خبير عسكري: إسرائيل مطالبة بالمناورة لضمان استمرار الدعم الأميركي
القدس المحتلة- في ظل استمرار الحرب على غزة والتصعيد المتواصل مع حزب الله، وجدت إسرائيل نفسها عالقة قبيل انتخابات الرئاسة الأميركية، في مواجهة رزمة من التحديات الداخلية والإقليمية والدولية التي تضعها على المحك بكل ما يتعلق بمتانة العلاقات مع الولايات المتحدة.
وخلص تقدير موقف صادر عن معهد “يروشاليم” للإستراتيجية والأمن أن تل أبيب تواجه مجموعة من القضايا تتعلق بكل من علاقتها مع واشنطن، والتهديد الإيراني النووي والتقليدي، والحرب في غزة، وانتهاك حقوق الفلسطينيين، وتسوية الصراع بموجب حل الدولتين، والحصار الذي يفرضه الحوثيون على التجارة العالمية، والرد على تهديد حزب الله.
أمام هذا الواقع والتحديات، يقول عقيد احتياط بالجيش الإسرائيلي غابي سيفوني، الذي صاغ تقدير الموقف، إن “الانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة سيكون لها تأثير كبير على الوضع الإستراتيجي لإسرائيل”.
أمن إسرائيل
وأوضح سيفوني أن أحد أسس المفهوم الأمني الإسرائيلي الذي تم اعتماده منذ عقود هو “الحفاظ على الدعم الأميركي العابر للأحزاب” حتى خلال الفترات التي كانت فيها الإدارات في البيت الأبيض “أقل تعاطفا” مع إسرائيل، التي بدورها أدركت طوال هذه السنوات كيفية التلاعب بالأطراف المختلفة، للإبقاء على الإجماع الأميركي الداعم لها عسكريا ودبلوماسيا.
“وبطبيعة الحال، لم تكن هذه المناورة ناجحة دائما”، يضيف سيفوني، “فعلى سبيل المثال، رفضت الولايات المتحدة في نهاية ولاية باراك أوباما في ديسمبر/كانون الأول 2016، استخدام حق النقض ضد قرار مجلس الأمن المقترح ضد المستوطنات في الضفة الغربية، في حين أن واشنطن قادت هذا القرار من وراء الكواليس”.
ويتحدث الباحث الإسرائيلي عن وجود أزمات أيضا مع الإدارات الجمهورية، مثل ما جرى عند إعادة التقييم العلاقات بين الطرفين عام 1975 في عهد الرئيس جيرالد فورد، “لكن يبدو أن إسرائيل تمكنت من المناورة والحفاظ على دعم معقول من البيت الأبيض ومجلس النواب”.
وفجرت عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 تراكما بالأزمات، كان -على ما يبدو- مخفيا لسنوات، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل أيضا في عديد من البلدان الأوروبية، وفقا لتقدير الموقف.
ولفت المصدر نفسه إلى أن هذه الأزمات التراكمية تم التعبير عنها من خلال موجة الاحتجاجات التي اجتاحت الشوارع في مختلف العواصم العالمية والأوربية والولايات ضد إسرائيل، ومظاهرات التضامن مع الشعب الفلسطيني، التي طالبت إدارة الرئيس جو بادين بالتوقف عن مساعدة إسرائيل في الحرب على غزة.
واستعرض تقدير الموقف سلوك إدارة بايدن خلال الحرب، إذ أدى هذا النهج إلى تعميق الفجوة بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، وانعكس ذلك في الضغوط الأميركية لوقف الحرب، وترك حماس حاكمة لغزة بعد الإخفاق في القضاء عليها، والضغط لتجنب استكمال العملية في رفح، إلى جانب توظيف قضية المحتجزين الإسرائيليين لإنهاء الحرب.
ورأى سيفوني أن أخطر الأزمات التي عمقت الفجوات بين البيت الأبيض والحكومة الإسرائيلية كانت “وقف شحنات الذخيرة، بينما تعيش إسرائيل واحدة من أسوأ الأزمات الأمنية في تاريخها، ويبدو أن إدارة بايدن -بفعلها هذا- قد خرقت عديدا من الاتفاقيات الأساسية المتعلقة بالتزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل”.
بين بايدن وهاريس
بعد تراجع بايدن عن خوض انتخابات الرئاسة الأميركية، التي ستجري في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وبعدما حلت محله كامالا هاريس لتكون مرشحة الحزب الديمقراطي، يتوقع تقدير الموقف أن تكون هناك تغييرات عميقة في كل ما يتعلق بالمساعدات الأميركية لإسرائيل إذا فازت هاريس بالانتخابات.
وحسب تقديرات سيفوني، فإن التغييرات لن تقتصر على مسألة المساعدات العسكرية، بل سيكون هناك تغير في نظرة الإدارة الأميركية لإسرائيل بشكل أساسي، قائلا إن “التغيير ينبع من فهمها لطبيعة الصراع في الشرق الأوسط، وتقييم تأثيره على العالم بشكل عام، وعلى الولايات المتحدة بشكل خاص”.
ورغم أن هاريس تتمتع بعلاقات عميقة مع اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، فإنها بخطابها في مارس/آذار 2024 كانت أول من دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، مرددة رواية حماس عن الأزمة الإنسانية في غزة، والحاجة إلى زيادة المساعدات الإنسانية، حسب ما يقول سيفوني.
ويقدر الباحث الإسرائيلي أن تضغط هاريس على حكومة نتنياهو من خلال مجموعة متنوعة من الأدوات التي ستمتلكها، في حال فوزها، بما في ذلك “الإضرار بالمساعدات العسكرية”، إذ تعبّر تصريحاتها أيضا عن تغيير عميق في أجزاء من الحزب الديمقراطي تجاه إسرائيل.
وأشار إلى أن تصور هاريس بكل مع يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني والملف النووي الإيراني من شأنه أن يؤثر على استمرار المساعدات الأميركية لإسرائيل، لافتا إلى أن اتفاقية المساعدات العسكرية لإسرائيل تنتهي عام 2028، وإذا تم انتخاب هاريس، فليس من الواضح كيف ستقرر تمديدها.
وأوضح سيفوني أنه منذ عهد الرئيس أوباما، كان هناك ميل في الحزب الديمقراطي لتجنب التعامل مع إيران على أساس أنها مصدر لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، قائلا إن “هاريس قريبة من هذا الموقف، ومن المرجح أن تستمر في خط أوباما في محاولة التوصل إلى نوع من الاتفاق، وتجنب أي مواجهة مع طهران”.
إدارة ترامب الثانية
من ناحية أخرى، لا يبدو أن هناك جدلا أن إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كانت من بين أكثر الإدارات تعاطفا مع إسرائيل، فخلال فترة ولايته قام بسلسلة من الإجراءات التي غيرت بشكل كبير موقف إسرائيل في الشرق الأوسط، وفقا لما ورد في تقدير الموقف.
واستذكر التقدير نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، وتوقيع اتفاقيات التطبيع، لكن ليس من الواضح على الإطلاق كيف ستتصرف إدارة ترامب الثانية -إذا تم انتخابها- مع إسرائيل.
يقول سيفوني إن “الفجوة بين المرشحين واضحة”، فحتى لو خففت إدارة هاريس قليلا من نهجها المتحفظ تجاه إسرائيل، فإن اتجاه الأمور واضح، ومعناه إشكالي للغاية بالنسبة لإسرائيل، “ويرجع ذلك أساسا إلى المفهوم الإستراتيجي العام للصراع الذي تخوضه إسرائيل مع المحور الراديكالي بالشرق الأوسط”، وفق تعبيره.
فك الارتباط
وحيال ذلك، يعتقد الباحث أن إسرائيل، التي تعتمد على المساعدة الأمنية الأميركية، ستكون مطالبة بالمناورة بين القوى في الولايات المتحدة، قائلا إنه “ليس من الواضح على الإطلاق كيف سيتم تجديد اتفاقية المساعدات مع إسرائيل في أي إدارة مستقبلية في البيت الأبيض”.
وعليه، يقترح تقدير الموقف على الحكومة الإسرائيلية دراسة فك الارتباط تدريجيا مع هذه المساعدات، وفحص إلى أي مدى تفوق تكلفتها مصالح إسرائيل على المدى الطويل، وإذا ما كانت هذه المساعدات تخلق اعتمادا إشكاليا لإسرائيل على الولايات المتحدة، وتمس باستقلالية صناعة الدفاعات الإسرائيلية.
وعلى خلفية كل هذه المستجدات، يقول سيفوني إن “إسرائيل مطالبة في هذه المرحلة بالمناورة، لضمان استمرار تلقي المساعدات العسكرية والدعم الدبلوماسي الضروري لتحقيق أهداف الحرب، وكذلك تعطيل المشروع النووي الإيراني ومنع استكماله، وينبغي أن يكون هذا هو هدف الإدارة الأميركية المقبلة”.