لماذا ترى الأوساط الإيرانية تفجيرات البيجر فشلا إسرائيليا في الحرب؟
طهران – في الذكرى الأولى لإحباط المخابرات الإيرانية عملية تخريب واسعة كانت تستهدف صناعاتها الصاروخية وبرنامج الفضاء، أعادت تفجيرات أجهزة التنبيه (البيجر) والاتصالات اللاسلكية في لبنان “أكبر المؤامرات التخريبية التي استهدفت صناعات طهران للصواريخ والطيران والفضاء” إلى أذهان الإيرانيين، محذرين من إمكانية تكرارها في الجمهورية الإسلامية.
وفي مطلع سبتمبر/أيلول 2023، كانت وزارة الدفاع الإيرانية أعلنت أنها أحبطت مؤامرة ما وصفتها بالشبكة المحترفة التي خططت بالتعاون مع بعض المتسللين لإدخال أجزاء معيبة في عجلة إنتاج الصواريخ المتقدمة لدى الصناعات الصاروخية، مضيفة أن هذه الشبكة سعت بتوجيه مباشر من جهاز الموساد الإسرائيلي إلى تحويل الصواريخ المنتجة من خلال بيع القطع المجهزة إلى عبوات ناسفة لضرب الخطوط الصناعية والموظفين العاملين في هذا المجال.
وفور تلقي أنباء تفجيرات أجهزة البيجر في لبنان، راحت شريحة من الإيرانيين تلقي باللوم على الجهات المعنية لعدم تنبيه الحليف اللبناني للخطر المحدق به عبر أجهزة النداء، رغم أن أعلى مرجعية دينية في إيران علي خامنئي كان قد أصدر قبل 14 عاما فتوى بتحريم منتجات شركة الاتصالات الشهيرة “موتورولا” لعلاقتها بإسرائيل.
خشية من أحداث مشابهة
في السياق، وجّه عدد من نواب البرلمان الإيراني تحذيرات لرئاسة الجمهورية ووزارة الاتصالات والسلطات التنفيذية في إيران والدول الإسلامية من إمكانية تكرار حوادث لبنان لديها في حال تماديها في استخدام منتجات الشركات المقربة من الاحتلال الإسرائيلي، مطالبين بحظر استيراد منتجات هذه الشركات إلى إيران.
وبينما أعلنت شركة “آيكوم” اليابانية أنّها تحقّق في ما إذا كان أي من أجهزة الإرسال اللاسلكية التي انفجرت في لبنان من تصنيعها، نشر مغردون على مواقع التواصل الاجتماعي صورا تدل على استخدام القوات المسلحة الإيرانية منتجات هذه الشركة اليابانية وشركة “غولد أبولو” التايوانية المصنعة لأجهزة البيجر التي انفجرت في لبنان، وعبروا عن خشيتهم من تكرار هذه الحوادث في بلدهم.
إذ اعتبر النائب البارز في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي إصابة سفير طهران في بيروت مجتبى أماني في تفجيرات البيجر تجاوزا إسرائيليا للحكومة والشعب الإيرانيين، مطالبا “برد قاطع مثل عملية الوعد الصادق التي جاءت ردا على الهجوم الإسرائيلي الإرهابي على القنصلية الإيرانية بدمشق”.
قراءة سياسية
وبينما تقرأ شريحة من المراقبين الإيرانيين تفجيرات لبنان الأخيرة بأنها دليل على إيلام عملية الأربعين التي وجهها حزب الله اللبناني للكيان الإسرائيلي ردا على اغتياله القائد العسكري فؤاد شكر، يرى آخرون أن تأجيل الثأر لدماء القيادي في حركة حماس إسماعيل هنية، الذي اغتيل في طهران الشهر الماضي رغم التلويح المتكرر بعصا الانتقام، لا بد أن يوهم العدو بتراجع إيران أمام التحشيد الغربي في المنطقة.
وردا على هذا الطيف من التقديرات، أعلنت القوات المسلحة الإيرانية أن “مرور الوقت لن يخل بعزم إيران على الانتقام لدماء الشهيد إسماعيل هنية”، كما تعمد الرئيس مسعود بزشكيان أن يختم تغريدته بشأن تفجيرات لبنان على منصة إكس بقوله “الله عزيزٌ ذو انتقام، وسينال المجرم بالتأكيد القصاص العادل”.
من ناحيته، يقرأ الباحث في الشؤون الأمنية محمد قادري تفجيرات لبنان في سياق الحرب الإسرائيلية الهجينة على حزب الله اللبناني، موضحا أن التفجيرات الأخيرة هي الثالثة من نوعها منذ خمسة أعوام، بعد تفجير نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت صيف 2020 وسلسلة اغتيالات قادة المقاومة الإسلامية في الضاحية الجنوبية خلال الأشهر القليلة الماضية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى قادري أن الكيان الإسرائيلي وانطلاقا من علمه بتزايد شعبية حزب الله اللبناني عقب عملياته الإسنادية للشعب الفلسطيني في غزة يعمل حثيثا للنيل من الحزب وتحميله مسؤولية زعزعة الاستقرار وجر لبنان إلى الحرب، مستخدما حربا أمنية واستخبارية وتقنية وسيبرانية ضد المقاومة اللبنانية.
ورأى أن تفجيرات أجهزة الاتصالات اللاسلكية في لبنان نسخة طبق الأصل من المؤامرة التي أراد تنفيذها في برنامج الصواريخ الإيرانية، مؤكدا أن الصراعات الإسرائيلية تبتعد عن الحروب التقليدية وتتجه نحو الاعتماد على العمليات الهجينة باستخدام المعلومات الأمنية والتقنيات الحديثة والحرب النفسية.
وختم قادري حديثه بدعوة محور المقاومة إلى ضرورة توخي الحيطة والحذر في اقتناء واستخدام الأجهزة الإلكترونية والبرمجيات لاسيما منتجات الشركات التي تربطها علاقات متينة مع الكيان الصهيوني.
خطوة خطيرة
من ناحيته، يرى الباحث السياسي حسن هاني زاده تفجيرات الأجهزة اللاسلكية تدشينا لمرحلة جديدة من الصراع، موضحا أنه بعد فشل الكيان الصهيوني في تحقيق أهدافه في غزة من خلال الحرب الكلاسيكية، رغم استخدامه شتى أنواع الأسلحة غير التقليدية بمساعدة حلفائه الغربيين خلال العام الماضي، ينتقل الآن إلى الحرب الإلكترونية حيث يتوهم أنه يمتلك اليد العليا فيها.
ويعتبر الباحث الإيراني أن شن الاحتلال الإسرائيلي حربا إلكترونية على المقاومة الإسلامية اعتراف بهزيمته أمامها ولعلمه بالقدرات العسكرية لدى محور المقاومة، حيث ضاق ذرعا من مواجهتها لا سيما الصواريخ الفرط صوتية لدى إيران واليمن، إضافة إلى شتى أنواع المسيرات.
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير هاني زاده إلى فشل الموساد الإسرائيلي في الإخلال في برنامجي الصواريخ الباليستية والفضاء الإيرانيين العام الماضي، مؤكدا أنه لا يستبعد أن تصل مثل هذه التفجيرات الإلكترونية إلى إيران خلال المرحلة المقبلة، بل لا يستبعد أن تلجأ تل أبيب إلى استخدامها ضد الطائرات المدنية لتسديد ضربات إلى محور المقاومة.
وعن سبب تفعيل الحرب الإلكترونية في المرحلة الراهنة، يرى المحلل الإيراني أن تل أبيب تريد توجيه رسالة من خلال تفجيرات لبنان لوضع حد للعمليات التي في طريقها لضرب العمق الإسرائيلي خلال المرحلة المقبلة.
وخلص إلى أن تفجيرات البيجر والأجهزة اللاسلكية قد تكون مقدمة لشن كيان الاحتلال عملية في لبنان، مؤكدا ضرورة تدبير محور المقاومة حلا شاملا لمواجهة الحرب الإلكترونية الإسرائيلية خلال المرحلة المقبلة.