وائل الدحدوح.. قصة تقرير لم يكتمل بعد
كعادتهم لم يتوان مراسلو الجزيرة في غزة وسائر الأراضي الفلسطينية عن بذل كل الجهد والوقت، وحتى المخاطرة بالأمن الشخصي، من أجل تقديم أفضل تغطية للعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ ما يقرب من 3 أسابيع.
لكن وائل الدحدوح مراسل الجزيرة في غزة كان النجم الأبرز الذي يمكنك مشاهدته على الشاشة صباحا وظهرا ومساء وليلا وهو ينقل ما يجري للمشاهد، في وقت تراخت فيه وسائل إعلام كبيرة عن نقل الحقيقة ناهيك عن تحريفها وتشويهها في بعض الأحيان.
ولأننا كصحفيين في موقع الجزيرة نت لا نتوقف عن متابعة شاشة الجزيرة، فقد كان لافتا وآسرا أن نرى الجهد الكبير الذي يبذله ابن غزة الدحدوح في عرض المأساة التي تحل بالقطاع بسبب القصف الوحشي الذي تشنه قوات الاحتلال ليل نهار.
قبل أيام اقترح أحد الزملاء في غرفة أخبار الجزيرة نت أن نطلب من أحد مراسلينا في غزة أن يعد تقريرا عن الزميل الدحدوح كنجم أبرز للتغطية يصل الليل بالنهار، ويتحرك من مستشفى قصفه الاحتلال إلى أنقاض منازل دمرها القصف المتواصل.
بدوري اقترحت أن يسعى الزميل الذي سيعد التقرير إلى التواصل مع الدحدوح وأن يكون من بين الأسئلة التي يطرحها عليه حال عائلته وهل يتمكن من قضاء بعض الوقت معهم في ظل هذه الظروف، وما مشاعره كأب ورب أسرة قبل أن يكون مراسلا صحفيا وهو يغطي أحداثا مؤلمة حيث أغلب ضحايا القصف من النساء والأطفال.
ولاقى الاقتراح قبولا، فالمراسل الصحفي إنسان قبل أن يكون صحفيا، والقراء عموما تجذبهم القصص الإنسانية، ولا بد أن لدى الكثير منهم شغف معرفة كيف تسير حياة هؤلاء وأسرهم وهم تحت النار وفي قلب الحدث.
خبر صادم
وبينما كان فريق الجزيرة نت في غزة يحاول تحين فرصة أو وقت لمحاولة التواصل مع الزميل الدحدوح والوقوف على حاله مع عائلته، جاء الخبر الصادم، فالاحتلال استهدف عائلته مثلما استهدف آلاف العائلات في القطاع المحاصر.
وكان الزميل الدحدوح على الهواء عندما جاءه الخبر الصادم مساء الأربعاء، فعائلته -التي نزحت كغيرها إلى منطقة ظنتها آمنة وفقا لوعود جيش الاحتلال- كانت هدفا للقصف، لتنضم إلى قائمة تضم حتى ذلك المساء 6546 شهيدا معظمهم من النساء والأطفال حسب بيانات وزارة الصحة في قطاع غزة.
وفقد الدحدوح زوجته آمنة (أم حمزة) وابنه محمود البالغ من العمر 16 عاما، وابنته شام ذات الأعوام الستة، وكذلك حفيده آدم وهو رضيع قدم إلى الدنيا قبل 45 يوما فقط.
وفقد الرجل أسرته رغم أنهم نزحوا إلى مخيم النصيرات، إحدى المناطق التي دعا الجيش الإسرائيلي سكان غزة للتوجه إليها، لكن قصف جنود الاحتلال لحق بهم إلى هناك، ليؤكد مجددا أنه لا يوجد مكان آمن بالقطاع الذي يرزح تحت الحصار والقصف منذ 20 يوما.
ولذلك لم يكن غريبا أن يختلط الحزن بالسخرية في حديث مراسل الجزيرة المكلوم وهو يربط بين استهداف الأطفال والنساء في منطقة آمنة، وبين وصف جيش الاحتلال لنفسه بأنه جيش أخلاقي.
الدحدوح كشأن كل الفلسطينيين عانى الكثير بسبب الاحتلال الإسرائيلي، فقد قضى في سجونه سبعة أعوام من عمره بعدما تم اعتقاله عام 1988 بسبب مشاركته في الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
وبعد خروجه من السجن استكمل دراسته الجامعية في الجامعة الإسلامية بغزة وحصل على درجة البكالريوس في الصحافة والإعلام عام 1998، وعندما حاول السفر خارج فلسطين من أجل استكمال دراسته كان الاحتلال له بالمرصاد، لكن منعه من السفر لم يحل دون حصوله على الماجستير ولكن من جامعة أبو ديس في الضفة الغربية.
بدأ حياته المهنية مراسلا لعدة وسائل إعلام فلسطينية قبل أن يلتحق بمكتب الجزيرة في فلسطين كمراسل ابتداء من عام 2004، ثم أصبح مديرا لمكتب الجزيرة في غزة.
على مدار السنين شارك الدحدوح مع زملائه في تغطية كل الحروب التي شهدها القطاع المحاصر، وخلال هذه الحروب فقد نحو عشرين من أقاربه بينهم إخوته وأبناء عمومته.
في حوار صحفي سابق للدحدوح، قال إن “دور الأب مفقود في مهنة الصحافة.. فعندما يحتاجك أولادك يفتقدون وجودك، وهذا شيء مؤلم جدا”.
لكن الدحدوح كان على موعد مع ألم آخر أشد وطأة، فبعد افتقاد أسرته له بسبب ضرورات العمل في ساحة صعبة، ها هو ذا يفقدهم: الزوجة والابن والابنة، وحتى الحفيد الرضيع، فأي ذنب جناه هؤلاء وغيرهم كي تنتهي أعمارهم تحت أنقاض مبان سكنية تقصفها الطائرات دون رحمة؟