي النائب أسامة سعد يتوقع المحلل حسين أيوب أن يكون عين الحلوة أمام سيناريو من اثنين:
- إما تثبيت موقف إطلاق النار، ووقف القتال فورا، ويليه فتح تحقيق في ظروف انفجار الموقف ومن يتحمل مسؤولية الكمين الذي نصب للعرموشي.
- أو استمرار القتال لأيام بلا منتصر، وسيكون الخاسر الأكبر الفلسطينيين في المخيم بأرواحهم وممتلكاتهم، فيما تئن أغلبية شرائح اللاجئين تحت وطأة تخفيض تقديمات الأونروا وضعف مساعدات السلطة الفلسطينية.