استهداف بالرصاص وبالمسيّرات.. هكذا يعطل الاحتلال عمل الإسعاف في جنين
جنين- تعرّض سائق مركبة الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني أنور عطايا، قبل حوالي أسبوعين، لاعتداء مباشر أثناء توجهه لنقل إصابة في بلدة يعبد إلى الجنوب الغربي من مدينة جنين، وكانت تشهد مواجهات بين شبانها وقوات الاحتلال الإسرائيلي.
وأجبر جنود الاحتلال عطايا (52 عاما) على النزول من المركبة وإطفاء أنوارها قبل أن يسحبوا منه مفاتيحها، ويتلفوا جهازها اللاسلكي، ويأمروه بالترجل والوقوف بحالة “الشبح” أكثر من نصف ساعة في الشارع.
وقال عطايا للجزيرة نت “تهجم عليّ أكثر من 10 جنود إسرائيليين، وأهانوني وزميلي وشتموني، ومنعونا من الاتصال بمركز عملنا، وألقوا مفاتيح السيارة، وأمروني بنقل إصابة تبعد عني 10 أمتار دون تقديم الإسعاف الأولي لها”.
تحقيق وإعاقة
ويضيف ضابط الإسعاف “رفضت نقل المصاب قبل إسعافه ميدانيا، فأخبرني جندي إسرائيلي أن معي دقيقة واحدة لإسعافه، وبعد أن نقلته إلى داخل مركبة الإسعاف، دخل 3 جنود آخرون إلى جانب المصاب، وأمروني بنقله إلى منزله، وليس إلى المستشفى”.
في سيارة الإسعاف التي يقودها عطايا، أجرى جنود الاحتلال تحقيقا مكثفا مع الشاب المصاب، وأجبروا الطاقم المسعف على التوجه إلى منزله، وبعد عدة محاولات سمحوا لهم بنقله للمستشفى.
ويؤكد أن إعاقة مركبات الإسعاف أصبحت هدفا رئيسيا لقوات الاحتلال عند أي اقتحام تنفذه في مدينة جنين وقراها، حيث يتم إيقافها يوميا وتفتيشها ومنع تحركها لتأخير وصولها للمصابين بشكل خاص.
وانتشر، مساء الأحد، مقطع فيديو يظهر عددا من جنود الاحتلال يعتدون بالضرب المبرح على المسعف الفلسطيني جمال قنديل خلال اقتحام مدينة جنين ومخيمها، ويمسكون رأسه ويضربونه في مركبتهم العسكرية فيما يعلو صراخه متألما.
وخلال الاقتحام نفسه، أطلق الاحتلال النار على المستشفى الحكومي في مدينة جنين بشكل مباشر فأصيبت نوافذ غرفة مبيت الأمهات في قسم الولادة بـ3 رصاصات، وأدت رصاصة أخرى إلى تعطيل آلة غسل الكلى بشكل كامل، بحسب مدير المستشفى وسام بكر.
ويلاحَظ تعمد قوات الاحتلال عرقلة عمل طواقم الإسعاف الفلسطينية في كل اقتحام لمدينة جنين وقراها، إضافة إلى تجريف شوارعها الرئيسية والفرعية وداخل مخيمها.
اعتداءات متكررة
ويسجل مركز الهلال الأحمر الفلسطيني في محافظة جنين حالات متكررة لتعرض طواقمه للاعتداء من قوات الاحتلال، من بينها اعتداء وثّق خلال الأسبوع الجاري في قرية فحمة، حيث تعرّض مسعف من الهلال للضرب من جنود الاحتلال أثناء وجوده في محيط مواجهات بين أهالي البلدة والقوات المقتحمة لها.
ويؤكد ضابط الإسعاف أنور عطايا أن كافة طاقم الهلال تعرضت -على الأقل- مرة واحدة للاعتداء أو الضرب خلال تأدية عملهم، ويقول “قبل حوالي أسبوع مُنعت من نقل مصاب في بلدة عرابة جنوب جنين، وأطلق جنود الاحتلال النار علينا بشكل مباشر لمنعنا من الوصول إلى المصاب، مما أدى إلى استشهاده”.
ويرى المسعفون الميدانيون العاملون في جنين أن الاعتداءات الإسرائيلية على الكوادر الطبية وطواقم الإسعاف زادت بشكل كبير بعد العدوان على قطاع غزة. وأن ما يحدث يشبه إلى حد كبير الاستهداف المتعمد للقطاع الصحي في غزة، وأنه يشكل خطرا على هذا القطاع في الضفة الغربية وجنين خاصة.
بدوره، يقول المسعف صلاح منصور (28 سنة) للجزيرة نت، إن الجرافات الإسرائيلية تتعمد قطع الطرق الواصلة إلى المستشفيات لإخراجها عن الخدمة مثلما يحدث في غزة، مما يجعل وصول المصابين والمرضى إليها أمرا شبه مستحيل.
ويعمل منصور مسعفا في مركز ميداني أُنشئ داخل مخيم جنين للاجئين لتقديم الإسعافات الأولية لأهالي المخيم أثناء الاقتحامات الإسرائيلية. ويقول إن حالة الحصار التي تفرضها قوات الاحتلال على المخيم في كل اقتحام، تُصعّب تنقل سيارات الإسعاف منه وإليه، وبالتالي الوصول إلى الإصابات التي تحدث داخله.
وتجرف آليات الاحتلال العسكرية الشوارع المحيطة بالمستشفيات في مدينة جنين، وتدمر شوارع المخيم القريب بشكل مستمر منذ قرابة 5 أشهر. ويوضح منصور “قبل شهر حاصرت قوات الاحتلال 3 مستشفيات رئيسية في جنين وقريبة من المخيم، مما اضطر الإسعاف للسير في طرق التفافية للوصول إلى المستشفى الوحيد الذي كان يستقبل إصابات ذلك الاقتحام”.
ويتابع “رغم التزامنا بلباس الإسعاف ووجودنا في أماكن بعيدة عن المواجهات، فإن جنود الاحتلال لا يفرقون بين طاقم إسعافي وغيره، خصوصا بعد استخدامه طائرات مُسيّرة تقصف التجمعات في شوارع المخيم، مما يضاعف الخطر على حياتنا كمسعفين”.
ويضيف منصور “أصيب زميل لنا برصاصة في الصدر أطلقها عليه قناص إسرائيلي، وهو يحاول نقل إصابة، وذلك قبل عدة أشهر، ولا تزال الرصاصة مستقرة في صدره حتى اليوم بعد تعذر إزالتها”.
كما أصيب مسعف ميداني بشظايا صاروخ أُطلق من طائرة إسرائيلية مُسيّرة في اقتحام مخيم جنين في يوليو/تموز الماضي.
مخاوف
وبحسب العاملين في مجال الإسعاف الميداني في مخيم جنين، فإن اعتداءات قوات الاحتلال زادت بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي (عملية طوفان الأقصى) مما أدى لتضاعف الخوف لدى المتطوعين في مجال الإسعاف وأهاليهم، إذ تقلص عددهم من 23 إلى قرابة 5 متطوعين فقط في الاقتحامات الأخيرة للمخيم.
وحتى اليوم، لا تزال صابرين الكيلاني، التي تعمل كممرضة في الهلال الأحمر الفلسطيني، تعاني من آثار إصابة تعرضت لها قبل شهرين خلال محاولتها نقل شاب مصاب من حارة الدمج داخل مخيم جنين.
وتعرضت الكيلاني للإصابة برصاصة متفجرة أطلقها قناص إسرائيلي عليها بشكل مباشر فأصيبت في البطن استقرت في الظهر، كما أصيبت بشظايا رصاصة أطلقت على سيارة الإسعاف التي كانت تستقلها.
وتقول للجزيرة نت “حتى اليوم لا يمكنني المشي، تضرر العصب الوركي في ظهري، وتقرر إجراء عملية جراحية لي في الأشهر القادمة في حال عدم التحسن مع العلاج الطبيعي الذي أخضع له حاليا”.
وتضيف الكيلاني “كنت أؤدي عملي بشكل عادي، وبرصاصة من قناص أصبحت لا أقوى على السير بشكل طبيعي، رغم أني أعمل مع الهلال الأحمر، وكان هذا واضحا جدا لجنود الاحتلال وقت إطلاق النار علينا”.