جولة جديدة من المفاوضات بشأن سد النهضة.. على ماذا تتفاوض مصر؟
القاهرة- انطلقت جولة جديدة من مفاوضات سد النهضة، -أمس الأحد- في القاهرة بمشاركة وفود التفاوض من السودان وإثيوبيا إلى جانب مصر، للمرة الأولى منذ إعلان إخفاق التوصل لاتفاق ملزِم بين الدول الثلاث في أبريل/نيسان 2021، في غضون ذلك تمكّنت إثيوبيا من الوصول إلى المستويات المستهدفة لملء السد بالمياه.
وأكّد وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم، أهمية التوصل إلى اتفاق قانوني ملزِم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، يراعي مصالح الدول الثلاث.
كما شدد هاني، في بيان صحفي، على ضرورة التوقف عن أي خطوات أحادية في هذا الشأن، مشيرًا إلى أن استمرار ملء وتشغيل السد دون اتفاق، يُعدّ انتهاكًا لإعلان المبادئ الموقّع في 2015.
وتأتي الجولة الجديدة على ضوء مخرجات اللقاء الذي جمع الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، في 13 يوليو/تموز 2023، على هامش قمة دول جوار السودان.
وأعلن الجانبان، في بيان مشترك حينها، نيتهما بدء مفاوضات عاجلة للتوصل إلى اتفاق بين البلدين -بالإضافة إلى السودان- بشأن قواعد ملء سد النهضة الإثيوبي وتشغيله، مشيرَين إلى ضرورة التوصل إلى اتفاق نهائي خلال 4 أشهر، مرّ منها نحو شهر ونصف الشهر.
وعلى الجانب الإثيوبي، فإن عملية الملء الحالية التي تتم مع بداية موسم الفيضان في فصل الصيف، ستستمر بوتيرة أبطأ حتى سبتمبر/أيلول المقبل بشكل لا يضر بدولتي المصبّ (السودان ومصر)، وفقًا لتصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الشهر الماضي.
ودلّل رئيس الوزراء الإثيوبي على حديثه بأن عمليات الملء السابقة لم تؤثر في دول حوض النيل، وكذلك ستكون العمليات القادمة، حيث يُعدّ النيل مصدر المياه الرئيس لكلا البلدين.
الملء الأضخم
قطعت إثيوبيا شوطًا طويلًا سواء في عملية بناء السد التي شارفت على الانتهاء، أو عمليات الملء؛ إذ نجحت في تخزين 15 مليار متر مكعب في الملء الرابع، ليصبح إجمالي التخزين حوالي 32 مليار متر مكعب، وفق بعض التقديرات.
وخلال الأيام الماضية، وصل منسوب بحيرة سد النهضة إلى 617 مترًا فوق سطح البحر، ومن المتوقع أن يواصل الارتفاع حتى الشهر المقبل عند منسوب 621 مترًا، وقد يمتد إلى منتصف سبتمبر/أيلول، ويصل منسوبه 625 مترًا.
على ماذا تتفاوض مصر؟
يقول أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة عباس محمد شراقي، المطّلع على سير المفاوضات وعمليات ملء وتشغيل السد، إن انطلاق المفاوضات مجددًا يثير العديد من التساؤلات؛ مثل: هل هي تحت رعاية الاتحاد الأفريقي؟ وهل سيكون له دور أو لا؟، وهل ستحضر أطراف دولية أخرى المفاوضات؟، وإذا كانت موجودة فما دورها؟ خاصة مع رفض إثيوبيا سابقًا مطالب مصر والسودان بأن يكون لتلك الأطراف أي دور فعال لضمان نجاحها.
وفي حديثه، للجزيرة نت، أوضح عباس، أن مصر والسودان سيتفاوضان على الملء والتشغيل، والمقصود بالملء هنا انتهاء جميع عمليات التخزين والوصول إلى مستوى 74 مليار متر مكعب، وبذلك يمكن القول، إننا في المرحلة الرابعة من الملء الأول، وستكون المفاوضات على ما تبقى من عمليات تخزين.
ومن المهم أن يطبق أي تفاهم أو اتفاق، حسب الخبير، على الملء المتكرر؛ لأن آلية عمل السد تعتمد على استمرار الملء والتفريغ، لاستمرار توليد الكهرباء في سنوات الجفاف خاصة.
وحول جدوى خوض مفاوضات جديدة، أعرب عباس عن عدم يقينه من إمكانية التوصل لاتفاق ملزم للجميع؛ “لأن إثيوبيا عوّدتنا على عدم جديتها في المفاوضات السابقة، بما فيها جولة المفاوضات بواشنطن في فبراير/شباط 2020 حيث تغيبت عن جلسة توقيع الاتفاق النهائي مع دول المصب”.
ولكنه استدرك بالقول، إنه يأمل في تستكمل إثيوبيا المفاوضات هذه المرة، خاصة أنها حققت هدفها بتخزين نحو 32 مليار متر مكعب مع انتهاء عملية الملء الحالية، وتقترب من نصف كمية التخزين المستهدفة. والأهم هو وجود إرادة حقيقية للوصول إلى اتفاق، ولكن علينا أن ننتظر ونرى؛ لأن أديس أبابا اعتدنا منها على مفاجآت اللحظة الأخيرة.
ذاكرة تفاوضية سيئة
من ناحيته، قلّل عضو اللجنة الوطنية المصرية لدراسة آثار سد النهضة سابقًا، محمد محيي الدين، من أهمية انخراط إثيوبيا في مفاوضات جديدة.
وقال “لا أعتقد أن هناك جديدًا يمكن تحقيقه؛ فمن خلال ذاكرتنا السيئة في المفاوضات مع إثيوبيا لا يمكن توقع حدوث اختراق يُذكر في الملف. وحتى إن تغير الموقف الإثيوبي أتوقع أن يكون محدود الأثر لذر الرماد في العيون، بعد أن حققت أهدافها من العملية التفاوضية بشأن سد النهضة”.
وأضاف محيي الدين للجزيرة نت، أن مصر والسودان الآن “في مرحلة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو الحصول على أي تطمينات”، مشيرًا إلى أن إثيوبيا تستمد موقفها الأحادي من تصورها بأن لديها دعمًا غربيًا وأفريقيًا، ومن بعض الدول العربية سياسيًا واقتصاديًا وماليًا، إلى جانب وجود منبع نهر النيل الأزرق، ولكن هذا لا يعطيهم الحق في السيطرة عليه.
وأكد محيى الدين أن المسألة لا تتعلق بمنع المياه عن مصر والسودان، فلا تستطيع إثيوبيا فعل ذلك؛ لأنها لن تستطيع توليد الطاقة الكهربائية، وسيظل التدفق مستمرًا، ولكنها ستصبح قادرة على التحكم في كميات إطلاق المياه من خلف السد وأمامه وتوقيتها.
ومن هنا، كما يرى الخبير، قد تتفاوض مصر على هذه النقطة الباقية، وتزداد أهميتها بعد تحويل النهر من نهر دولي إلى نهر عابر للحدود، وفق اتفاقية 2015 بين مصر والسودان وإثيوبيا.