لماذا يريد الصومال التحول لنظام الانتخابات المباشرة؟
مقديشو- يحاول الصومال خوض تجربة تنظيم الانتخابات المباشرة بدلا من غير المباشرة السائدة في البلاد منذ نحو عقدين، بدءا بتطبيقها على الولايات الفدرالية العام القادم.
وتواجه هذه المحاولة جملة من التحديات الأمنية والسياسية واللوجستية التي يمكن أن تتسبب في فشلها، لاسيما بعد اتفاقيات عدة بين أعضاء المجلس التشاوري الوطني المكون من الحكومة الفدرالية ورؤساء الولايات الفدرالية لإيصال البلاد إلى انتخابات مباشرة وموحدة.
وكان الصومال يعتمد منذ عام 2000 على نظام انتخابات غير مباشرة مبني على المحاصصة القبلية، بحيث تقسم المناصب السيادية على قاعدة 4-5، بمعنى 4 قبائل كبرى و5 صغرى.
ويمثل مجلس الشعب الغرفة الأولى للبرلمان، ويبلغ عدد أعضائه 275، ويختاره نحو 30 ألف ناخب، وفق نظام قبلي يحوز توافقا سياسيا ولا يرتبط بعدد السكان. ويتكون مجلس الشيوخ من 54 عضوا، ويمثل الولايات الفدرالية، حيث ينتخب أعضاؤه من قبل برلمانات الولايات الخمس.
محاولة وفشل
ولتجاوز هذا النموذج الانتخابي التقليدي (غير المباشر) توصل منتدى المجلس التشاوري الوطني في مايو/أيار 2023 إلى اتفاق يقضي بإجراء انتخابات مباشرة في أكتوبر/تشرين الأول 2024، لكن الحكومة فشلت في تنظيمها لعدم وجود قوانين للانتخابات.
وعقد المجلس في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي موعدا آخر، واتفق أعضاؤه على إجراء انتخابات مباشرة في سبتمبر/أيلول 2025. وترفض ولايتان من أصل 5 مقترح الحكومة بذريعة أنه غير واقعي، بينما ترى المعارضة السياسية أن هذه الخطوة مجرد محاولة حكومية لتمديد السلطة لمدة أطول.
وبحضور وزير الداخلية علي يوسف علي، مرر البرلمان بمجلسيه الشعب والشيوخ، أمس الأربعاء، القراءة الثانية لمشروع قانون تشكيل لجنة الانتخابات والحدود التي ستتولى إعداد قانون الانتخابات والأحزاب السياسية تمهيدا لإجراء انتخابات مباشرة على المستوى الفدرالي والمركزي في سبتمبر/أيلول 2025.
ويقول النائب في مجلس الشعب محمد آدم، للجزيرة نت، إن إيصال البلاد إلى نموذج انتخابات ديمقراطية هي أولوية الحكومة الحالية منذ تشكيلها عام 2022، وهي تسعى لإحداث تغيير ديمقراطي لحجب صيغة الانتخابات التقليدية والعمل على إعادة الحكم للشعب تنفيذا لمخرجات منتدى المجلس التشاوري.
وبرأيه، فإن أي تحول سياسي من الطبيعي أن ترافقه بعض العقبات في مراحل تنفيذه و”الحكومة تدرك هذه الصعاب، وهذا التحول سيقلق الكثير من السياسيين خوفا على مصالحهم السياسية لذلك يفضلون الاستمرار في صيغة الانتخابات غير المباشرة رغم الجهود الدولية لتعزيز الديمقراطية في البلاد”.
ووفق النائب آدم، فإن رؤساء الولايات الفدرالية هم من أفشلوا خطة الحكومة السابقة لإجراء انتخابات مباشرة في البلاد، لتضطر أخيرا لتنظيم أخرى غير مباشرة يتحكم رؤساء الولايات في مجرياتها و”لهذا لا يمكن تكرار هذا الأمر”.
ويأتي هذا بينما مدد رؤساء الولايات الفدرالية فترة حكمهم من 4 إلى 5 سنوات بضوء أخضر من قبل الحكومة في إطار اتفاقية بين المركز وهذه الولايات لإجراء انتخابات مباشرة موحدة فيها، وسط تحذيرات المعارضة من تعريض نظام التداول السلمي الهش لخطر القفز إلى المجهول.
غير واقعية
وردا على هذه التهم، أكدت الحكومة الفدرالية عبر وزارة الشؤون الداخلية والمصالحة (المخولة بتنظيم الانتخابات) أن فترات رؤساء هذه الولايات انتهت، وأن استمرارهم في المناصب كان بناء على تفاهم سياسي للتحضير لانتخابات مباشرة، لذلك لا يمكن لأي رئيس ولاية تنظيم انتخابات تختلف عن النمط المتفق عليه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وترفض ولايتا جوبالاند وبونتلاند المعارضتان نموذج الانتخابات المباشرة التي تسعى الحكومة الفدرالية إلى تطبيقها عام 2025، معتبرة أنها غير واقعية نظرا للتحديات الأمنية والاقتصادية وغياب التوافق بين الشركاء السياسيين.
ويقول عبد القادر محمود النائب بمجلس الشعب عن ولاية جوبالاند إن المسألة لا تتعلق بخوف من التجربة الديمقراطية وإنما في واقعيتها نظرا للمعطيات الراهنة أمنيا واقتصاديا وقانونيا. وأوضح للجزيرة نت أن ما ترفضه الولايتان هو “لي أعناق الدساتير التي تكفل أحقيتها بتنظيم انتخاباتها المحلية تفاديا لحدوث فراغ دستوري يهدد الاستقرار السياسي في البلاد”.
وبرأيه، يعود فشل إجراء نموذج انتخابات مباشرة إلى الحكومة التي تسعى لخرق الدستور المؤقت، من خلال طرح صيغة انتخابات مباشرة بدلا من غير المباشرة دون التوصل لتوافق سياسي، مما قد يؤدي لأزمة سياسية قد تعصف بأمن البلاد.
وبخصوص الحديث عن تنصل ولاية جوبالاند عن اتفاقية المجلس التشاوري الوطني، يقول النائب محمود إنه “ادعاء غير صحيح” فقرارات المجلس لا يمكن تطبيقها إلا بحضور جميع أعضائه، حيث تغيب رئيسا جوبالاند وبونتلاند -من أصل 5 رؤساء- بسبب خلافاتهما مع الحكومة المركزية حول صيغة الانتخابات مما يجعل تلك القرارات ملغاة.
وأوضح أن مقترح نموذج الانتخابات المباشرة يعد مجرد آلية تلوح بها الحكومات مع قرب نهاية ولاية رئيس البلاد بهدف تحقيق فرصة للبقاء في السلطة لمدة أطول، أو إيجاد أرضية تمكن الرئيس من الفوز بولاية ثانية على التوالي.
أزمة سياسية
بدوره، أعلن رئيس ولاية جوبالاند أحمد مدوبي عن تشكيل لجنة الانتخابات المحلية والحدود تمهيدا لإجراء انتخابات غير مباشرة في غضون نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وهو ما عدته وزارة الشؤون الداخلية -في بيان- خطوة غير قانونية، معتبرة أن رئيس الولاية لا يتمتع بالصلاحية الكافية لتشكيل هذه اللجنة بالإقليم نظرا لانتهاء فترة ولايته في أغسطس/آب 2023.
يُذكر أن مدوبي يرأس جوبالاند منذ تشكيلها عام 2013، وأجرى انتخابات محلية كان يفوز بها كل مرة دون موافقة الحكومة الفدرالية، آخرها انتخابات عام 2019 التي فاز بها لولاية ثالثة، ويتوقع أن يفوز بالانتخابات التي سيجريها هذا الشهر.
ويرى النائب ورئيس حزب ودجر المعارض عبد الرحمن عبد الشكور أن استمرار رؤساء الولايات الفدرالية في مناصبهم بعد انتهاء فترة ولايتهم يخالف الدستور المؤقت أو حتى دساتير هذه الولايات، فليس من صلاحيات الحكومة تمديد فترة الرؤساء مما ينذر بتفجر أزمة سياسية مع المعارضة ويعيق عمل المؤسسات الحكومية.
ويقول عبد الشكور -للجزيرة نت- إن الحكومة تتخذ خطوات غير قانونية ومخالفة للدستور من خلال عرقلة تنظيم ولاية جوبالاند انتخاباتها الرئاسية، فجميع الرؤساء انتهت فترة ولايتهم ويستمرون في مناصبهم بطريقة غير قانونية مما سيولد فراغا دستوريا في البلاد.
وبرأيه، تسعى الحكومة -عبر تمديد فترة ولاية رؤساء الولايات الفدرالية- إلى البقاء في السلطة مدة أطول، رغم أن رئيس البلاد حسن شيخ محمود كرر -في أكثر من مناسبة- عدم نيته تمديد فترة حكمه.